اختبارات رشاقة ولياقة تتحكم في تعيينات المعلمات في مصر.. كيف؟

الخميس 3 أغسطس 2023 09:36 م

"اختبرونا في تمارين الضغط والبطن والجري، رغم أننا لسنا عارضات أزياء، أو مرشحات لشغل وظيفة تعتمد على المجهود البدني، وإنما معلمات اجتزن كل الاختبارات المتعلقة بالتخصص الأكاديمي والتربوي، والثقافة العامة، واستخدام الحاسب الآلي وإجادة الإنجليزية".

هكذا تحدث معلمات مصريات عن رحلة لم تكتمل، استمرت شهرين في الكلية الحربية التابعة للقوات المسلحة، بناء على توجيهات رئاسية تُلزم الراغبين/ات في التعيين بالحكومة، بالحصول على دورة تأهيل داخل الكلية الحربية لمدة 6 أشهر كشرط أساسي للتعيين، واعتبار شهادة الحصول على التدريب ضمن مسوغات التعيين.

هذه الاختبارات، حسب تقرير لموقع "مدى مصر" (مستقل)، منعت الكثير من النساء الحوامل وأصحاب الوزن الزائد، من حتى اجتياز القبول في اختبار كشف الهيئة بالكلية الحربية المؤهل للتعيين في وظيفة "معلمة فصل" أو "معلمة رياض أطفال" بوزارة التربية والتعليم، ضمن إجراءات مسابقة تعيين 30 ألف معلم بالدولة.

وانتهى اختبار كشف الهيئة في 25 يوليو/تموز الماضي، وعلم عدد من النساء الحوامل وأصحاب الوزن الزائد، أن هناك توجيهًا رئاسيًا بمنع تعيينهن، بحسب ما رواه بعضهن.

وهذه الاختبارات البدينة للمرشحات للتدريس، لم تكن الأولى للمتقدمين لوظائف حكومية، بل إن رئاسة الجمهورية نشرت في فبراير/شباط الماضي، صورًا ومقاطع مصورة لاختبارات اختيار موظفي هيئات تابعة لوزارة النقل لخوض دورة التأهيل، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، ووزير الدفاع الفريق أول محمد زكي.

ولاحفا، في أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، حضر السيسي اختبارات أخرى التي أجريت في الكلية الحربية للمتقدمين لشغل وظائف المعلمين/ات في مسابقة الـ30 ألف معلم.

تحكي شيماء ما حدث فتقول: "اجتزت اختبارات القبول التي عقدت بجهاز التنظيم والإدارة في القاهرة، بداية من سبتمبر/أيلول 2022، من بين 95 ألف معلم/ة، توافرت فيهم شروط التقدم للوظيفة"، قبل أن يبلغوها أن تعيينها متوقف على خطوة واحدة أخرى.

وفي فبراير/شباط الماضي، طلب مسؤولو وزارة التربية والتعليم بمحافظة سوهاج، من شيماء تحضير أوراق ومسوغات تعيينها بالوزارة في وظيفة "معلمة مساعدة" بمرحلة رياض الأطفال، أوضحوا لها أن الخطوة المتبقية تتمثل في حضور تدريب تربوي لمدة 4 أيام بمديرية التعليم بالمحافظة.

وذهبت شيماء بالفعل للتدريب منتصف مارس/آذار الماضي، وبعدها انتظرت رسالة من مسؤولي الوزارة لإخبارها بموعد إتمام تعيينها، إلا أنه بعد شهرين، وصلت الرسالة من مديرية التعليم بمحافظتها تطالبها بالتوجه إلى الكلية الحربية لإجراء كشف طبي ورياضي واختبار شخصي مؤهِل للتعيين.

وتتابع: "منذ بداية إعلان الوزارة عن المسابقة في يوليو/تموز 2022، مرورًا بمرحلة اختبار التنظيم والإدارة الذي تضمن 260 سؤالًا خلال ساعتين، ثم مرحلة التدريب التربوي، لم يتحدث أي مسؤول بالوزارة عن دور للكلية الحربية في التعيينات، إلا في أول مايو الماضي".

ورغم ذلك، تقول شيماء إنها توجهت في 14 مايو/أيار الماضي، بصحبة 4 من زميلاتها المتقدمات لشغل وظيفة مُدرسة مساعدة، وبمجرد وصولهن، تم قياس الوزن والطول لكل منهن، وتسلمت كل منهن ورقة بها "بار كود" ورقم خاص بملفها في الكلية.

