مبادرة تضم 64 موقعا.. كيف تحمي أبوظبي تراثها الحديث؟

السبت 2 سبتمبر 2023 07:09 ص

من خلال مبادرة التراث الحديث، ميزت أبوظبي نفسها عن المراكز الحضرية الأخرى في الإمارات والمنطقة، حتى باتت تمثل المدينة نموذجًا للتنمية المقاسة والمستدامة والنمو الحضري الذي لا يسعى فقط إلى اكتساب الأهمية من خلال الهندسة المعمارية الرائعة، ولكنه يهدف أيضًا إلى الحفاظ على الماضي لخدمة الحاضر.

هكذا يتحدث تقرير لـ"معهد دول الخليج العربية في واشنطن"، وترجمه "الخليج الجديد"، لافتا إلى عمل دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، على تحديد المواقع التي تروي التاريخ الحديث للإمارة لحمايتها والحفاظ عليها وصيانتها، تماشياً مع قانون التراث الثقافي لإمارة أبوظبي الصادر عام 2016، والذي يعطي التراث الثقافي الحديث القدر ذاته من الأهمية للمواقع الأثرية والمباني التاريخية.

ويشير إلى زيارة الأمير البريطاني تشارلز آنذاك، للإمارات عام 1989، حيث أجرى جولة في منطقة البستكية القديمة التي أسسها مهاجرون إيرانيون في أوائل القرن العشرين.

وفي البستكية، التي تتميز بمصدات الرياح المرتفعة، المستوحاة من مدينة بستك الإيرانية، فضلاً عن الأزقة الضيقة والمنازل المبنية بالشعاب المرجانية، واجه الأمير البريطاني معدات بناء، وقيل له إن المنطقة تتعرض للهدم.

وبعد أن أزعجه هذا الخبر، كتب تشارلز رسالة إلى سلطات دبي عند عودته إلى بريطانيا، يحثهم فيها على إعادة التفكير في عملية الهدم وتسليط الضوء على إمكانات المنطقة كمركز للحفاظ على البيئة.

وبعد ذلك بوقت قصير، توقف مشروع الهدم، وأصبحت البستكية (التي أعيدت تسميتها منذ ذلك الحين باسم الفهيدي لمحو أصولها الإيرانية) موقعًا للحفظ، متحف في الهواء الطلق يضم صالات عرض ومطاعم راقية.

ووفق التقرير، فقد شكلت هذه الحادثة تحولاً في كيفية النظر إلى الهياكل والمناطق القديمة في الإمارات.

وبينما كان تشارلز يركز على الحفاظ على الهياكل التقليدية، هناك شعور مماثل يقود جدول أعمال مبادرة التراث الحديث التابعة لوزارة الثقافة والسياحة في أبوظبي، والتي تم الإعلان عنها في يوليو/تموز الماضي.

وبدلاً من أن تكون بمثابة تذكير بالماضي الفقير، يتم الاحتفال بالمناطق القديمة باعتبارها عنصرًا لا ينفصل عن هوية البلاد وثقافتها، على الرغم من أن الاحتفال لم يضمن الحفاظ عليها في كل حالة.

وحتى الهياكل الحديثة من السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات تلقت دعوات للحماية.

وكشفت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، عن المجموعة الأولى من المواقع التي تضم 64 موقعاً تراثياً حديثاً، وتتطلب حماية فورية وغير مشروطة.

ولن يسمح بأي طلبات هدم لهذه المواقع، بل ستعطى الأولوية لصيانتها وإعادة تأهيلها وفقاً لدرجة تصنيفها.

وتضم قائمة التراث الثقافي الحديث: المجمع الثقافي، ومحطة باصات وتاكسي أبوظبي، وقصر المنهل، ومسجد زايد الثاني، والمسرح الوطني، ومدينة زايد الرياضية، والبطين مول، وسوق هيلي الشعبي (السوق القديم)، والمجلس الوطني الاتحادي، ومبنى سعيد محمد الكليلي (مبنى الإبراهيمي).

يقول رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي محمد خليفة المبارك: "تراثنا المعماري والحضري عنصر بالغ الأهمية في تاريخنا الحديث الذي يستحق التقدير والعناية".

ويضيف: "تقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية مدنية مشتركة لحماية هذا التراث الحديث، ليس بسبب القيمة التي يحملها في الذاكرة الجماعية لسكان الإمارة فحسب، بل لأنه أيضاً شهادة تاريخية حية تحمل في طياتها سرد قصة أبوظبي من خلال هويتها المعمارية والحضرية، التي تجمع بين التراث التقليدي الماضي وتطلعاتنا للمستقبل".

فيما يقول رئيس دائرة البلديات والنقل – أبوظبي محمد علي الشرفا الحمادي: "تمثل مبادرة حماية التراث الثقافي بعداً عميقاً في الحفاظ على مظهر مدننا بهويتها وأصالتها وتراثها العمراني والحضري".

ويتابع الشرفاء: "تنسجم مشاركتنا في هذه المبادرة الطموحة مع مسؤولية الدائرة نحو دعم النمو والتطور العمراني والبنية التحتية لتعزيز جودة حياة المجتمع في إمارة أبوظبي، ودور المبادرة النوعي في الحفاظ على المباني والمعالم التي تمثل شاهد عصر على مرحلة معينة من تاريخ الإمارة وتطورها، لتعكس التناغم الجميل ما بين التراث والمعاصرة ما يجعلها ذات قيمة معنوية لا تقدر بثمن".

