ف. بوليسي: 4 مراحل للسياسة الخارجية ودراما الناتو.. ماذا تريد تركيا حقا؟

السبت 29 يوليو 2023 10:32 ص

ماذا تريد تركيا حقا؟.. بهذا التساؤل، حاول الكاتب بمجلة "فورين بوليسي"، والزميل الأول في إيني إنريكو ماتي لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية، ستيفن كوك الإبحار في متغيرات السياسة الخارجية التركية التي يقودها رئيس البلاد رجب طيب أردوغان، والتي بدت تعرجاتها القديمة الجديدة محيرة للكثيرين، وظن البعض أنها انعكاس لرئيس زئبقي ومنهج فوضوي.

لكن الحقيقة، كما يقول الكاتب هي أن كل هؤلاء مخدوعون، وأنه طوال حقبة أردوغان كانت تركيا ثابتة في سعيها لتحقيق ثلاث أفكار أساسية للسياسة الخارجية: الاستقلال الاستراتيجي ، والقوة، والازدهار.

ويقول الكاتب إن ما فعله أردوغان خلال قمة الناتو الأخيرة في عاصمة ليتوانيا فيلنيوس شغل المجتمع الدولي، قادة ومحللين، وأثار حيرة الكثيرين، فبعد أن اشترط الرئيس التركي على نظيره الأمريكي جو بايدن وقادة الناتو مساعدة أنقرة لإحياء مساعي انضمامها المتعثر للاتحاد الأوروبي، مقابل الموافقة على دخول السويد للناتو، عاد أردوغان ووافق على دخول ستوكهولم.

وبمجرد انتهاء القمة، بدا أن المتحدث باسم السياسة الخارجية لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا يلمح إلى إمكانية التراجع عن الموافقة على عضوية السويد، مما يشير إلى أن تركيا لم توافق فعليًا على ما يعتقده الجميع بعد، وبغض النظر، سيتعين على العضوية السويدية الانتظار حتى انعقاد الجمعية الوطنية التركية الكبرى (البرلمان) في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

ما سبق رآه مراقبون مشهدا فوضويا بالسياسة الخارجية التركية، يتسم بالتعرجات الحادة، لكن الكاتب يصر على أنه منهج ثابت يهدف إلى تحقيق رغبة أردوغان في قيادة بلده إلى الازدهار والاستقلال في آن واحد.

4 مراحل

ويرصد الكاتب أربعة مراحل متداخلة في السياسة الخارجية التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002.

الأولى: مرحلة التركيز على عضوية الاتحاد الأوروبي.

الثانية: التحول من أوروبا وتكريس تركيا نفسها كقوة عظمى بالشرق الأوسط.

الثالثة: تغير موقف أنقرة الاستراتيجي من متغيرات الشرق الأوسط، لا سيما إجهاض الربيع العربي في مصر ودول أخرى، ما ترتب عليه توتر العلاقات بين تركيا ودول بالمنطقة، أبرزها السعودية والإمارات ومصر.

الرابعة: تقارب جديد بين تركيا وتلك الدول الشرق أوسطية.

ويقول الكاتب إنه خلال المرحلة الأولى ، سعى أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" إلى تحقيق أهدافهما من خلال عضوية الاتحاد الأوروبي، لمعرفتهم أن رخاء تركيا الاقتصادي مرتبط بشكل كبير بالالتحاق بهذا الاتحاد.

انتهى حلم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سريعًا بسبب المعارضة الأوروبية والتحفز التركي، كما يقول الكاتب، وأدى ذلك إلى تحول في سعي أنقرة للاستقلال والازدهار.

وفي المرحلة الثانية، توجه أردوغان للعب دور محوري بالشرق الأوسط، تاركا الملف الأوروبي، وأصبح هذا التوجه أكثر نشاطا بعد 2005، حيث قدمت تركيا نفسها على أنها حلال لمشكلات المنطقة، والجهر بالحق، خاصة عندما يتعلق الأمر بسلوك إسرائيل بالأراضي الفلسطينية.

زعامة الشرق الأوسط

وبلغت هذه المرحلة من السياسة الخارجية التركية ذروتها في أبريل/نيسان 2012، عندما قال وزير الخارجية التركي، آنذاك، أحمد داود أوغلو للبرلمانيين: "سنستمر في كوننا سيد الشرق الأوسط الجديد وقائده وخادمه.. ومنطقة سلام واستقرار جديدة، وسيظهر الازدهار في جميع أنحاء تركيا".

ولبعض الوقت، كان أردوغان ناجحًا في هذه السياسة، وحظيت تركيا والرئيس التركي نفسه بشعبية في المنطقة، خاصة وأن أنقرة أصبحت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقضية الفلسطينية.

ضج مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن بالحديث عن النموذج التركي، والذي أظهر أن تراكم القوة السياسية الإسلامية يمكن أن يكون متسقًا مع الديمقراطية والتنمية الاقتصادية.