وتتابع: "كانت هذه هي بداية فترة اختبار الكلية الحربية للمتقدمين لمسابقة الـ30 ألف معلم، وهي المرحلة التي لم يوضح أي من المسؤولين في وزارة التربية والتعليم أو في الكلية الحربية ما إذا كان سيتبعها تدريب المعلمين/ات في الكلية الحربية لمدة 6 أشهر قبل التعيين أو بعد تسلمهم للوظيفة".

وتزيد شيماء: "قالولي (الحربية) وزنك 99 كيلوجراما وطولك 156 سنتيمترا.. لكن أنا وقتها كان وزني الفعلي أقل من كده بحوالي 9 كيلوجرامات.. سألتهم هل الوزن هيسقّطني، وهل احنا موجودين في الكلية تدريب ولا اختبار، وهل هنقعد 6 شهور في الكلية ولا لأ.. قالوا هنوضح لكم كل حاجة في ميعادها".

وتستطرد: "طلبوا مني أدخل على موقع الكلية الحربية  خلال 24 ساعة من تسلم البار الكود، وأسجل بياناتي كاملة، والقيد العائلي، وبيانات الأقارب حتى الدرجة الثالثة"، وهو ما فعلته شيماء قبل أن تُبلّغ بموعد الكشف الطبي في الكلية الحربية في 27 مايو/أيار.

وتقول شيماء إن كل من ذهب قبلها للاختبار الطبي، لم يكن لديهم أي معرفة عما ستفعله الكلية الحربية، ما جعل قيادات الكلية الحربية يخبرون المتقدمين/ات لشغل الوظيفة بأنهم اتفقوا مع وزارة التعليم على إجراء تدريب لمدة 3 أيام لتوضيح ماهية الاختبارات التي ستتم في الكلية الحربية.

وتصف شيماء التدريب قائلة: "أوضحوا لنا في اليوم الأول الفحوصات التي سيتضمنها الكشف الطبي في الكلية الحربية، وسلمونا إقرارًا لتحديد ما إذا كنا نعاني من أمراض مزمنة، سكر، ضغط، قلب، أو إذا أجرينا عمليات جراحية من قبل".

وتضيف: "في اليوم الثاني كلمونا عن الانتماء الوطني للرئيس، والمشروعات القومية، وإنجازات الرئيس، وطلبوا مننا نجهز معلومات عن المشروعات القومية عمومًا ومشروعات حياة كريمة، وضرورة إن كل واحد مننا يبقى عارف إيه المشروعات القومية في محافظته".

وتزيد عن اليوم الثالث من التدريب: "إدونا ورقة اننا هنجري 100 متر في 15 ثانية، وهنعمل 30 تمرين ضغط وزيهم بطن و10 وثب".

والوثب، حسب ما عرفته شيماء من التدريب، هو "إننا نمشي رجل ورا رجل على سور ارتفاعه متر عن الأرض وعرضه شِبر لاختبار التوازن".

وتقول شيماء إن وقت اختبار زميلاتها، تعرض عدد منهن للسقوط، ما أدى إلى كسر أرجل بعضهن، وترتب عليه إلغاء الاختبار وتحويل درجاته إلى تمارين البطن والضغط، التي زادت إلى 35 مرة لكل منها.

وتوضح شيماء أنها بدأت فور علمها بمرحلة الكلية الحربية في اتباع نظام غذائي وتمارين رياضية لإنقاص الوزن، مضيفة أنها فقدت 10 كيلوجرامات من وزنها قبل الكشف الرياضي.

واجتازت شيماء الاختبار بـ65%، قطعت مسافة الـ100 متر جري في 20 ثانية بدلًا من 15 ثانية، فخسرت درجاتها.

وتقول إنها تمكنت من عمل تمرين ضغط 30 مرة من إجمالي 35 في دقيقة واحدة، فيما حصلت على درجة تمرين البطن كاملة بعدما تمكنت من إجرائه 38 مرة في دقيقة واحدة.

وتتابع: "قالولنا إن درجة النجاح في الاختبار من 40% وبعدها قالوا من 20% خصوصًا أن الحوامل تم منعهن من أداء بعض التمارين وأخبروهن أنهم سيعطون لهن الحد الأدنى من الدرجات".

ورغم اجتياز شيماء الكشف الطبي في 27 مايو/أيار، والرياضي في 7 يونيو/حزيران، إلا أنها لم تتأهل لكشف الهيئة على عكس زميلاتها الأقل وزنًا منها.

وتشرح ذلك بالقول: "زميلاتي الأربعة اللي عودهم رفيع عني جاتلهم رسالة بتحديد موعد اختبار كشف الهيئة"، فيما طلبت شيماء من الكلية الحربية إعادة وزنها من جديد، غير أنهم أخبروها بأن وزارة التعليم طالبتهم بإنهاء الاختبارات عند هذا الحد.

