تحليل: خامنئي يواجه معضلتين قبل انتخابات 2024

الثلاثاء 22 أغسطس 2023 11:45 ص

سلط الزميل الزائر بمعهد واشنطن، عومير كرمي، الضوء على بدء دورة انتخابات 2024 في إيران، واصفا إياها بأنها "تمثل معضلة" للمرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، إذ سيكون أمام معضلتين، إما أن يستبعد المرشحين الإصلاحيين بقوة ويزيد بذلك من نفور الرأي العام، أو أن يعرّض نفسه لخطر هيمنة خصومه السياسيين.

وذكر كرمي، في تحليل نشره موقع المعهد، أن الدورة الانتخابية الأخيرة في إيران كانت مخيبة للآمال، ففي عام 2021، استبعد "مجلس صيانة الدستور"، وهو هيئة مكوّنة من 12 عضواً يعيّنهم المرشد الأعلى بشكل مباشر أو غير مباشر، العديد من الشخصيات البارزة من الترشح للرئاسة، وترك الفائز النهائي، إبراهيم رئيسي، من دون منافسة فعلية.

وأضاف أن الرفض الشديد للمرشحين المعتدلين والإصلاحيين أدى إلى لامبالاة متزايدة لدى الرأي العام الإيراني تجاه السباق الانتخابي، ما أدى إلى أدنى نسبة مشاركة في التاريخ.

ويرى كرمي أن الفترة الانتخابية القادمة ستكون مهمة للكشف عن نوايا خامنئي الذي يجب أن يقرر كيفية الموازنة بين المخاوف بشأن الإقبال المنخفض جدا، والخلافة النهائية، والاستراتيجيات السياسية الإصلاحية، وشرعية النظام في أعقاب الاحتجاجات الجماهيرية.

البرلمان الإيراني

ورغم أن مجلس النواب الإيراني، المكون من 290 عضواً، هو أحد الفروع الرئيسية الثلاثة للحكم في الجمهورية الإسلامية، إلا أنه لم يضطلع منذ فترة طويلة سوى بأهمية ثانوية في وضع سياسات النظام، لاسيما فيما يتعلق بالقضايا النووية والعلاقات الخارجية، وتراجع دوره أكثر في السنوات الأخيرة، وأصبح الكثير من المواطنين غير مبالين بتركيبته ومداولاته.

ووفقاً لاستطلاع أجرته وكالة الأنباء الحكومية الرسمية في 25 تموز/يوليو، يشعر 68% من الإيرانيين بعدم الرضا عن البرلمان، ولم تستطع الأغلبية تسمية رئيسه الحالي.

ومع ذلك، لا يزال "المجلس" يلعب دوراً في بناء التوافق في الآراء حول القرارات المهمة. فالمسؤولون يقومون في بعض الأحيان بإطلاع المشرعين على القضايا الرئيسية مثل وضع المحادثات النووية.

 وفي حالات أخرى، يُستخدم المجلس لعرض الأفكار أو التشديد على التوجه الفكري الحالي للنظام. ومن الأمثلة البارزة على ذلك "خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية"، وهي مبادرة اتخذها مجلس النواب في كانون الأول/ديسمبر 2020 بهدف تعزيز موقف خامنئي المتطرف من المفاوضات النووية من خلال الضغط على الحكومة لاتخاذ خطوات جوهرية إذا لم يتم رفع العقوبات الدولية.

مجلس الخبراء

ومن المقرر أيضاً أن يصوت الإيرانيون لممثليهم في "مجلس خبراء القيادة"، وهو هيئة لا تمارس سوى تأثير ضئيل جداً على حياتهم اليومية باستثناء عملية أساسية واحدة، وهي اختيار مرشد أعلى جديد. فـ"مجلس خبراء القيادة" مكلف بموجب الدستور بتعيين المرشد الأعلى التالي عند وفاة المرشد الحالي وإقالة المرشد إذا أصبح غير قادر على أداء واجباته.

