نقاط القوة والضعف.. هل تنهي بريكس الهيمنة الغربية المتواصلة منذ 250 عاما؟

الثلاثاء 15 أغسطس 2023 05:32 م

رأى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "ساكاريا" التركية، كمال إنات، أن يمكن اعتبار مجموعة "بريكس" في الوقت الحالي تحديا خطيرا ونقطة تحول تاريخية للهيمنة الغربية المتواصلة منذ نحو 250 على النظام السياسي العالمي، إذ تمتلك مجتمعة قدرات يمكنها تغيير قواعد اللعبة.

وذكر أن تحدي "بريكس" للنظام العالمي يأتي بعد الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة، والتي كانت نقطة تحول رئيسية في القرن العشرين لصالح الهيمنة والتفوق الغربي، "لكن تحدي بريكس هو تطور يجب أن يؤخذ بجدية؛ إذ يأتي من ثلاث قارات هي آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا".

واستعرض إنات، في تحليل نشره موقع "بوليتكس توداي" وترجمه "الخليج الجديد"، نقاط القوة والضعف التي تمثلها مجموعة "بريكس" للنظام العالمي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة وأوروبا.

و"بريكس" تكتل سياسي واقتصادي عالمي يضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ونمت المنظمة كمنتدى للتعبير عن وجهات نظر بلدان الجنوب العالمي في تعاملاتها مع البلدان المتقدمة.

قدرات اقتصادية هائلة

ومن خلال مقارنة المراكز الاقتصادية في الاقتصاد العالمي، يتبين على الفور حجم التحدي الخطير الذي تمثله "بريكس" للنظام العالمي، فمن حيث الناتج المحلي الإجمالي (وفقا لمؤشر تعادل القوة الشرائية) تعد أكبر كتلة اقتصادية في العالم، وتضم المجموعة الصين الدولة صاحبة أكبر اقتصاد عالميا.

وبحلول عام 2020، وصل أعضاء البريكس الخمسة مجتمعين إلى إجمالي ناتج محلي أكبر من نظيره في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المكون من 27 عضوًا؛ ما يعطي دلالة واضحة على قدرة المنظمة على إحداث تأثير خطير على مستقبل النظام الاقتصادي والسياسي العالمي.

وأضاف إنات أن تقارير متعددة نشرت مؤخرا، كشفت عن جهود "بريكس" لمواجهة استخدام الولايات المتحدة المتزايد للدولار ونظام "سويفت" كسلاح، مشيرا إلى أن تلك المساعي من الممكن أن تقوض بالفعل وضع الدولار.  

وأشار إلى أن اقتراح إنشاء عملة "بريكس" لمواجهة هيمنة الدولار، هي واحدة من القضايا الرئيسية التي ستتم مناقشتها في القمة المقبلة للمجموعة التي ستعقد بجنوب أفريقيا في وقت لاحق خلال شهر أغسطس/آب.

من ناحية أخرى، تمثل بريكس، وفقا للأعضاء الحاليين، 41% من سكان العالم، أي أكبر بسبع مرات من الاتحاد الأوروبي وحوالي 10 مرات أكبر من الولايات المتحدة.

كما أن تعبير العديد من الدول عن تطلعها للانضمام لبريكس يعكس حقيقة أن المجموعة أصبحت مكان اجتماع بديل للدول غير الراضية عن النظام السياسي والمالي العالمي.

ووفق المحلل، فإن بريكس يُنظر إليها على أنها بديل لمجموعة السبع، وتدير أيضًا مؤسسة مالية تسمى "بنك التنمية الجديد (NDB)" كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذان تهيمن عليهما الدول الغربية والدول الصناعية المتقدمة الأخرى بالتعاون الوثيق معها.

تُظهر نظرة على أرقام النمو الاقتصادي على مدى الثلاثين عامًا الماضية للدول الأعضاء في بريكس، كيف برزت الصين والهند على وجه الخصوص كبديل للنظام الدولي الذي يهيمن عليه الغرب.

وتكشف تلك الأرقام عن تحدٍ خطير تمثله المجموعة لاسيما من آسيا، لهيمنة الغرب الاقتصادية والسياسية الغربية على النظام العالمي.

نقاط ضعف

لكن بالرغم من القدرات الهائلة التي تمتلكها بريكس في تلك المرحلة لتحدي الهيمنة الغربية، لكن المجموعة تعاني في المقابل من نقاط ضعف كبيرة قد تقلب مسار هذا التحدي لصالح القوى الغربية.

وفي مقدمة نقاط الضعف تأتي العلاقة الإشكالية للغاية بين الهند والصين (اللاعبان الرئيسيان في تحدي الهيمنة الغربية)؛ إذ من الصعب جدًا على هاتين القوتين النوويتين (اللتين لديهما مشاكل حدودية خطيرة) التعاون بطريقة مماثلة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وبينما تفضل الهند سياسة التوازن بين الغرب والصين، وتنضم إلى بكين في بريكس ومنظمة شنجهاي للتعاون، فإن نيودلهي تعمل جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة وحلفاءها المقربين في آسيا وأستراليا واليابان، في الحوار الأمني الرباعي.

 تعد عضوية الهند في الحوار الرباعي الأمني تطورًا يجب إضافته إلى سجل إخفاقات الصين في صراع القوى العالمي.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن السبب الرئيسي وراء خروج الولايات المتحدة من الحرب الباردة مع اليد العليا على الاتحاد السوفيتي كان نجاحها في ضم الدول القوية إلى شبكة تحالفها.