رواية شيماء تشابهت مع روايات أخرى، من محافظات مختلفة، قالت إن ما حدث بمثابة ضياع عام كامل من أعمارهن وأموالهن، مشددات على أن جميع المتقدمين/ات لشغل الوظيفة يعملون بالقطاع الخاص، وبسبب ظروف المسابقة التي احتاجت السفر إلى القاهرة عدة مرات، ما بين حضور اختبار جهاز التنظيم والإدارة بوسط القاهرة، والتردد على مقر الكلية الحربية عدة مرات، فُصل عدد كبير من أعمالهم.

وقالت المعلمات، إنهن بصدد إقامة دعاوى قضائية ضد الكلية الحربية، ووزير التربية والتعليم، حال إعلان كشوف المعينين في المرحلة الأولى دون أسمائهن.

يقول رئيس سابق في محكمة القضاء الإداري (طلب عدم ذكر اسمه)، وصف الاستبعاد المحتمل بمثابة أول احتكاك رسمي مع تبعات إلزام جميع الوزارات باعتبار شهادة الحصول على دورة تأهيل داخل الكلية الحربية شرطًا أساسيًا للتعيين في أي وظيفة حكومية، وما قد يتبع ذلك من تطبيق معايير اختيار العسكريين على المدنيين.

ويضيف أن اختبارات الكلية الحربية وضعت بالأساس للعسكريين، ولم تعلن رئاسة الوزراء أو أي من أجهزة الدولة عن البرنامج الذي ستنفذه الكلية الحربية، سواء عند اختبار المتقدمين للتعيين في الوظائف المدنية أو عند تأهيل وتدريب من وقع عليهم الاختيار للتعيين، على مدار 6 أشهر داخل الكلية.

ويشدد على ضرورة وجود تشريع أو قرار أو لائحة توضح الإجراء ليكون تحت رقابة الشعب والقضاء.

غير أن مصدر في وزارة التعليم (طلب عدم ذكر اسمه)، يقول إن هناك توجيهًا رئاسيًا بعدم تعيين أصحاب الوزن الزائد في أي وظيفة حكومية، مشددًا على أن الوزن المسموح به هو في حدود 30 كيلو فوق الوزن المثالي (طول الشخص، بعد طرح 100 منه).

يوضح المصدر أن اختبارات الكلية الحربية، سواء الكشف الطبي أو الرياضي أو الهيئة، معدة لاستبعاد غير اللائقين، وأن المتقدمين لمسابقة 30 ألف معلم "كان أمامهم سنة كاملة منذ بداية تقديم الأوراق وحتى موعد اختبارات الكلية الحربية، لكي يشتغلوا على نفسهم ويخسوا ويهتموا بصحتهم".

يشار إلى أن ربط التعيين في وزارة التربية والتعليم بالوزن واللياقة البدنية، لا يبتعد كثيرا عن حديث السيسي المتكرر حول الوزن الزائد منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018، والذي اعتبر الوزن الزائد يهدد الأمن القومي للبلاد.

من جانبه، يصف مدير وحدة الحريات المدنية والسياسية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية عمرو عبدالرحمن، ما جرى مع المعلمين/ات بـ"المجزرة" لتصفية المتقدمين لشغل وظيفة معلم وحرمانهم من التعيين، مشددًا على أن وضع الوزن واللياقة البدنية ضمن شروط التعيين في وظيفة معلم/ة هو أمر عشوائي يتنافى مع القواعد الدستورية والقانونية.

ويضيف أنه "بعيدًا عن هزلية اختبار الكلية الحربية للمعلمين، مفهوم أنه لا يوجد ما يُلزم الدولة بقبول كل المتقدمين لشغل الوظيفة، ولكن يجب على الدولة أن تضع معيارًا عقلانيًا يقوم على وجود رابط بين الاختبار وطبيعة المهنة".

ويتابع: "مينفعش أجيب واحد نظره ضعيف يسوق قطر، لكن مفيش ما يمنع شخص نظره ضعيف أن يعمل مدرس مثلًا.. مينفعش أجيب عامل طبيعة عمله تتطلب مجهود بدني ويكون وزنه زايد، لكن ما الرابط بين مهنة التدريس والوزن والطول واللياقة البدنية؟".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي رشاقة لياقة الكلية الحربية الجيش اختبارات معلم

مصر.. الجيش يعلن تخريج دفعة من الأئمة والخطباء تمهيدا لتعيينهم

الأول في العاصمة الإدارية.. الشرطة تفض اعتصاما للمعلمين المستبعدين من التعيين