تحليل: كيف يساعد التطبيع السعودي الإيراني الاستقلال الاستراتيجي الهندي؟

الجمعة 28 يوليو 2023 09:14 م

رأي المحلل والأكاديمي الهندي جوبي كريشنا بهاميديباتي، أن مشهدا جيوساسيا جديدا يبرز في الشرق الأوسط، يتمثل في إعادة تنظيم للعلاقات بين دول المنطقة أبرزها التطبيع السعودي الإيراني بوساطة صينية.

واعتبر بهاميديباتي المتخصص في علاقات الهند مع إسرائيل وإيران ودول مجلس التعاون الخليجي، في تحليل نشره منتدى دول الخليج العربية فى واشنطن أن هذا المشهد يدفع الهند إلى السعي لتحقيق قدر أكبر من الاستقلال الاستراتيجي.

وأوضح أن هذا المسعي يدعم تحقيقه رغبة القوى الإقليمية المتنافسة في تنويع سياستها الخارجية، وتتبنى البراجماتية والمصالح الوطنية على الأيديولوجيا والجغرافيا السياسية.

وأكد بهاميديباتي الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، أن اتفاق التطبيع الإيراني السعودي، الذي تم إعلانه في مارس/آذار الماضي، سيكون له تداعيات على الهند، حيث يرى خبراء أن الاتفاق وإن كان مؤشرا على تصاعد النفوذ الصيني وتضائل الأمريكي، فإنه بلا شك بمثابة دعوة لاستيقاظ الهند.

بينما يرجح البعض أن يؤدي التحالف السعودي الإيراني الصيني الجديد إلى الإضرار بالمصالح الوطنية للهند في الشرق الأوسط والمنطقة الأوسع في غرب آسيا، يرى أخرون إن نيودلهي سوف تستفيد من أي تقليل للأعمال العدائية في منطقة معرضة لعدم الاستقرار.

فوائد قصوى

واستشهد بهاميديباتي بتصريحات صادرة عن متحدث وزارة الشؤون الخارجية الهندية مؤخرا، أكد فيها أن بلاده تتمتع بعلاقات جيدة مع مختلف البلدان في غرب آسيا ومصالح راسخة في تلك المنطقة.

 وأعرب المتحدث الهندي عن دعم الهند للحوار والدبلوماسية كوسيلة لحل الخلافات.

ورأي بهاميديباتي أن هذه الملاحظات تسلط الضوء على سياسة الهند فيما يتعلق بالاستقلال الاستراتيجي والذي تصفه الهند بأنه "قدرة الدولة على متابعة مصالحها الوطنية وتبني سياستها الخارجية المفضلة دون أن تكون مقيدة بأي شكل من الأشكال من قبل الدول الأخرى".

ومن خلال التزامها بهذه الاستراتيجية، تظل الهند بعيدة عن التشابكات الخارجية المكلفة في الخارج وتسعى إلى بيئة مواتية لتحقيق هدفها النهائي المتمثل في تعزيز النمو الاقتصادي.

ورأي بهاميديباتي أن الاتفاق الإيراني السعودي بوساطة صينية يمنح الهند المساحة الاستراتيجية المرغوبة في الشرق الأوسط للاستمتاع بأقصى فوائد التقارب (تراجع عدم استقرار في منطقة مضطربة، وفرصة للتعامل مع الخصمين السابقين السعودية وإيران - مع الاستثمار في الحد الأدنى من تقاسم المسؤوليات.

لذلك، وفقا لبهاميديباتي، فإن هذا التقارب الإيراني السعودي يخدم مصلحة نيودلهي لأنه لا يقيد خيارات الهند، ويعطيها الاستقلالية للعمل بشكل ثنائي مع كل من السعودية وإيران بشروطهما الخاصة.

وفي هذا الصدد، أوضح وزير الشؤون الخارجية الهندي س. جايشانكار أن السعي وراء الاستقلال الاستراتيجي لا يتعلق بالانضمام إلى التحالفات أو السعي وراء العزلة، بل يتعلق بتعديل السياسات بما يتوافق مع البيئة الأمنية.

واعتبر جايشانكار أن "الهند لن تكون أبدًا جزءًا من نظام تحالف".

وذكر المحلل الهندي أن سياسة الاستقلال الإستراتيجي تسمح بمجموعة من الشراكات، كما يتضح من "الشراكات الإستراتيجية" المتنامية للهند مع دول مختلفة في منطقة الخليج.

ففي عام 2003، أقامت الهند أول شراكة إستراتيجية لها في منطقة الخليج مع إيران، ومنذ ذلك الحين أقامت شراكات استراتيجية مع السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. في عام 2008، وقعت الهند اتفاقية تعاون أمني وعسكري مع قطر.

واستمرارًا لسياسة تنويع الشراكة، زار رئيس الوزراء ناريندرا مودي إيران في عام 2016 ووقع اتفاقيات حول التجارة والاستثمار والدفاع والأمن والاتصال الإقليمي.

وبشكل منفصل، وقعت الهند اتفاقية شراكة استراتيجية مع إسرائيل في عام 2017، عندما زار مودي البلاد في زيارة تاريخية بمناسبة مرور 25 عامًا على إقامة الهند علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل.

يرى القادة الهنود أن الاستقلال الاستراتيجي أمر حتمي بالنسبة للهند حتى تكون قوة رائدة بدلا من قيامها بموازنة القوة والأدوار في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع.

