كيف تعمل أوكرانيا على الاستفادة من دول الخليج لتعزيز استراتيجيتها؟

الأربعاء 23 أغسطس 2023 11:51 ص

نظراً لعلاقاتها الوظيفية مع روسيا وأوكرانيا والغرب ودورها الدبلوماسي النشط في الصراع، فإن دول مجلس التعاون الخليجي في وضع مثالي يسمح لها بالاضطلاع بدور متزايد الأهمية في المضي قدماً باستراتيجية كييف للجنوب العالمي.

هكذا يخلص تحليل لـ"منتدى الخليج الدولي"، ترجمه "الخليج الجديد"، حول القمة التاريخية التي انعقدت في جدة السعودية، حين اجتمع ممثلون عن أكثر من 40 دولة يومي 4 و5 أغسطس/آب، لمناقشة خطة أوكرانيا لإنهاء حربها الطويلة مع روسيا.

ضمت القمة وفودا رفيعة المستوى من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين، والهند، وعشرات الدول الأخرى، دون أن تضم أي مسؤولين من روسيا، الذين لم تتم دعوتهم من الأساس.

ورغم الغياب الروسي، وصف وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا القمة بأنها "اختراق"، موضحا أنها قمة السلام الأولى، التي "تشارك فيها دول تمثل العالم أجمع، وليس فقط أوروبا وأمريكا الشمالية".

ووفق التحليل، توضح قمة جدة عنصراً متزايد الأهمية في استراتيجية كييف الشاملة عندما يتعلق الأمر بالحرب الروسية في أوكرانيا، حيث تسعى الأخيرة لتوسيع الدعم إلى ما هو أبعد من الدول الغربية ودول حلف شمال الأطلسي، ومناشدة الجنوب العالمي بشكل أكثر مباشرة.

كما تأمل أوكرانيا في تقليل الدعم الذي قدمه الجنوب العالمي لموسكو.

ويضيف التحليل: "إن منطقة الخليج هي إحدى المناطق التي تعمل كنقطة محورية حاسمة لاستراتيجية كييف في الجنوب العالمي، ومن المرجح أن تزداد أهمية دول الخليج مع استمرار الصراع".

فمنذ الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، لعبت دول مجلس التعاون الخليجي دورًا مؤثرًا في تطور الصراع من منظور اقتصادي ودبلوماسي.

كما أعطى الثقل الكبير الذي تتمتع به دول الخليج مثل السعودية والإمارات وقطر في مشهد الطاقة العالمي، المنطقة نفوذاً كبيراً على اللاعبين الرئيسيين في الصراع، خاصة أن الغرب شدد العقوبات ضد روسيا وصناعة الطاقة فيها، وخفض تدفقات الطاقة إلى أوروبا.

يشار إلى أنه بعد شهر واحد فقط من الغزو، ظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشكل مفاجئ عبر الإنترنت خلال فاعليات منتدى الدوحة في 26 مارس/آذار، دعا قطر إلى "المساهمة في استقرار الوضع في أوروبا" و"زيادة إنتاج الطاقة لجعل روسيا تفهم أنه لا ينبغي لأي دولة أن تستخدم الطاقة كسلاح ولابتزاز العالم".

ولم تذهب تعليقات زيلينسكي أدراج الرياح في الخليج، وزادت قطر بالفعل صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا منذ بدء الحرب، في حين زادت كل من السعودية والكويت والإمارات صادراتها النفطية إلى القارة العجوز لتعويض الانخفاض الكبير في الطاقة الروسية.

وعلى الرغم من ذلك، لم تتبع دول الخليج خطى الغرب في فرض عقوبات على روسيا أو صناعة الطاقة لديها.

وفي الواقع، وفق التحليل، قام الخليج بالفعل بتوسيع علاقاته الاقتصادية مع روسيا منذ بداية الحرب، وخاصة في قطاع الطاقة.

كما زادت دول الخليج مشترياتها من النفط الروسي لاستخدامها المحلي، وواصلت التشاور مع روسيا ضمن إطار صنع القرار في (أوبك+)، بل ورفضت مطالب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن خفض إنتاجهم النفطي من أجل ضمان ارتفاع الأسعار.

ويتابع التحليل: "أظهرت هذه التطورات أن دول الخليج كانت على استعداد لدعم أوكرانيا وداعميها الغربيين إلى حد ما، ولكن ليس على حساب مباشر لعلاقاتها مع روسيا أو مصالحها الاقتصادية الخاصة".

