استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

سياسات مختلفة لعالم مختلف

الخميس 10 أغسطس 2023 01:00 م

سياسات مختلفة لعالم مختلف

لا أشك لحظة واحدة في أن قادة الدبلوماسية المصرية يستعدون لمرحلة هي الأصعب والأكثر دقة وحرجاً في تاريخهم وتاريخها.

في أي دولة توجد يجب أن تحتل الدبلوماسية التقليدية مكانتها باعتبارها الأداة الأمثل بين أدوات عديدة ومتداخلة لتنفيذ السياسات الخارجية للدولة.

ثلاثة عناصر تشكل مجتمعة شرطا من شروط مرحلة التمهيد لهذا العالم الجديد وهي: صعود الصين، وانحدار أمريكا، وحرب وسياسات إزاحة روسيا أو تطويعها.

في هذه المرحلة ستحاول الدبلوماسية المصرية أن تجوب ساحة توازن القوى بالمنطقة لاحتلال موقع جديد لمصر في نظام إقليمي يتحول ويتشكل بشدة وبسرعة.

يلقي بعض الساسة باللوم على الدبلوماسية لدى فشل الساسة في تنفيذ ما وعدوا به سواء كانت للدبلوماسية مسحة دور ضئيل فى التنفيذ أو مستبعدة أو مهملة فعليا.

مصر على مشارف عالم جديد شديدة التعقيد عامرة بالمفاجآت. كان الصعود الصيني بين هذه المشارف لمدة غير قصيرة، حتى صار حقيقة واقعة، ومن أهم علامات عالم جديد.

هناك إرهاصات وكثير من التقلصات المصاحبة لولادة هذا العالم الجديد. في مثل هذه الظروف، يفترض أن تكون الدبلوماسية أول من يستعد في الدولة لمرحلة غير عادية.

* * *

لم يعد من المبالغة فى شىء القول بأننا نقف على مشارف عالم جديد. أذكر كيف كنا نقترب بحذر من استخدام عبارة عالم جديد عندما نناقش احتمالات استمرار انحدار دولة عظمى واستمرار صعود دولة أخرى أو عندما نعرض لبوادر انهيارات جماعية فى اقتصادات دول فى الجنوب. كنا نشعر أحيانا كمن ينتقل من الكتابة عن عالم الواقع كما نعيشه إلى الكتابة عن عوالم خيالية لم نعشها وفى الغالب لم نحلم بها.

اخترت اليوم حال الدبلوماسية التقليدية مدخلا وموضوعا لمقالى الأسبوعى لإيمانى بأنها فى أى دولة توجد يجب أن تحتل مكانتها باعتبارها الأداة الأمثل بين أدوات صارت عديدة ومتداخلة لتنفيذ السياسات الخارجية للدولة.

صار المعلقون وبعض الساسة يلقون عليها باللوم فى حال فشل هؤلاء الساسة تنفيذ ما وعدوا به. يلقون على الدبلوماسية باللوم سواء كانت لها مسحة دور ضئيل فى التنفيذ أو كانت مستبعدة أو مهملة فعليا.

درسنا في شبابنا وبالعمق الكافي، دور الدبلوماسية المصرية في تنفيذ سياسة كسب تأييد دول العالم في سعينا لتحقيق جلاء الاستعمار البريطاني، ودورها في صنع جامعة الدول العربية وتسييرها وصيانتها وحمايتها في مواجهة النزاعات العربية، ودورها في تدبير وصياغة تحالف مع السعودية، كان له الفضل في تثبيت دعائم نظام إقليمي عربي ناشئ.

لم ننكر في شبابنا فضل دبلوماسيتنا المصرية في تحقيق ما عرف بالنصر السياسي في حرب السويس أو قيادتها، الحملة الشاملة لرفض حلف بغداد، مؤكدة موقفها الثابت منذ العصر الملكي ضد سياسات الأحلاف الغربية.

الوارد في هذه السطور ليس حصراً بأي حال، ولكنه عرض لبعض الأدوار التي لعبتها الدبلوماسية المصرية، ليس فقط باعتبارها أداة تنفيذ للسياسة الخارجية، ولكن أيضاً كصانعة سياسة.

مصر على مشارف عالم جديد. بدت لنا المشارف في غالبيتها العظمي شديدة التعقيد وعامرة بالمفاجآت. كان الصعود الصيني بين هذه المشارف لمدة غير قصيرة، حتى صار حقيقة واقعة، وعلامة من أهم علامات عالم جديد.

ما لا يعرفه الكثيرون من أبناء الأجيال المعاصرة في مصر والعالم الخارجي، أن دبلوماسيتنا كانت بين الأسبق في الاعتراف بالصين قوة دولية ناهضة.