ولكن في أوائل يوليو 2013، عندما أطاح الجيش المصري بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي بعد فترة مضطربة استمرت عامًا، بدا أن أردوغان يدخل مرحلة جديدة في سياسته الخارجية بالشرق الأوسط، حيث كان قد استثمر أردوغان بكثافة في مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين، وكان غاضبا من التشجيع السعودي والإماراتي - وكذلك قبول الولايات المتحدة - للانقلاب.

وكانت النتيجة تحولًا آخر في السياسة الخارجية التركية، وسعت أنقرة إلى الاستقلال الاستراتيجي والقوة والازدهار من خلال عزل نفسها عن المنطقة التي سعت في السابق إلى قيادتها.

منحت تركيا الملاذ لقادة الإخوان المسلمين وغيرهم من المعارضين المصريين وتركتهم يقيمون نقطة نفوذ لتقويض الرجل المصري القوي وزعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي.

أصبحت أنقرة أيضًا راعية للحكومة المعترف بها دوليًا في ليبيا، والتي عارضها السعوديون والمصريون والإماراتيون.

واصل أردوغان دعم الفلسطينيين، وخاصة "حماس"، التي سمحت لها السلطات التركية بفتح مكاتب على أراضيها، وبالطبع، لعبت أنقرة دورًا بارزًا في فضح ذنب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقتل الكاتب الصحفي في "واشنطن بوست" جمال خاشقجي.

عداء مع حكومات بالمنطقة

وأكسبت تلك السياسة أردوغان عداء الحكومات بالمنطقة، لكنها عززت مكانته بين شعبه، شدد أردوغان على استقلال تركيا عن النظام الاستراتيجي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي كان أبرز أعضائه، الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل.

لكن على الرغم من تدهور علاقات أنقرة مع بعض أهم دول الشرق الأوسط، ظلت التجارة قوية مع بعضها - بما في ذلك ، على وجه الخصوص، إسرائيل ومصر.

وضمن تداعيات هذا العداء، تبلور تحالف من مصر واليونان وقبرص وإسرائيل وفرنسا والإمارات والسعودية لمعارضة طموحات تركيا في شرق البحر المتوسط، وكان هذا التحالف يرتكز على الغاز، وتشكل منتدى غاز شرق المتوسط من قبل مصر واليونان وقبرص وإسرائيل، وكان عبارة عن تنسيق أمني متعدد الأطراف يتنكر في شكل تعاون اقتصادي.

لكن أردوغان، وبعد تداعيات العداوات السلبية على أنقرة، تمكن أردوغان من إدارة تغيير آخر في السياسة الخارجية التركية - إيذانًا ببدء المرحلة الحالية.

لقد قرر أن الخلاف مع الشرق الأوسط لم يعد يستحق التكلفة وأن التقارب مع السعوديين والإماراتيين والإسرائيليين والمصريين قد يجلب الاستثمار من الخليج العربي ويحسن العلاقات مع واشنطن.

العلاقات مع روسيا

ويقول الكاتب إن أردوغان، ربما غيّر مساره في الشرق الأوسط، لكنه ظل ثابتًا في مقاربته لروسيا، والتي تنبع أيضًا من رغبته في ترسيخ استقلال تركيا وتعزيز هيبتها.

وبعد أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بالدخول إلى أوكرانيا في أواخر فبراير/شباط 2022، قال أردوغان كل الأشياء الصحيحة بشأن دعم السيادة الأوكرانية وباع إلى كييف معدات عسكرية مهمة، لكن أنقرة لم تدع الهجوم الروسي الخاطف يعطل العلاقات الثنائية مع موسكو.

وقد ساعد ذلك تركيا في التفاوض بشأن صفقة حبوب البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا، فضلاً عن جهود أنقرة لعكس الضرر الاقتصادي الذي أصابها، حيث لم تتبن أنقرة أبدًا العقوبات الغربية على موسكو، وبدلاً من ذلك سمحت للشركات التركية بالتدخل وتحل محل الشركات الغربية الراحلة والسماح للقلة الروسية بالحصول على الإقامة التركية والاستثمار في البلاد.

ويختم الكاتب بأنه في ضوء هذا المنهج التركي للسياسة الخارجية مع أردوغان، ينبغي توقع مزيد من الأحداث الدرامية على صعبد العلاقات التركية الأوروبية،  على أساس مشروع أردوغان طويل الأمد المتمثل في ترسيخ الاستقلال والسلطة التركية.

وإذا تمكن أردوغان من تعطيل توسع الناتو لفترة كافية لانتزاع التزام من بايدن بتزويد تركيا بطائرات "إف 16" جديدة، بالإضافة إلى إقناع قادة الاتحاد الأوروبي بتجديد التعاون مع تركيا، الأمر الذي قد يؤدي إلى اتفاقية اتحاد جمركي معززة - ثم يتم الترحيب بهم كرجل دولة بعد الموافقة على عضوية السويد في الناتو، يمكن للزعيم التركي أن يعلن بإنصاف "إنجاز المهمة".

المصدر | ستيفن كوك / فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات التركية الأوروبية رجب طيب أردوغان الناتو الاتحاد الأوروبي الشرق الأوسط السياسة الخارجية التركية