استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مصر.. النخب الدينية وتدبير السلطة السياسية

الخميس 3 أغسطس 2023 02:54 ص

النخب الدينية وتدبير السلطة السياسية في مصر

عاد إلى الواجهة من جديد الجدلَ الذي احتدم بين شيخ الأزهر والسيسي حول الطلاق الشفهي على مدار ستّة أعوام كاملة.

دعا السيسي الأزهر في 2015 لإحداث ما سمَّاه "ثورة دينية" للتخلُّص من النُّصوص والأفكار التي يتم تقديسها منذ مئات السنين.

تساؤل حول عجز السيسي عن الإطاحة بشيخ الأزهر، خاصَّة أنَّهما لا يخوضان حرب مناورات تكتيكية بل معركة "تكسير عظام" على مستوى المواقف الفعلية.

تدفع التجاذبات بين السلطة والأزهر والحركات الإسلامية إلى التساؤل بشأن استفادة الأخيرة من ضمور تأثير الـمؤسّسات الدينية، والعلاقة بين الأزهر والنظام السياسيّ.

أكّد بيان هيئة كبار العلماءأنَّ الطلاق الشفهيّ "مستقرٌّ منذ عهد النبيّ من دون اشتراط إشهاد أو توثيق" و"أنَّ ظاهرة شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق".

* * *

في آذار/ مارس 2023، أعلنت وزارة العدل المصرية أنَّها انتهت من وضع قانون جديد للأحوال الشَّخصية، هدفه تحقيق التوازن بين حقوق الرجل والمرأة، فيما جدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسيّ، تصريحاته عن توثيق الطلاق الشفهيّ، مؤكدًا أنَّه لن يتم اتخاذ أيّ إجراء يخالف الشَّريعة الإسلامية، لكن سيتم وضع نصوص للحدّ من الطلاق الشفهيّ.

وقال، في كلمته باحتفالية تكريم المرأة المصرية والأم المثالية لعام 2023، إنَّ مشروع القانون الجديد هدفه حماية الأسرة والأبناء، منوهًا أنَّه سيخضع لحوار مجتمعيّ لضمان إعداده بشكل موضوعيّ ومتوازن.

من جانبه صرَّح شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب، بعد أقل من شهر على كلمة الرئيس، بأنَّ "تغيير حكم (الطلاق الشفهيّ) يحتاج إلى (إجماع شرعيّ جديد)"، مجدّدًا دعوته إلى ضرورة عقد مؤتمر دوليّ يضم علماء ممثّلين لدول العالم الإسلاميّ، ينتهون إلى رأي يصبح هو الرأي المُعتمد بالإجماع أو الأغلبية "إذ من المعلوم أنَّ ما ثبُت بالإجماع لا يتغيَّر إلَّا بإجماع مماثل". الأمر الذي أعاد إلى الواجهة من جديد الجدلَ الذي احتدم بين الجانبين على مدار ستّة أعوام كاملة.

في 24 كانون الثاني/ يناير 2017، جدَّد الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسيّ دعوته إلى ضرورة إصدار قانون يقضي بعدم وقوع الطلاق الشفهيّ إلَّا أمام مأذون شرعيّ. أعلن ذلك في حضور شيخ الأزهر، مستعرضًا نسب الطلاق المرتفعة التي وصلت إلى 40 في المئة من الزّيجات خلال الأعوام الخمسة الأولى، مُعضّدًا رأيه بما قاله المفتي بأنَّ دار الإفتاء تلقَّت 300 ألف سؤال تتعلَّق بالطلاق خلال خمسة أعوام.

أثارت دعوة السيسيّ موجة من ردود الفعل المتباينة، ما دفع هيئة كبار العلماء لأن تُصدر بيانًا أكَّدت فيه أنَّ الطلاق الشفهيّ "مستقرٌّ منذ عهد النبيّ من دون اشتراط إشهاد أو توثيق". مؤكّدة "أنَّ ظاهرة شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق"، وبـ "أن كلّ إحصاءات الطلاق المعلن عنها مثبتة وموثَّقة سلفًا: إمَّا لدى المأذون، أو أمام القاضي."

وفي نيسان/ أبريل 2017 وافق برلمانيون مؤيّدون للنظام على التقدّم بمشروع قانون إلى مجلس النواب يطالب بإدخال تعديلات جوهرية على "قانون الأزهر"، الذي تنصّ مادَّته السَّابعة على أنَّ "شيخ الأزهر مستقلّ غير قابل للعزل". لكنَّ تدخّلات جهات خليجية لصالح الطيّب حالت دون المساس بموقعه.