بيئة مواتية

وفق بهاميديباتي، فإنه في ظل عمليات إعادة الاصطفاف الخليج، تتماشي سياسة الهند المتجه غربا مع تطلع دول الخليج وإيران المتطلعة نحو الشرق.

وأضاف سياسة النظر شرقاً لدول الخليج العربية تتبع تحولاً استراتيجياً في سوق الطاقة العالمية، حيث تعتبر الهند والصين لاعبين عالميين جديدين في مجال الطاقة ولديهما شهية شرهة للنفط والغاز الخليجي.

وفي الوقت نفسه، فإن نهج إيران المتجه نحو الشرق يجعلها أقرب إلى روسيا والصين وربما الهند كوسيلة لمواجهة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وغرب آسيا.

وذكر أنه الهند، كقوة اقتصادية وعسكرية صاعدة، من المتوقع أن تكون رابع أكبر اقتصاد في العالم (متجاوزة ألمانيا بحلول عام 2026) تعتمد الهند بشكل كبير على دول الخليج العربية وإيران.

توفر السعودية ودول الخليج العربية الأخرى أمن الطاقة للهند وهي موطن لملايين من المقيمين الهنود المغتربين الذين يساهمون بشكل كبير في ناتجها المحلي الإجمالي.

في غضون ذلك، تتجاوز علاقات الهند مع إيران أهداف أمن الطاقة، ويشمل ذلك اتصال الهند عبر الحدود من خلال مشروع ميناء تشابهار، في جنوب شرق إيران، وممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب للوصول إلى الأسواق الواعدة الغنية بالطاقة في آسيا الوسطى وروسيا مع تعزيز الاستقرار في أفغانستان.

كما أن السعودية هي موطن لواحد من أكبر عدد من المغتربين الهنود في العالم، بإجمالي 2.5 مليون نسمة، وقد أرسل هؤلاء المغتربين حوالي 13 مليار دولار في شكل تحويلات في عام 2021.

وتمثل التحويلات المذكورة حوالي 5 ٪ من إجمالي 100 مليار دولار تلقتها الهند في ذلك العام وثانيًا بعد حوالي 20 مليار دولار أرسلها الهنود الذين يعيشون في الإمارات.

علاوة على ذلك، باعتبارها ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، تعتمد الهند بشكل كبير على السعودية، التي تزود الهند بنسبة 18٪ من النفط الخام الهندي وما يقرب من 22٪ من غاز البترول المسال.

 في حين أثرت العقوبات الغربية الدورية على العلاقات التجارية بين الهند وإيران، استمرت الهند لفترات طويلة في استيراد النفط من إيران لتلبية الطلب المتزايد.

كانت إيران ثاني أكبر مورد للنفط للهند في 2008-2009 ومرة أخرى في يونيو 2018، لكن الهند توقفت عن استيراد النفط من إيران عندما انتهت صلاحية الإعفاءات الأمريكية الممنوحة لثمانية مشترين في مايو/أيار 2019.

جسر

ورأي الأكاديمي الهندي أن الوساطة الصينية لتطبيع العلاقات الإيرانية السعودية، ليست وحيدة في هذا الإطار، فهناك تحالفات مضادة تتبلور حاليًا في المنطقة، بقيادة الولايات المتحدة، تجلب الهند للعب دور محوري كقوة "جسر" تربط شبه القارة الهندية بالشرق الأوسط.

في مايو/ أيار، اجتمع مستشارو الأمن القومي للهند والولايات المتحدة والسعودية والإمارات في الرياض، حيث اتفقوا على "تعزيز رؤيتهم المشتركة لمنطقة شرق أوسط أكثر أمنًا وازدهارًا ومترابطة مع الهند والعالم".

وتشمل هذه الرؤية مشروع ربط السكك الحديدية الخليجية والعربية وربطها بالهند عبر ممرات ملاحية من الموانئ.

في خطاب ألقاه في مايو/ أيار، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إن "التزام الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط لا يتزعزع" وأن واشنطن تتطلع إلى "مجالات جديدة للتعاون بين نيودلهي والخليج وكذلك الولايات المتحدة وبقية المنطقة. "

تشير عمليات إعادة التنظيم الأخرى التي تتشكل حاليًا في المنطقة إلى تحول ملحوظ نحو التعددية القطبية، والسعي لتحقيق المصالح الوطنية، وتعزيز الحكم الذاتي الاستراتيجي.

كان كبار المسؤولين من عدد من البلدان، بما في ذلك السعودية وإيران، في كيب تاون في أوائل يونيو/ حزيران لمناقشة التوسيع المحتمل لكتلة بريكس المكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

كما انضمت السعودية وإيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تهيمن عليها الصين - إيران كعضو كامل العضوية والمملكة العربية السعودية كشريك رسمي في الحوار.

في الوقت الحالي، من الواضح أن السعودية وإيران تعملان بشكل متزايد على تنويع سياساتهما الخارجية وتسعى إلى الاستقلال الاستراتيجي كقوة موازنة للولايات المتحدة والغرب.

المصدر | جوبي كريشنا بهاميديباتي/ منتدى دول الخليج العربية فى واشنطن- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاستقلال الاستراتيجي الهندي الدول الخليجية التطبيع الإيراني السعودي

حماية من الصين وباكستان وشراكة مع أمريكا.. الهند تعيد هيكلة الجيش