ونظراً لتقدم خامنئي في السن (84 عاماً)، قد يكون "مجلس خبراء القيادة" التالي هو الذي يعين رسمياً خليفته في مرحلة ما خلال فترة ولايته التي تمتد لـ 8 سنوات.

لكن المجلس الذي يضم 88 عضوا، جميعهم رجال، وجميعهم رجال دين باستثناء عضو واحد، ينظر إليه كهيئة خاضعة لسيطرة خامنئي على الرغم من أنه مكلف دستوريا بالإشراف عليه، بحسب التقرير.

ويرجع ذلك جزئياً إلى أن "مجلس صيانة الدستور" يقيّد بشكل كبير عملية اختيار المرشحين الذين يُسمح لهم بالترشح لمقاعد "مجلس خبراء القيادة".

وفي عام 2018، نشر السياسي الإصلاحي، مهدي كروبي، رسالة مفتوحة اعتبر فيها أن "مجلس خبراء القيادة" أصبح "مجلساً احتفالياً لا يقوم سوى بمدح الزعيم".

 وأثر سن أعضاء المجلس على شرعيته أيضاً، فخلال انتخابات عام 2016، كان عمر أكثر من 90% من المرشحين الفائزين يزيد عن الخمسين عاماً.

وستكون انتخابات 2024 هي الأولى في إيران منذ موجة الاحتجاجات الهائلة التي أشعلت فتيلها وفاة مهسا أميني، وبالتالي قد يكون للإقبال على هذه الانتخابات قيمة رمزية قوية إلى حد كبير.

وغالباً ما يناقش مسؤولو النظام الإيراني المشاركة العامة في الانتخابات على أنها "دليل" على قاعدة دعم الجمهورية الإسلامية.

وفي هذا الإطار، اعتبر خامنئي، في خطاب ألقاه في 4 يونيو/حزيران الماضي، أن الانتخابات مهمة جداً للنظام، محذراً من أن "أعداء" إيران يحاولون خلق حالة "يأس" وجو من التشاؤوم لدى المواطنين تجاه التصويت.

لكن المرشد الأعلى هو المسؤول الوحيد عن حالة الرأي العام، ففي عام 2016، استبعد "مجلس صيانة الدستور" الذي يدور في فلك المرشد الأعلى 80% من المرشحين الذين تقدموا للترشح لانتخابات "مجلس خبراء القيادة" في ذلك العام، حتى أنه قد تم رفض المرشح الإصلاحي، حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، روح الله الخميني.

كما استبعاد المجلس نصف المرشحين المقترحين لانتخابات مجلس النواب لعام 2020، بينهم العديد من المشرّعين الحاليين.

ويشير كرمي إلى أن هذه الخطوات ساهمت في جعل الإقبال على تلك الانتخابات البرلمانية الأدنى منذ ثورة 1979. فلم يشارك في الانتخابات سوى 42% من الناخبين على الصعيد الوطني و26% فقط في طهران.

وللإيحاء بعملية أكثر شمولاً، غيّر النظام عملية التسجيل لانتخابات العام المقبل، فبدلاً من بدء التسجيل قبل شهرين من يوم الانتخابات وإجراء عملية تدقيق واحدة يتولاها حصرياً "مجلس صيانة الدستور"، بدأ التسجيل في التصويت لمجلس النواب في 7 أغسطس/ىب، أي قبل 7 أشهر تقريباً من موعد الانتخابات. وتضمنت العملية الجديدة فترة "تسجيل مسبق" أمدها أسبوع واحد قدم خلالها المرشحون معلومات ووثائق ليخضعوا للتدقيق الأولي من قبل أجهزة أمن النظام.

ويترك ذلك لـ "مجلس صيانة الدستور"عدداً أقل من المسجلين للتدقيق في [آرائهم] (واستبعادهم) في أكتوبر/تشرين الأول القادم، ما قد يحد من الانتقادات العامة، بحسب كرمي.

