استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السياسة وأمراضها العنصرية والشعبوية

الجمعة 28 يوليو 2023 03:23 ص

السياسة وأمراضها العنصرية والشعبوية

أمراض السياسة بعضها عهدناه يأتي لمرحلة وترحل، ومنها أمراض مقيمة لا ترحل وأمراض تنتقل بين الدول بالعدوى وأمراض يتوارثها الأبناء.

الشعبوية من أهم أمراض السياسة في عصرنا يشاركها في الأهمية مرض العنصرية، والعنصرية بحد ذاتها عنوان تصطف تحته عناوين أمراض أخرى كثيرة.

انغماس الحكام في مسألة الديون ظل قائماً منذ عصر الاستعمار عندما كان المستعمر يستدرج الملوك والسياسيين إلى فخ الديون، ليسهل التحكم في سياساتهم.

من أخطاء بعض السياسيين المعاصرين المتكررة استسلامهم للغرور، رغم أن تاريخ أسلافهم حذرهم من العواقب الوخيمة لهذا الاستسلام، نهاية نابليون نموذجاً.

أغلب ردود الفعل على الأزمات أخذت شكل سياسات وقرارات حمائية، ودفعت لسطح الأحداث تيارات وتوجهات قومية أو دينية أو عنصرية أو جميعها معا ومتطرفة.

من أمراض السياسة شن السياسيين حملات غزو مسلح ضد دولة أخرى جارة أو بعيدة وجعل البيت الأبيض مصدراً لتجارب ينفذها جماعة المحافظين الجدد والغلاة ضد دول صغيرة.

* * *

أعترف مع كثيرين، بأن السنوات الأخيرة كانت صعبة، ولم ينج من التعرض لآثار صعوباتها إلا القليل من السياسيين وأصحاب القرار. وحدها كانت جائحة الكورونا سبباً كافياً لإنهاك أفراد النخب السياسية الحاكمة وغير الحاكمة على حد سواء.

لكنها لم تأتِ منفردة. جاءت وفي ركابها، أو سبقتها، تعقيدات أزمة اقتصادية غير منفصلة تماماً عن الأزمة المالية المستحكمة والخانقة التي ضربت الدول وأسواقها في نهاية العقد الأول من القرن الجديد.

«أزمة الكورونا وأزمة الاقتصاد» اجتمعتا مع موجات متدفقة ومتلاحقة من ردود الفعل للعولمة، ردود أمريكية بخاصة ولكن أيضاً دولية، أغلب الردود أخذت شكل سياسات وقرارات حمائية، ودفعت إلى سطح الأحداث بتيارات وتوجهات قومية أو دينية أو عنصرية أو جميعها في آن، ومتطرفة أيضاً.

وهذه الأحداث والتيارات والأزمات وظروف أخرى موجودة وفاعلة، مع استعداد نفسي بالضرورة، جسدت لهذه المرحلة في التاريخ الحديث شخصيات سياسية لا أقول فريدة، ولكن لكل منها طابع خاص واهتمام مختلف.

تسببت في الوقت نفسه في تفشي أنواع شتى من أمراض السياسة. منها أمراض عهدناها تأتي لمرحلة وترحل، ومنها أمراض مقيمة لا ترحل وأمراض تنتقل بين الدول بالعدوى وأمراض يتوارثها الأبناء.

منها أمراض تصيب السياسيين ضعاف النفوس والشخصية، وعلى العكس يمكن أن تصيب أيضاً سياسيين مصابين بداء العظمة. تصيب أيضاً وبكثرة السياسيين من ذوي النزعة أو الخلفية الدينية. كثيرون من قادة الدول، في إفريقيا خاصة، يعتقدون أن كرسي الزعامة، هو حق لهم بالوراثة حتى البعيدة.

من الأخطاء السائدة، الاعتقاد أن كثيراً من أمراض السياسة الشائعة موطنها الأصلي عالم الجنوب. الشعبوية مثلاً تعرفنا إليها مما وصل إلينا من مقتطفات الجرائد الناطقة في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي لخطب بنيتو موسوليني وأدولف هتلر وجوزيف ستالين ومصطفى النحاس، وفي أساليب التعامل والمخاطبة كما شاهدنا في سنوات رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة وبوريس جونسون لحكومة المملكة المتحدة.