ووفق التقرير، فإن هذه المبادرة تستحق الاهتمام بشكل خاص، بالنظر إلى الجهود المبذولة لمحو رموز الماضي القريب للمنطقة، لتقديم نسخة أكثر حداثة من مراكزها الحضرية.

ويضرب مثالين بمبنيين رئيسيين تم منحهما مكانة التراث الوقائي من قبل دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وهما المجمع الثقافي ومحطة حافلات أبوظبي.

وتم تصميم وبناء المجمع الثقافي، الواقع في وسط أبوظبي، في السبعينيات من قبل شركة هندسة معمارية أمريكية، وكبير مصمميها العراقي هشام أشكوري.

وهذا هيكل حديث مستوحى من مبادئ الحداثة، خطوط عريضة وهندسة بسيطة ولوحة ألوان بيضاء.

والمجمع الثقافي كان بمثابة مركز اجتماعي لسكان أبوظبي، وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قررت السلطات إزالة المبنى واستبداله بهيكل جديد، وتجمع سكان المدينة معًا للاحتجاج وتمكنوا من منع هدمه والتحريض على مخطط ضخم للحفاظ على الموقع بأكمله إلى ساحة عامة.

وشمل ذلك تجديد أقدم مبنى في المدينة، قصر الحصن، وإضافة مسجد جديد بالإضافة إلى نافورة عامة وغيرها من المرافق.

أما محطة حافلات أبوظبي، فقد تم تصميمها من قبل شركة معمارية بلغارية وافتتحت في عام 1989.

وتتميز المحطة بلون أخضر متوهج (انحراف عن طلاءها الأبيض الأصلي) ولكنها تمثل بالنسبة للعديد من السكان طبقة مهمة في التنمية الحضرية للمدينة.

وعلى الرغم من أنها لم تعد مناسبة لمتطلبات مركز النقل في القرن الحادي والعشرين، إلا أنها تمتلك صفات معمارية واجتماعية هامة.

وفي الواقع، فالمحطة ليس مجرد مكان لركوب الحافلة، بل هو مكان اجتماعي حيث يجتمع السكان من مختلف مناحي الحياة معًا، أو يشاهدون الآخرين، أو ببساطة يستريحون في مكان مظلل.

ووفق التقرير، تعتمد مبادرة التراث الحديث على أبحاث مكثفة أجراها استشاريون مكلفون من قبل وزارة الثقافة والسياحة لوضع إطار لتحديد قيمة عددية للمرشحين للحماية.

وتأخذ النتيجة في الاعتبار جماليات المبنى وقيمه المعمارية، ودوره في تاريخ المدينة، ومدى مشاركته الاجتماعية والمجتمعية في المدينة.

ولكن ربما الأهم من ذلك أنه يتضمن أيضًا مكونًا حضريًا، حيث يتم تقييم المبنى على أساس تكامله مع المناطق المحيطة به.

وهذا مشابه جدًا للعديد من القوائم الأخرى لمواقع التراث في جميع أنحاء العالم.

وبناءً على ذلك، لا يمكن تغيير تلك التي تم تعيينها لأعلى قيمة بأي طريقة مهمة، في حين قد يُسمح بدرجات متفاوتة من التغييرات للمباني التي حصلت على درجات أقل.

ولتحسين المبادرة، يقول التقرير: "ينبغي توسيع القائمة لتتجاوز المباني الفردية لتشمل ساحات المدينة ومناظر الشوارع".

أحد الأمثلة على هذا، هو شارع إلكترا في وسط مدينة أبوظبي، وهو مليء بالجواهر الحديثة المبكرة التي تجسد جوهر العاصمة الإماراتية، بما في ذلك مبنى الإبراهيمي، وسينما، ومجموعة متنوعة من مؤسسات البيع بالتجزئة والباعة الجائلين.

وفيما يتعلق بساحات المدينة، فإن بعضها مخفي داخل مباني سكنية كبيرة ويجب أخذها في الاعتبار أيضًا، وهي عبارة عن مساحات لتجمع المهاجرين، مثل "ساحة الشجرة"، وهو مركز اجتماعي للبنغلادشيين يقع خلف مبنى اتصالات، ومركز الاتصالات في المدينة، ومبنى بنك "إتش إس بي سي".

وربما ينبغي أن تشمل القائمة أيضًا مؤسسات البيع بالتجزئة، مثل المخابز والمطاعم، التي تشكل جزءًا مهمًا من المشهد الحضري في أبوظبي.

ويعد مطعم "الزهرة اللبنانية"، أحد أقدم المطاعم في المدينة، أحد الحالات المؤثرة بشكل خاص.

في المقابل، يتصاعد الجدل في دبي، حول تدمير المعالم المحبوبة التي تدل على طموحات الإمارة التحديثية، بما في ذلك مقهى "هارد روك"، الذي بني في التسعينيات، وبرج التلفزيون من الثمانينات، وفندق متروبوليتان، أقدم فندق في المدينة، ومبنى صنعاء، وهو مبنى سكني متعدد الاستخدامات يعود تاريخه إلى السبعينيات.

وعلى الرغم من القيمة التي أولاها بعض السكان لهذه المباني الحديثة سابقًا، استمر التدمير بلا هوادة، بما في ذلك إعادة تطوير حديقة الصفا، كجزء من مشروع الخليج التجاري، وتمديد خور دبي باتجاه الخليج.

المصدر | معهد دول الخليج العربية في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات التراث أبوظبي دبي مباني