قمة السلام الأوكرانية بالسعودية.. انقلاب دبلوماسي لبن سلمان يبرز ملامح استراتيجيته العالمية

السبت 5 أغسطس 2023 09:06 م

اعتبر المحلل التركي إليس جيفوري المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أن احتضان السعودية لقمة السلام الأوكرانية، بمثابة انقلاب دبلوماسي من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتتويج جديد على الصعيد الدولي؛ يبرز ملامح استراتيجية العالمية للاستفادة من عالم متعدد الأقطاب في طور النشوء.

وتجتمع 12 دولة في مدينة جدة السبت؛ للمشاركة في القمة التي تستمر يومين لبحث خطة أوكرانيا؛ لإنهاء الحرب التي شنتها روسيا عليها في فبراير/شباط الماضي.

وفي حين أن روسيا طرف النزاع الثاني مع أوكرانيا لن تكون حاضرة، لكنها أكدت في الوقت ذاته أنها سوف تراقب من بعيد محادثات ومخرجات قمة الجارية حاليا في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر.

ومن المقرر أن تحضر البرازيل والهند وتركيا واليابان، بالإضافة إلى عدد من الدول الأوروبية الأخرى والولايات المتحدة، ولم تؤكد الصين حضورها بعد.

إعادة تأهيل

وبحسب جيفوري فإن قمة السلام الأوكرانية بمثابة إعادة تأهيل وتتويج جديدة لولي العهد السعودي الذي كان منبوذا على الصعيد الدولي على خلفية اتهامه بالوقوف وراء مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في 2018.

وأشار إلى إلي بن سلمان وعلى مدار سنوات نجح في إرباك منتقديه من خلال التحلي بالصبر، فيما كانت الحرب الأوكرانية بمثابة هدية لولي العهد الشاب، وعملت على إجبار الرئيس الأمريكي على السفر إلى الرياض لمقابلته لإصلاح العلاقات بين أمريكا والسعودية.

ولفت المحلل إلي الإدارة الأمريكية رأت أن العقوبات الغربية التي تستهدف قطاع الطاقة لروسيا، لن تجدى نفعا بالتزامن مع استعداء السعودية أكبر مصدري النفط في العالم.

وأوضح أن قمة السلام الأوكرانية في جدة تجمع بين عدد من الخيوط، بما في ذلك إعادة تأهيل ولي العهد وخطوط الرؤية السياسية الناشئة للمملكة فيما يتعلق بالمنطقة، ومكانتها في العالم.

تحقيق مكاسب

قال جوليان بارنز داسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن دول الخليج مثل السعودية والإمارات أصحبت تضع بحزم جداول أعمالها للموازنة بين اللاعبين العالميين لتحقيق أكبر قدر من المكاسب بدلا من ربط نفسها بمعسكرات عالمية معينة.

كما يعمل صعود الصين، والتراجع النسبي لأمريكا في المنطقة، وظهور قوى إقليمية ذات وزن متوسط مثل تركيا وإيران والسعودية على تغيير ديناميكيات السياسة العالمية ببطء.

ووفق داسي "تبنت السعودية والإمارات التعددية القطبية الناشئة. فكلاهما يرى أنهما في مرحلة ما بعد الحرب أوكرانيا لم يكونا بحاجة للقبول بالإملاءات الخارجية.

زعيم إقليمي ولاعب عالمي

ووفق المحلل التركي فقد نمت ثقة السعودية بشكل متزايد في متابعة ما تعتبره أولوياتها الخاصة، مستشهدا بتجاهل ولي العهد مناشدات الولايات المتحدة لزيادة إنتاج النفط.

بل الأمير السعودي الشاب واجه غضب إدارة بايدن من خلال العمل مع روسيا لإبقاء أسعار النفط عند المستوى المطلوب لتمويل ميزانية الرياض ومشاريع البنية التحتية الكبيرة.

كما فاجأ محمد بن سلمان الإدارة الأمريكية في وقت سابق من هذا العام عندما قام بتطبيع العلاقات مع إيران، في مفاوضات بوساطة الصين.

واستشعارًا منه بأن إدارة بايدن تريد اختراقًا دبلوماسيًا كبيرًا في المنطقة من خلال حمل السعودية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أوضح ولي العهد أنه لن يقوم بذلك دون تحقيق شروطه.

وفقًا للتقارير، فإن أحد الشروط الرئيسية للرياض بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو الحصول على مساعدة الولايات المتحدة في إنشاء برنامج نووي مدني.

من خلال إرسال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي ، إلى جدة في نهاية هذا الأسبوع، تبدو إدارة بايدن حريصة على تكريم القمة بمسؤول كبير في الإدارة وربما تزود المملكة بمستوى من الاحترام الذي طالما شعرت أنها تستحقه.