سمعت شو إن لاي وكان وزيراً للخارجية مدعواً لحفل غداء في سفارة مصر ببكين، وكنت وقتها ملحقاً دبلوماسياً بها، سمعته يشيد بالدبلوماسية المصرية التي كانت بين دبلوماسيات دول قليلة العدد، هي الهند وإندونيسيا ودول أوروبا الشرقية، أقامت علاقات مع الصين في مرحلة مبكرة رغم الضغوط الأمريكية.

نعيش اليوم إرهاصات، وربما الكثير من التقلصات المصاحبة لولادة هذا العالم الجديد. في مثل هذه الظروف، يفترض أن تكون الدبلوماسية أول من يستعد في الدولة لمرحلة غير عادية، وبخاصة إذا كانت هذه الدولة من الدول التي جربت ذات مرة، بل مرات، لعب دور متميز بين النشطاء، إن صح التعبير، عند الحديث عن السياسة الخارجية لبلاد بعينها في زمن الحرب الباردة.

مصر كانت واحدة من هذه البلاد، واستخدمت دبلوماسيتها حتى أبعد الحدود، وجنت من ورائها فوائد جمة، ودفعت ثمناً في المقابل.

صعود الصين وحده لا يمثل علامة من علامات عالم جديد. فالصعود في حد ذاته أحد ثلاثة عناصر تشكل مجتمعة شرطاً من شروط مرحلة يجري خلالها التمهيد لهذا العالم الجديد. هذه العناصر هي: صعود الصين وانحدار أمريكا وحرب وسياسات إزاحة روسيا أو تطويعها.

من العلامات أيضاً عودة السباق على إفريقيا محكاً لسباق أكبر وأوسع بين الدول الكبرى على الثروات المعدنية التي تزخر بها القارة السمراء.

إفريقيا مهددة أيضاً بحلقات متصلة من الانقلابات، وباحتمال أن تصير سوقاً للسلاح والحروب، تتنافس فيه وتتقاتل شركات من مرتزقة الحرب ومرتزقة السياسة الخارجية والداخلية على حد سواء، ولدينا في شركة فاغنر الروسية، والميليشيات المتمركزة في ليبيا، وقوات الدعم السريع في السودان النموذج المستجد في عالم جديد.

تطل علينا من وسط مشارف العالم الجديد، موجات هجرة متعددة الأجناس والأشكال، أكثرها محفوف بمخاطر غير محدودة. أهم الموجات الناشئة في الشرق الأوسط، حيث كانت لنا مصالح ترتبط ارتباطاً حيوياً بالأمن القومي المصري، حسب ما كان معروفاً في فهم ووعي النخب المصرية عبر الأجيال.

يشترك في نشأة هذه الموجات، التفاوت الزاعق غالباً في دخول ومستويات معيشة شعوب تجاورت قبل أن تتكثف وتتعمق فرص التعارف بينها.

لم يعد رخاء شعوب أوروبا والولايات المتحدة أمراً وواقعاً بعيداً عن جوع ومآسي وفقر بعض شعوب الشرق الأوسط وأكثر شعوب إفريقيا.

يشترك أيضاً وبوتيرة متصاعدة في نشأة وصعود هذه الموجات حاجة دول أوروبا واليابان، وكذلك الصين عما قريب، إلى سكان من الخارج، تستعيد بهم شبابها وحيويتها أو ليتمكن السكان الأصليون من التفرغ لمزاولة مهن العالم الجديد، وأغلبها معتمد على تكنولوجيات ووسائط غير مألوفة للبشر الآخرين من أصحاب الذكاء الطبيعي.

كثيرة هي الأسئلة عن مستقبل الدبلوماسية المصرية، وهي على مشارف عالم جديد. ولا أشك للحظة واحدة في أن قادة الدبلوماسية المصرية يستعدون لمرحلة هي الأصعب والأكثر دقة وحرجاً في تاريخهم وتاريخها.

ففي هذه المرحلة سوف تحاول الدبلوماسية المصرية، أن تجوب ساحة توازن القوى في المنطقة، سعياً لاحتلال موقع جديد لمصر في غياهب نظام إقليمي يتحول ويتشكل من جديد بشدة وبسرعة.

يطول الحديث وينتهي غالباً، كما انتهى من قبل، عند أهمية بقاء الدبلوماسية المصرية عنصراً خلاقاً ومبدعاً في ساحة الأمن القومي.

*جميل مطر مفكر سياسي، دبلوماسي مصري سابق

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

مصر الدبلوماسية المصرية توازن القوى نظام إقليمي عالم جديد صعود الصين انحدار أمريكا إزاحة روسيا السباق على إفريقيا الأمن القومي المصري