ووفقاً لمسؤولي النظام، فقد سجل أكثر من 48000 مرشح أنفسهم بشكل مسبق في انتخابات مجلس النواب، بما يمثل 4 أضعاف العدد المرشح في عام 2020.

 كما أكدت السلطات أن 14% من المسجلين للترشيح النساء، ما اعتبره وزير الداخلية، أحمد وحيدي، في 15 آب/أغسطس، دليلا على أن انتخابات العام المقبل ستكون "حماسية"، مع أقصى قدر من المشاركة الشعبية.

معضلة خامنئي

ويلفت كرمي إلى أن وسائل الإعلام الإيرانية تركز على تحديد ما إذا كان الإصلاحيون سيشاركون في العملية أم سيقاطعونها، مشيرا إلى أن عدد السياسيين الإصلاحيين الذين سجلوا أنفسهم للترشيح لايزال غير واضح.

 وزعمت وسائل الإعلام المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، مثل وكالتي "فارس" و"تسنيم"، أن العدد كان هائلاً، لكن صحيفة "اعتماد" الإصلاحية البارزة دحضت تقارير وسائل الإعلام المحافظة.

واتهمت الصحيفة وسائل الإعلام المحافظة بشن "حرب نفسية" على الإصلاحيين، وأكدت أن العديد من المرشحين الإصلاحيين لم يسجلوا أنفسهم بسبب الإقصاء الكبير الذي شهدته الانتخابات السابقة.

ويدور الجدل أيضا حول ما إذا كان الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، ورئيس مجلس النواب السابق، علي لاريجاني، ضمن المرشحين في الانتخابات، فمع أن أياً منهما لم يترشح لمقعد في مجلس النواب، يعتقد العديد من المراقبين أن لاريجاني يعمل وراء الكواليس على إنشاء كتلة من المؤيدين له في البرلمان الذين يمكن أن يشكلوا قاعدة داعمة لسلطته قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2025.

كما توقعت عديد التقارير أن روحاني يعمل على تشكيل كتلة خاصة به في "المجلس" وقد يفكر في الترشح لمقعد في "مجلس خبراء القيادة".

وفي عام 2021، منع خامنئي و"مجلس صيانة الدستور" المرشحين الرئاسيين البارزين من الترشح لضمان فوز رئيسي في السباق، ما يرجح كرمي أنه "بهدف إعداده تدريجياً ليصبح المرشد الأعلى القادم".

غير أن خامنئي قد يجعل الانتخابات المقبلة أكثر شمولا على أمل استعادة بعض الدعم الشعبي وتعزيز المصالحة الوطنية بعد أشهر من الاضطرابات التي اندلعت عقب وفاة الشابة "مهسا أميني".

ووقد يساعده هذا النهج أيضا في التصالح مع الشخصيات البارزة المختلفة التي خاصمها خلال العقد الماضي، مع شل قواعد المعارضة المحتملة، حسبما يرى كرمي.

وفي المقابل، يخشى المرشد الأعلى من أن تؤدي نسبة المشاركة الكبيرة في عملية انتخابية شاملة إلى قيام مجلس يهيمن عليه الإصلاحيون، الذين قد يكونون أكثر تشكيكا في نهج النظام الحالي وأكثر استعدادا لتحدي حكومة رئيسي.

ويخلص كرمي إلى أن خامنئي يعطي الأولوية لمناورات خلافته على المدى الطويل، و"قد يكون أقل ميلا لمساعدة منافسيه في تحقيق إنجازات سياسية في البرلمان أو مجلس خبراء القيادة، لأن ذلك من شأنه أن يحسن وضعيتهم في صراع العروش في نهاية المطاف" حسب تعبيره.

المصدر | الخليج الجديد + معهد واشنطن

  كلمات مفتاحية

إيران علي خامنئي عومير كرمي مجلس صيانة الدستور

قلعة تفريخ الحرس الثوري.. مطالب للغرب بمراقبة جامعة إيرانية لأنشطتها النووية