تميل موازين القوى شعبياً إلى ترجيح كفّة شيخ الأزهر حتَّى أتباع جماعة الإخوان الذين ناصبوه العداء بعد تصدّره مشهد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، فضلًا عن الحشد الذي قام به ائتلاف دعم الأزهر وقبائل الصعيد لدعم الطيّب في23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، بمسقط رأسه بمدينة القرنة، في مواجهة الحملة الإعلامية الشرسة ضدّه.

معركة الثوابت

لم تكن قضية الطلاق المحطة الوحيدة في قطار الخلافات بين وجهتي نظر السيسي والطيّب. ففضلًا عن تجاوز الطرفين الخلاف حول طريقة فضّ اعتصامي رابعة العدوية والنّهضة في عام 2013، دعا السيسي الأزهر في 2015 لإحداث ما سمَّاه "ثورة دينية" للتخلُّص من النُّصوص والأفكار التي يتم تقديسها منذ مئات السنين.

أكّد الأزهر تمسُّكه بثوابت الدّين: قرآنًا وسنَّة، ورفضه القاطع المساس بها. في كلمته أثناء الاحتفال بالمولد النبويّ في 2018، هاجم شيخ الأزهر منتقدي السنَّة النبوية، ما دفع السيسيّ للرد بأنّ الإشكال لا يكمن فيها بقدر ما يكمن في الفهم الخاطئ لها.

ثمَّ أعلنت الحكومة المصرية توحيد خطبة صلاة الجمعة، ما أثار امتعاض الأزهر. وفي الوقت نفسه سحبت الحكومة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، سلطة تدريب وتأهيل الأئمَّة من الأزهر لتتولَّى وزارة الأوقاف الإشراف عليها.

أمّا في العام 2019، فحذّر شيخ الأزهر في كلمته أمام السيسي من مغبَّة الظلم وتداعياته التدميرية على المجتمع، فردَّ الأخير بأنَّ خطاب الشيخ دفعه للحديث خارج السياق، وأنَّه يخوض نضالًا مستمرًا من أجل الدين، ما دفع للتساؤل حول عجز السيسي عن الإطاحة بشيخ الأزهر، خاصَّة وأنَّهما لا يخوضان حرب مناورات تكتيكية بقدر ما يخوضان معركة "تكسير عظام" على مستوى المواقف الفعلية.

لكنّ فكرة الصدام، بمعناه الواسع، ليست مطروحة؛ لأنَّ المؤسسة الدينية تستمدّ قوتها من السلطة نفسها، التي تطلب منها الوقوف إلى جانبها في مواجهة التيارات الدينية المعارضة: سواء الجهادية أو السلفية.

من المرجّح أن تتمخّض قضية الطلاق الشفهيّ عن حلّ توافقيّ يحفظ ماء الوجه للمؤسَّسة الدّينية، ويمرّر، في الوقت نفسه، مشروع القانون الذي تبدو الحكومة مصرّة على إصداره؛ وذلك من خلال إدخال بعض التعديلات على بنوده، وانتهاء علماء المسلمين - في حال عُقد المؤتمر الذي دعا إليه شيخ الأزهر - إلى إجماع جديد يقضي بضرورة توثيق الطلاق الشفهيّ.

أخيرًا، يبدو أنَّ الأزهر يخوض اليوم غمار معارك مشتعلة على جبهات ثلاث: جبهة السلطة السياسية التي تسعى جاهدة إلى الهيمنة عليه كليا لأنه المؤسّسة الوحيدة المستقلّة حاليًّا، وجبهة التيارات المدنية الليبرالية التي ترفض الاعتراف بالمرجعية الدّينية وتخوض ضدَّه معارك إعلامية، وجبهة الحركات الإسلامية: السلفية والإخوانية، التي سعت في السابق إلى اختراق الحصن من الدّاخل للتحكّم في الخطاب الدّينيّ الرسميّ إلى جانب الخطاب الدينيّ الشعبيّ.

أمَّا عن مدى استفادتها من الصّراع الدائر حاليّا بين الأزهر والنظام السياسيّ، فهي لا تعدو كونها مجرّد توظيف إعلاميّ ضمن حملات معارضتها نظام الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسيّ.

*محمد حلمي عبد الوهاب أكاديمي وباحث في الدين والمجال العام والإصلاح والإسلام السياسيّ

مصر السيسي الأزهر أحمد الطيب الطلاق الشفهي النظام السياسي النخب الدينية السلطة السياسية الخطاب الديني الحركات الإسلامية هيئة كبار العلماء

المصدر | مؤسسة كارنيغي

  كلمات مفتاحية

مصر الأزهر السيسي أحمد الطيب الطلاق الشفهي النظام السياسي النخب الدينية السلطة السياسية الخطاب الديني الحركات الإسلامية هيئة كبار العلماء