وقال عبدالله باعبود باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير-كارنيجي للشرق الأوسط، إن قمة السلام بشأن أوكرانيا في جدة، تبرز أيضا السعودية التي تجمع بين الدول الغربية ودول الجنوب العالمي، التي تخلت عن الامتثال للعقوبات المفروضة على روسيا.

وقال باعبود إن ذلك يتماشي مع رؤية محمد بن سلمان الجديدة، وهدفه الاستراتيجي وطموحاته للسعودية لتكون رائدة إقليمية ولاعبًا عالميًا مهمًا.

وأضاف أن السعودية، مثل العديد من دول الجنوب العالمي، تجنبت "تقليص مواقفها المتوازنة [بشأن الحرب في أوكرانيا] واستقلالها الاستراتيجي نتيجة للضغط الغربي.

قال باعبود: "يرى محمد بن سلمان أن السعودية يمكن أن تستفيد من الديناميكيات المتغيرة في النظام العالمي وصعود الصين والقوى العالمية الأخرى لإعادة ضبط علاقات المملكة مع الولايات المتحدة واكتساب المزيد من الأرض لتحقيق التوازن الاستراتيجي والحصول على مساحة أكبر للمناورة".

بالنسبة لوزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، فإن الوقت الحالي يشهد ظهور نشوء عالم متعدد الأقطاب، لم يعد يهيمن عليه الغرب.

وقال "نعتقد أن السعودية جزء مهم من هذا العالم متعدد الأقطاب الذي نشأ، وتقوم المملكة بدورها ليس فقط في تطوير اقتصادها ولكن أيضًا في تطوير المنطقة.

من جانبه يحرص الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على دعم مبادرة السلام السعودية، في محاولة لتطويق الحلفاء في أي تسوية نهائية مستقبلية.

ربما جاءت الصورة التي تجسد أفضل رؤية سياسية جديدة للرياض عندما ألقى زيلينسكي، في يونيو/حزيران، بدعوة من محمد بن سلمان، خطاباً مفاجئاً في قمة جامعة الدول العربية، حيث تواجد الرئيس السوري بشار الأسد، الحليف القوي لروسيا.

رحبت المملكة العربية السعودية بعودة الأسد إلى الحظيرة الإقليمية بعد ما يقرب من عقد من الزمان، ومن خلال هذا الصور يمكن استخلاص بسهولة إن السعودية تريد توضيح أنها يمكن أت توفر منصة للرؤى المختلفة للقوة العالمية، لكنها في النهاية هي من ستنتقي وتختار.

الرعاية أهم من النتائج

بينما فشلت محادثات السلام المماثلة في كوبنهاجن في تحقيق أي نتائج ملحوظة، يمكن السعودية أن تدعي أنها تحافظ على الزخم الدبلوماسي لإيجاد نتيجة سلمية للصراع، بينما تحمي نفسها من الانتقادات بأنها متحالفة بشكل وثيق مع روسيا.

قال يوناتان توفال، المحلل في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (ميتفيم): "تبدو المحادثات وكأنها ترمي بشكل كبير لتنسيق إجماع عالمي حول المعايير العامة لحل محتمل يكون مقبولاً لأوكرانيا".

وأضاف "بالنسبة لمحمد بن سلمان، فإن محتوى المحادثات أقل أهمية من الرعاية - أي موقفه الدبلوماسي كميسر لمحادثات السلام لحل صراع أدى إلى حدوث شرخ عالمي كبير"

وهناك أيضًا دلائل على أن ولي العهد البالغ من العمر 37 عامًا يدرك تمامًا أن النزاعات الإقليمية، كما هو الحال في اليمن، والخلافات الدبلوماسية مع اللاعبين الإقليميين المهمين لم تخدم المملكة جيدًا.

وبحسب آنا جاكوبس، محللة شؤون الخليج في مجموعة الأزمات الدولية ففي حين أن محادثات أوكرانيا في جدة تساهم بالتأكيد في تحقيق بعض هذه الأهداف، فإنه "من غير الواضح في هذه المرحلة مدى فعالية جهودهم"

وأضافت أنه السعودية تعمل على تنويع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع القوى العالمية، بما يتماشى مع حقائق نظام عالمي متعدد الأقطاب بشكل متزايد.

وتابعت "لكن حتى مع زيادة السعودية لعلاقاتها مع الصين وروسيا، ستظل الولايات المتحدة شريكها الأمني الأساسي في المستقبل المنظور".

المصدر | ميدل إيست آي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قمة السلام الأوكرانية السعودية محمد بن سلمان

بوليتيكو: لماذا تستضيف السعودية محادثات السلام حول أوكرانيا؟

ذا تليجراف: 3 أسباب حولت محمد بن سلمان من أمير منبوذ إلى مركز العالم