كل هؤلاء وغيرهم كثيرون لجأوا إلى الشعبوية رغبة في تجاوز البرلمانات وأدوات الإعلام الرسمي، وطمعاً في توسيع قاعدة التأييد من قطاعات شعبية بعيدة عن تأثير ونفوذ الوسائل العادية.

الشعبوية ليست أهم أمراض السياسة في العصر الذي نعيش. هي بلا شك واحدة من الأهم. يشاركها في الأهمية مرض العنصرية، والعنصرية في حد ذاتها عنوان تصطف تحته عناوين أمراض أخرى كثيرة، منها على سبيل المثال ممارسات التعالي أو عكسها على الإطلاق، مثل ممارسات الدونية.

أقرب هذه الممارسات الدونية ما عاصره بعض المعمرين من بيننا عن أساليب التعامل السياسي بين السياسيين في الدول شبه المستقلة وممثلي الدول الغربية المهيمنة من ناحية وبين بعض السياسيين في الدول الفقيرة.

ينعكس هذا النوع من الدونية على العلاقة الحقيقية والمتوترة غالباً التي تنشأ بين فقراء العشوائيات مثلاً ورؤساء وموظفي المجالس المحلية في دول عديدة في الشمال كما في الجنوب.

ومن الأمراض الشائعة في أيامنا، وكانت شائعة في الماضي للأسباب نفسها أو لأسباب مختلفة، شن السياسيين حملات الغزو المسلح ضد دولة أخرى جارة أو بعيدة، وجعل البيت الأبيض مصدراً لتجارب ينفذها جماعة المحافظين الجدد والغلاة ضد دول صغيرة.

تدخلت أمريكا في عهد الرئيس بوش الابن في شؤون العراق بالغزو المسلح بادعاء ثبت زيفه. أمريكا ربما صارت الدولة الأكثر استخداماً للحرب في علاقاتها الدولية. كان الغزو نمطاً مألوفاً في عصر الاستعمار الغربي والسوفيتي، وكان الظن أننا بنهاية الحرب العالمية الثانية انتقلنا إلى علاقات دولية لا تلجأ فيها الدول إلى أسلوب الغزو.

لم ندرك، ولعلنا ما زلنا لا ندرك، أن النظام الدولي الذي رسمت خريطته ووضعت قواعده الولايات المتحدة بهدف المحافظة على السلم الدولي، كان هو نفسه بقواعده المبرر الذي استخدمته أمريكا لغزو كوريا وفيتنام والعراق وسوريا وسمحت للناتو بغزو ليبيا، وتسمح لإسرائيل باحتلال أراضٍ ورفض مبادئ السلام والأمم المتحدة.

ومن الأخطاء التي صارت شائعة تشكيل السياسيين في بعض الدول ميليشيات عسكرية وقوات غير نظامية، لحمايتهم وإنشاء أجهزة إعلامية فائقة التمويل هدفها تضخيم صورة وأعمال السياسيين في دول العالم النامي إلى الحد الذي يدفع المعارضين المحرومين من حرية التنظيم والرأي لتصعيد وتنويع أنشطتهم في مسالك غير قانونية أو تحت الأرض.

من الأخطاء الشائعة أيضاً انغماس الحكام في مسألة الديون. هذا الخطأ ظل قائماً منذ عصر الاستعمار عندما كان المستعمر يستدرج الملوك والسياسيين إلى فخ الديون، ليسهل التحكم في سياساتهم.

ومن أخطاء بعض السياسيين المعاصرين المتكررة استسلامهم للغرور، رغم أن تاريخ أسلافهم حذرهم من العواقب الوخيمة لهذا الاستسلام، نهاية نابليون نموذجاً. أذكر في هذا الصدد رواية الأستاذ هيكل عن استقبال السوريين واللبنانيين لعبدالناصر في زيارته الأولى لدمشق كرئيس للجمهورية العربية المتحدة.

بلغت حرارة اللقاء ذروتها، الذروة التي هزّت أفئدة عبدالناصر ومرافقيه الواقفين على شرفة قصر الضيافة من سوريين ومصريين، ودفعت هيكل لأن يهمس للرئيس بأن يحتاط ضد الغرور قائلاً له «يا ريس.. ماتنساس إنك بشر».

*جميل مطر كاتب ومفكر سياسي، دبلوماسي مصري سابق

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

السياسة العنصرية الشعبوية الديون أمراض السياسة داء العظمة النخب السياسية الحاكمة