وبالتالي، فإن مواقف الجهات الفاعلة مثل الهند واليابان والبرازيل وروسيا ستكون حاسمة للغاية بالنسبة لنتائج الصراع على السلطة بين الولايات المتحدة والصين.

من هذا المنظور، فإن إحدى نقاط ضعف بكين هي سياستها في دفع الهند نحو الولايات المتحدة بشأن القضايا الأمنية، بدلاً من السعي إلى تحالف وثيق مع القوة الصاعدة.

في غضون ذلك، خسرت الصين بالفعل اقتصادات رئيسية مثل اليابان وكوريا الجنوبية للولايات المتحدة.

من الواضح أن الصين، التي أصبحت الآن عملاقًا اقتصاديًا، لا تفهم تمامًا أنها بحاجة إلى أن تأخذ معها حلفاء أقوياء.

ومن أبرز نقاط الضعف التي تعاني منها المجموعة أيضا ضمها لدول غير مستقرة؛ ولذا يمكن استبعادها عند الحديث عن تحدي الهيمنة الغربية.

واستشهد المحلل بروسيا، وهي عضو آخر في بريكس، والتي ترتكب أخطاء أكبر بكثير من الصين في صراع القوى العالمي، مشيرا إلى أنه يمكن مقارنة أخطاء حكومة الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين بأخطاء روسيا السوفيتية.

وأشار إلى أنها "روسيا بوتين" حاليا، وعلى غرار الاتحاد السوفيتي سابقا، متخلفة اقتصاديًا عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد لجأت إلى الاستخدام المفرط للقوة العسكرية على مدار السنوات الماضية.

نتيجة لسياسات بوتين المغامرة، بدأت موسكو بغزو أجزاء من جورجيا في عام 2008 وامتدادًا من سوريا وليبيا إلى أوكرانيا، تواجه روسيا اليوم مأزقًا مشابهًا في أوكرانيا كما واجه السوفييت في أفغانستان.

وذكر المحلل التركي أن الدعم الاقتصادي والعسكري الذي يقدمه الغرب لأوكرانيا التي تحتلها روسيا، والذي يمكن مقارنته بدعمه لأفغانستان ولكنه أكثر كثافة هذه المرة، أظهر لموسكو حدود قوتها العسكرية.

وفي مواجهة دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تقل احتمالية وصول روسيا بالحرب في أوكرانيا إلى نهايتها المرجوة، حيث تعاني من خسائر عسكرية واقتصادية ضخمة من ناحية، وعدم استقرار داخلي من ناحية أخرى، مستشهدا بتمرد قوات "فاجنر" شبه العسكرية قادة الجيش والرئيس الروسي.

بينما تمتلك روسيا أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم إلى حد بعيد وتعد واحدة من أكبر مصدري النفط في العالم، فإنها تنزف على خط المواجهة في أوكرانيا، وهي جبهة فتحتها على نفسها بمحض إرادتها؛ نتيجة لذلك، يجب عدم أخذ موسكو في الاعتبار عند التفكير في التهديدات التي تشكلها مجموعة بريكس.

وإضافة إلى ذلك، تدخل البرازيل في حزمة الدول التي تعاني من عدم الاستقرار في بريكس، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي للدولة التي تقع في أمريكا اللاتينية، إلى 1.48 تريليون دولار في عام 2020، مقارنة بـ 2.47 تريليون دولار في عام 2013.

بالنظر إلى أن عدم الاستقرار الداخلي الناجم عن الاستقطاب الاجتماعي والسياسي ومشاكل توزيع الدخل في البلاد قد خلق بيئة مفتوحة للتدخل والتلاعب من قبل الجهات الخارجية غير الراضية عن خط السياسة الخارجية للبرازيل، فمن الواضح أن الرئيس لولا دا سيلفا، سيتعين عليه السير بحذر أكبر في صراع القوى العالمي.

بالإضافة إلى نقاط الضعف هذه، هناك عائق آخر أمام دول بريكس في تحدي النظام السياسي والاقتصادي العالمي الذي يهيمن عليه الغرب، وهو أن قدراتها العسكرية لا تزال متخلفة كثيرًا عن قدرات الولايات المتحدة وحلفائها.

على الرغم من أن ثلاثة من أعضاء بريكس الخمسة يمتلكون أسلحة نووية، إلا أن دول المجموعة لا يمكن مقارنتها بالولايات المتحدة من حيث الإنفاق العسكري.

وخلص المحلل إلى أن تاريخ العالم مليء بالأمثلة التي تظهر أن القوة العسكرية لا تقل أهمية عن القوة الاقتصادية في تحديد مصير التحديات العالمية، مشيرا إلى أن التحدي الذي يواجه القدرات العسكرية الروسية في أوكرانيا أحدث مثال على ذلك.

المصدر | كمال إنات/بوليتكس توداي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بريكس منظمة بريكس النظام العالمي الهيمنة الغربية

إعلام رسمي: المغرب ينفي التقدم بطلب للانضمام إلى بريكس

ستراتفور: الانقسامات الداخلية تضمن أن يظل توسع بريكس بطيئًا

فاينانشيال تايمز: الصين تدفع بريكس لمنافسة مجموعة السبع جيوسياسيا

قمة بريكس تنطلق اليوم وسط تطلعات لتوسيع المجموعة