استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

متى يستجاب لأي حراك شعبي عربي؟

الأحد 20 أغسطس 2023 01:07 م

متى يستجاب لأي حراك شعبي في الوطن العربي؟

في لبنان خمد الحراك الشعبي السلمي بعد أن اصطدم بنظام طائفي تكلّس ونخره الفساد.

في الجزائر اكتفى الحراك الشعبي ببعض المكاسب، التي تبقى رغم أهميتها، أقل بكثير من الطموح الذي أخرج الآلاف أسبوعيا في تظاهرات عارمة.

لا الحكومات تستجيب لمطالب الناس المشروعة في الحرية والكرامة وحكم القانون ولا النظام السياسي يعطي أملا في التغيير بتداول السلطة سلميا.

انتهى الحراك الشعبي في السودان إلى حرب بين الأجهزة العسكرية التي أحكمت قبضتها على البلاد لعقود مع الرئيس البشير، ثم خنقت توق شعبها إلى حكم مدني ديمقراطي.

لم يكن سهلا على «حراك تشرين» بالعراق تغيير واقع البلاد رغم سقوط قتلى بالمئات فقد أصابت أغلب الأمراض مفاصل الدولة واستفحلت بهيمنة إيرانية وارتهان للخارج!

إذا استمرّت الاحتجاجات أو تكرّرت دون نتيجة تكرّس قناعة خطيرة بعدم فائدة التحرّك السلمي وأن الواقع القائم بقوة وبطش الأجهزة الأمنية والعسكرية لا يواجه إلا بالعنف!

* * *

العراق، وما أدراك ما العراق، ما كان ليتم إغفال ذكره في مقال الأسبوع الماضي عن الحراك الشعبي الواسع ما بعد موجة «الربيع العربي» مطلع 2011، فقد تم تناول كل من لبنان والجزائر والسودان دون التطرق إلى العراق.

في لبنان خمد الحراك الشعبي السلمي بعد أن اصطدم بنظام طائفي تكلّس ونخره الفساد، أما في الجزائر فاكتفى ببعض المكاسب، التي تبقى رغم أهميتها، أقل بكثير من الطموح الذي أخرج الآلاف أسبوعيا في تظاهرات عارمة، فيما انتهى في السودان إلى حرب بين الأجهزة العسكرية نفسها التي أحكمت قبضتها على البلاد لعقود مع الرئيس البشير، ثم خنقت توق شعبها إلى حكم مدني ديمقراطي.

أما العراق، الذي سيحيي قريبا الذكرى الرابعة لحراكه الجماهيري الغاضب فالحديث عنه معقّد تعقد المشهد كله هناك منذ عشرين عاما على الأقل. التظاهرات التي اندلعت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019، لتشمل بغداد ومحافظات وسط البلاد وجنوبها، بدأت بالتنديد بتردي الخدمات وتفاقم البطالة، لكنها سرعان ما امتدت لاحقا لتعبّر عن الغضب من كل الطبقة السياسية وفسادها والمحاصصة الطائفية التي دمّرت الوطن.

لم يكن سهلا على «حراك تشرين» أن يغيّر واقع البلاد رغم سقوط قتلى بالمئات والجرحى بالآلاف بين أبنائه فقد كانت أصابت أغلب الأمراض كل مفاصل الدولة ثم استفحلت بالهيمنة الإيرانية والارتهان المختلف الأوجه للخارج ما جعل تغيير هذا المشهد بالكامل صعبا للغاية.

العام الماضي أصدر المتظاهرون الذين شاركوا في احتجاجات ساحة النسور، وسط العاصمة بغداد بياناً لخّص هذه المعضلة بالقول» طالبناكم بأبسط المطالب فلم تستجيبوا. انتفضنا عليكم فقتلتمونا. رفضنا حكمكم فلم تزدادوا إلا طغياناً وفساداً، والعراق من سيئ إلى أسوأ بسببكم».

