استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

جريمة حرق المصحف في سياقها التاريخي

الخميس 31 أغسطس 2023 03:42 ص

جريمة حرق المصحف في سياقها التاريخي

إحدى أهم أفكار إدوارد سعيد أن «كتابات المستشرقين التى تتحدث عن الشرق تتحدث عن الغرب أكثر بكثير مما تقوله عن الشرق نفسه»!

«رغم أن القرآن حافل بالإشارة إلى السيد المسيح باعتباره نبيًا مرسلًا، فإن دانتى كان يصر على (جهل) الفلاسفة المسلمين وخلفائهم بالمسيحية»!

لما كانت المسألة قديمة قدم تعامل الغرب مع «الشرق»، فلا يجوز لنا أن نتعامل مع واقعة السويد أو غيرها دون السياق التاريخى الذى تحدث فيه.

المستشرق، أى الغربى الذى يدرس الشرق دائمًا يضع نفسه «خارج» هذا الشرق، ويكتب للغرب. وهو يقدم «تصوره» الخاص عن هذا الشرق.

حرق المصحف الشريف فى السويد يعبر عن ثقافة الغرب أكثر من تعبيره عن الإسلام. ووضع المسلمين بالمهجر يتحدث عن مجتمعات الغرب أكثر مما يعبر عنهم هناك.

يتم إضفاء الشرعية على ضرورة الهيمنة بدعوى «تحرير العرب والمسلمين» والذى ينطوى ضمنًا على تحريرهم من الإسلام الذى قالوا إنه «لا يعلى من قيمة الحرية».

* * *

كنت قد قدمت فى مقال سابق فى تقديم أهم ما جاء فى كتاب إدوارد سعيد، فقلت إن إسهامه الحقيقى كان فى نقده للمنهج الذى يستخدمه المستشرقون فى الكتابة عما يضعونه فى جرة قلم تحت مسمى «الشرق» أو «الإسلام».

ويقول «سعيد» إن المستشرق، أى الغربى الذى يدرس الشرق، لا كل الغرب، دائمًا يضع نفسه «خارج» هذا الشرق، ويكتب للغرب. وهو يقدم «تصوره» الخاص عن هذا الشرق.

والمنهج الانتقائى للمستشرق يتجلى فى تحويله للتفاصيل التى يكتب عنها إلى رمز للشرق كله ويقفز منها لاستنتاجات غير منضبطة منهجيًا. فآية واحدة من القرآن تُستخدم كدليل على طريقة تفكير المسلمين وسلوكهم فى مصر أو الجزائر المعاصرة! وبالتالى، وتلك واحدة من أهم أفكار «سعيد»، فإن «كتابات المستشرقين التى تتحدث عن الشرق تتحدث عن الغرب أكثر بكثير مما تقوله عن الشرق نفسه»!

وتلك هى الفكرة ذاتها التى اقتبستها من «سعيد»، فى أولى حلقات هذه السلسلة، حين قلت إن حرق المصحف الشريف فى السويد يعبر عن الثقافة الغربية أكثر من تعبيره عن الإسلام. ووضع المسلمين فى المهجر يتحدث عن المجتمعات الغربية أكثر مما يعبر عن المسلمين هناك.

لكن ما قصده «سعيد» بتلك الفكرة أكثر عمقًا مما أشرت له فى ذلك المقال. فهو يقصد أن «الشرق» فى كتابات المستشرقين هو الشرق وفق آليات البحث وأنماط التفكير الغربية.

وهو الشرق وفق الأعراف والتقاليد والمؤسسات وقواعد المنطق الغربية. وفى عبارة ذات دلالة يقول «سعيد» إن «الشرق، على أقصى تقدير، يستفز الباحث ليكتب عنه، لكنه أبدًا لا يكون مرشده عند الكتابة».

و«سعيد» درس كتابات المستشرقين منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فبدأ بالكتابات الأوروبية، ثم الأمريكية وصولًا للمستشرقين الذين عاصروه فوجدها تسير وفق نمط واحد «ثابت لا يتغير»، وكأن موضوع البحث نفسه، أى ذلك «الشرق»، لا يطرأ عليه أى تغيير.

وهو يشرح باستفاضة العلاقة بين مرحلة صعود الحضارة الإسلامية التى تزامنت مع عصور الظلام الأوروبية والتى نُظر خلالها للإسلام باعتباره «هرطقة وردّة عن المسيحية».

ويعطى مثالًا بموسوعة الشرق التى صدرت فى القرن السابع عشر التى لم تُستخدم أبدًا كلمة «المسلمين» وإنما كانت تستخدم كلمة «المحمديين»، وهو الاسم الذى لايزال يستخدم حتى اليوم لإهانة المسلمين والسخرية منهم لدلالاته التاريخية التى كانت تعتبر أن الإسلام «ما هو إلا هرطقة وانحراف عن المسيحية».

ويقول إن المستشرق الفرنسى فرانسوا رينيه تشاتو برياين مثلًا كتب فى القرن الثامن عشر يقول إن «القرآن لا يكره القهر ولا يعلى من قيمة للحرية». والذين يتابعون الكتابات الغربية المعاصرة يجدون تلك الفكرة يعاد إنتاجها حتى اليوم وباستمرار، فنظل معها فى موقف دفاعى حتى نثبت العكس.

ومن هنا أيضًا يتم إضفاء الشرعية على ضرورة الهيمنة بدعوى «تحرير العرب والمسلمين». والذى ينطوى ضمنًا على تحريرهم من الإسلام الذى قالوا إنه «لا يعلى من قيمة الحرية».

وفى عبارة تستحق التأمل يقول إدوارد سعيد إنه «رغم أن القرآن حافل بالإشارة إلى السيد المسيح باعتباره نبيًا مرسلًا، فإن دانتى كان يصر على (جهل) الفلاسفة المسلمين وخلفائهم بالمسيحية»! ليس ذلك فقط، فقد أشار «سعيد» إلى أن عالم الأديان الاسكتلندى وليام روبرتسون (القرن 19) وصف الإسلام بأنه «عبارة عن تلفيق منظّم».

بعبارة أخرى، واقتداء بإدوارد سعيد، ولما كانت المسألة قديمة قدم تعامل الغرب مع «الشرق»، فلا يجوز لنا أن نتعامل مع واقعة السويد أو غيرها دون السياق التاريخى الذى تحدث فيه.

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، خبيرة في الشأن الأمريكي.

المصدر | المصري اليوم

  كلمات مفتاحية

الإسلام المسيحية الشرق الغرب الهيمنة السويد المستشرق الاستشراق إدوارد سعيد حرق المصحف الحضارة الإسلامية عصور الظلام الأوروبية المحمديين

الاعتداء على نسخة من القرآن أمام القنصلية التركية في نيويورك

بعد طلب تسليمه للعراق.. السويد تستجوب "حارق المصحف"