تعكس وجهة النظر هذه، موقف عدم الانحياز لمعظم دول الجنوب العالمي، فهي لا تدعم موقف روسيا في الصراع علنًا، ولكنها غير مستعدة للتخلي عن علاقاتها الاقتصادية أو الدبلوماسية مع موسكو.

وبدلاً من ذلك، والحديث للتحليل، فإنهم يسعون إلى تحقيق مصالحهم المستقلة، والتي يمكن أن تكون مفيدة لأوكرانيا في بعض النواحي، ولكنها ساعدت روسيا أيضاً في الحفاظ على اقتصادها في مواجهة الضغوط الغربية، وبالتالي سمحت لها بمواصلة شن حربها في أوكرانيا.

وهذه الحقائق هي التي أخذت في الحسبان حسابات كييف في قمة جدة.

ويضيف التحليل: "لقد أظهرت الولايات المتحدة وغيرها من دول حلف شمال الأطلسي التزامها بدعم أوكرانيا من منظور عسكري واقتصادي، ولكن المستوى الحالي من الدعم لأوكرانيا ينطوي على قيود واضحة".

ويتابع: "لقد أنتج الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا بعض المكاسب على الأرض، إلا أن هذه المكاسب كانت حتى الآن أكثر تواضعاً مما كان مأمولاً".

في الوقت نفسه، قامت روسيا بتوسيع علاقاتها مع دول الجنوب العالمي، ويبدو من غير المرجح أن تستسلم للضغوط الاقتصادية والسياسية الغربية.

ومن خلال ملاحقة علاقات أفضل مع الجهات التي تساعد روسيا في العالم النامي، فمن الواضح أن كييف تأمل في تخفيف حجم هذه العلاقات، وفق التحليل، الذي يضيف: "هذا هو المكان الذي يمكن لدول الخليج أن تشكل دوارة جوية مهمة لجهود كييف".

ويستطرد: "لم تقم دول الخليج بتوسيع علاقاتها الاقتصادية مع كل من روسيا والغرب لأسباب تتعلق بالمصالح الذاتية فحسب، بل استخدمت أيضًا مثل هذه العلاقات للعمل كوسطاء في الصراع الأوكراني، مما أكسبها أوراق اعتماد القوة الناعمة المهمة ورفع مكانتها الدولية".

فعلى سبيل المثال، تفاوضت كل من السعودية والإمارات على عمليات تبادل أسرى رفيعة المستوى بين أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة؛ مما أظهر فعاليتهما في القدرة على العمل مع أطراف مختلفة من الصراع، كما تم طرح دول الخليج كوسطاء محتملين لإنعاش شحنات الحبوب بعد انهيار مبادرة حبوب البحر الأسود التي توسطت فيها تركيا الشهر الماضي.

وعلى هذا النحو، والحديث للتحليل، فإن قرار عقد قمة السلام الأوكرانية الأخيرة في جدة، "يعد خطوة منطقية لكييف ومؤيديها".

وسبق أن عرضت دول أخرى، ولا سيما الإمارات، استضافة المزيد من مؤتمرات القمة إذا لزم الأمر، ومن المرجح أن توافق أوكرانيا على ذلك أيضًا.

ومع ذلك، هناك حدود لما يمكن أن نتوقع تحقيقه من الناحية الواقعية في مثل هذه القمم، وخاصة من دون مشاركة روسية نشطة.

وفي الواقع، عارضت موسكو بشدة قمة جدة، ووصفتها بأنها "محكوم عليها بالفشل" دون مساهمة الكرملين.

وربما لا يكون هذا مفاجئا، وفق التحليل؛ نظرا لأن الهدف الرئيسي للقمة كان الترويج لخطة السلام الأوكرانية المكونة من 10 نقاط، والتي تصر على إعادة جميع الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها روسيا، وهو مطلب رفضته موسكو بشدة.

ومن دون موافقة روسيا، فمن غير المرجح أن تتمكن مثل هذه القمم من تحقيق وقف إطلاق النار في الصراع الدائر، ناهيك عن تحقيق سلام أوسع نطاقا.

ويشير التحليل إلى أن "قمة جدة ستظل مهمة لأنها أظهرت أن أوكرانيا تتمتع بمستوى معين من الدعم في الجنوب العالمي يتجاوز شركائها التقليديين".

ويختتم بالقول: "من الواضح أن كييف تأمل أن يؤدي الدعم الخطابي الواضح لموقفها إلى اتخاذ المزيد من التدابير الملموسة، مثل التعاون في مجال الطاقة والوساطة الدبلوماسية، وكلاهما من شأنه أن يجعل الحرب أقرب إلى النهاية".

المصدر | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قمة جدة أوكرانيا روسيا الطاقة دول الخليج زيلنيسكي حرب