ليس أكثر إحباطا لأي شعب من أن تخرج مئات الآلاف منه غاضبة في مظاهرات سلمية، منظّمة وراقية، رافعة شعارات ومطالب مشروعة ومحدّدة فتواجهها السلطات بالقمع أو بالتجاهل الكامل، أو بكليهما، لأن من شأن ذلك، لاسيما إذا ما استمرّت الاحتجاجات لفترة طويلة، أو تكرّرت في مناسبات عديدة دون نتيجة، أن تكرّس تلك القناعة الخطيرة بألا فائدة ترتجى من التحرّكات السلمية وأن الواقع السياسي القائم بقوة وبطش الأجهزة الأمنية والعسكرية لا يمكن أن يواجه إلا بالعنف.

هناك أيضا احتمال آخر، وهو أن تسود بين الناس، جرّاء عدم تجاوب السلطات مع مطالبها، حالة من الاستقالة العامة وعدم الاكتراث بالشأن العام، وهي وضعية لا تقل عدمية وخطورة عن الوضعية الأولى.

لا شك أن السلطات العراقية تتحرك بين فترة وأخرى لمعالجة هذه القضية أو تلك، ولكنها تظل في النهاية استجابات ظرفية ومحدودة لا تلبي الرغبة الجامحة لدى الرأي العام للمعالجة الشاملة والشفافة والجذرية لمشاكل تفاقمت بشكل مخيف طوال السنوات الماضية وخاصة الفساد المستشري.

آخر مثال على ذلك، إحالة وزير النفط السابق إحسان عبد الجبار على القضاء بتهم فساد واستغلال المنصب وتلقي رشى من عدد من المستثمرين المرتبطين بعقود مع وزارته، وهو إجراء قد يلقى بعض الاستحسان من الرأي العام لكنه لن يلغي المطالبة المتواصلة منذ سنوات بضرورة وضع حد لفساد نخر كل الطبقة السياسية تقريبا مع ضرورة الابتعاد عن الانتقائية والظرفية عند الشروع في معالجة بعض حالاته.

طبعا يحدث أن تخرج تظاهرات في دول عدة في العالم رافعة مطالب محدّدة ومع ذلك لا تقع الاستجابة لها فصاحب القرار السياسي ليس ملزما دائما على التجاوب الحتمي مع مثل هذه التحركات الشعبية.

ولكن هناك فرقا بين حدوث ذلك في تلك الدول وبين ما يحدث عندنا. آخر مثال يمكن أن يستحضر في هذا السياق ما جرى في فرنسا طوال الأشهر الماضية من مظاهرات معارضة لتمديد سن التقاعد إلى سبعة وستين، ومع ذلك لم يتراجع الرئيس ماكرون.

ما يمكن أن يشفع في حالات كهذه، هو أن مختلف قنوات التعبير وكذلك الآليات الديمقراطية المتعارف عليها هناك ما زالت نشطة ولم تتخل عن وظيفتها، من برلمان ومحكمة دستورية وغير ذلك من المؤسسات، ما يعني أن قرارات أو سياسات غير شعبية قد تمر، طالما هي قانونية، لكن المواطن لم يفقد مع ذلك قدرته على معاقبة أصحابها مع أول موعد انتخابي مقبل.

نفس الشيء حصل أخيرا مع دولة الاحتلال وتعديلات التحالف اليميني المتطرف الحاكم للنظام القضائي، فرغم كل المظاهرات العارمة والمتواصلة مضى هذا التحالف قدما في ما أراده، رغم أنه أخطر بكثير من مجرد رفع سن التقاعد في فرنسا، ولكن تظل هناك في النهاية إمكانية لإسقاط كل ذلك بمجرد صعود أغلبية جديدة إلى الحكم في أي انتخابات مقبلة.

المشكل لدينا في بلادنا العربية أن لا الحكومات تستجيب إلى مطالب الناس المشروعة والقديمة في الحرية والكرامة وحكم القانون، ولا طبيعة النظام السياسي تعطي أي أمل في إمكانية التغيير عبر التداول السلمي على السلطة، وهنا تكمن المعضلة القاتلة.

*محمد كريشان كاتب وإعلامي تونسي

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

العرب التغيير حراك شعبي الربيع العربي النظام السياسي الأجهزة الأمنية والعسكرية التداول السلمي حراك تشرين المعضلة القاتلة العنف