استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أوهام الاستقرار في النظام الاستبدادي العربي

الاثنين 4 سبتمبر 2023 06:41 ص

أوهام الاستقرار في النظام الاستبدادي العربي

يتم تجريم أي مقاومة خارجية باختراع عدو "إرهابوي" متخيل عبر تطبيقات "اتفاقات أبراهام".

تتفاقم أسباب الانتفاضات العربية وكذلك الاختلالات والقمع بذريعة حرب "الإرهاب" لإفشال أي مقاومة سياسية داخلية.

تبدو استدارة أنظمة الاستبداد باتجاه الدبلوماسية إيجابية لكن الاختلالات الجذرية لا تزال على حالها، بل تفاقمت!

جلب التطبيع مزيدا من عدم الاستقرار وأصبح الحديث عن دولة فلسطينية من الماضي، ودخلت الأنظمة العربية في حقبة الاستبداد الشمولي.

تهيمن على ذهنيات الحكم آثار الاستعمار في الحكم وتعيش حالة نكران للواقع والمتغيرات والتحولات الديمغرافية والفرص الشبابية.

شن النظام الاستبدادي العربي هجوماً لا هوادة فيه على الإسلام السياسي عقب انتفاضات الربيع العربي، استخدم فيه كافة الوسائل والأسلحة.

اتبعت الأنظمة طرائق قانونية غرائبية بأسطورة السيادة ونهجاً عسكرياً تجاه بعض الإسلاميين السنة والشيعة في المنطقة، وشن الحروب بالأصالة أو بالوكالة.

تتعهد الأنظمة استئصال المنظمات السنية المنبثقة عن أفكار "الإخوان المسلمين" المسندة من تركيا، والحركات الشيعية المتبنية لـ"ولاية الفقيه" المسندة من إيران.

تعيش أنظمة الاستبداد حالة إنكار للمشاكل العميقة، وتنتقل من فشل لآخر، وتفتقد رؤية ومشروع يستند لأسس ثقافية متصالحة مع تاريخها وتراثها، وواعية بمستقبلها.

بلغت مقاربة الاستبداد ذروتها بالتطبيع مع إسرائيل وبناء رؤية عربية إسرائيلية برعاية أمريكية لمواجهة الإسلام السياسي والتصعيد ضد قطر وتركيا وإيران وصولاً لحروب الوكالة.

اعتمدت أنظمة الاستبداد استراتيجية شمولية واهمة حددت عوامل عدم الاستقرار بـ"الإرهاب" الإسلامي أي "الإسلام السياسي" وحركاته الثورية الجهادية والسلمية الديمقراطية.

* * *

شكلت عقيدةُ الاستقرار السرديةَ الأساسية للأنظمة الاستبدادية العربية لإعادة بناء الشرق الأوسط وضمان أمنه واستقراره؛ الذي اهتزت أركانه عقب انتفاضات "الربيع العربي" التي جاءت بالإسلاميين إلى الحكم في بلدان عدة، وهو الحدث الذي اعتبر تهديداً لصناعة الاستقرار المؤسس على الاستبداد الذي وضع أسسه النظام الاستعماري.

فالحركات الإسلامية بأوجهها المتعددة تسعى على المدى البعيد إلى تفكيك الحالة الاستعمارية، واستعادة "الخلافة" وتكوين "دولة إسلامية"، وتأسيس كينونة إسلامية مناهضة للإمبريالية الأمريكية والمستعمرة الصهيونية. وقد اعتمدت الأنظمة الاستبدادية العربية استراتيجية شمولية واهمة حددت بموجبها عوامل عدم الاستقرار بمقولة "الإرهاب" الإسلامي.

وهو مصطلح بات يكافئ "الإسلام السياسي" وحركاته الثورية الجهادية والسلمية الديمقراطية بنسختيها السنية والشيعية، وممثليه في المنطقة المنظمات السنية المنبثقة عن أيديولوجية "الإخوان المسلمين" المسندة من تركيا، والحركات الشيعية المنبثقة عن أيديولوجية "ولاية الفقيه" المسندة من إيران.

شن النظام الاستبدادي العربي هجوماً لا هوادة فيه على الإسلام السياسي عقب انتفاضات الربيع العربي، استخدم فيه كافة الوسائل والأسلحة، واتبع طرائق قانونية غرائبية بموجب أسطورة السيادة، واتّبع نهجاً عسكرياً تجاه بعض الإسلاميين السنة والشيعة في المنطقة، وشن الحروب بشكل مباشر أو بالوكالة.

وأعاد الخطابات الرسمية من تعريفها للجماعات والحركات والقوى الإسلامية السنية والشيعية من كونها جماعات معتدلة، إلى تصنيفها حركات ميسرة للتطرف والعنف في أحسن الأحوال، أو التعامل معها كمنظمات متطرفة عنيفة إرهابية، حيث صُنّفت جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية في عدة دول عربية، وفي مقدمتها مصر والسعودية والإمارات.

ولم يكن غريباً أن تدعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية والمستعمرة اليهودية؛ الثورة المضادة وانقلاب الأنظمة العربية الاستبدادية على الإسلاميين، تحت ذريعة الحفاظ على السلم والاستقرار والأمن، وتحت ذريعة حماية الدولة الوطنية وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

أفضت رؤية الاستبداد الراديكالية العربية إلى قلب بداهات أسباب عدم الاستقرار في المنطقة والتي تتلخص بثلاثة ظروف استراتيجية:

- الأول: محلي وطني ويتمثل بانغلاق الأنموذج السياسي بإدماج الإسلاميين وفشل وعود التحول الديمقراطي ورسوخ الاستبداد؛

- الثاني: إقليمي ويتمثل بعدم التوصل إلى سلام عادل وحقيقي في فلسطين وكبح جماح العدوانية الصهيونية؛

- الثالث: عالمي ويتمثل بانهيار الاتحاد السوفييتي وتغول الأحادية القطبية الأمريكية وحلول العولمة الرأسمالية النيوليبرالية المتوحشة.

وبدل معالجة الأسباب الجذرية السابقة المسببة لعدم الاستقرار، ذهبت الأنظمة الاستبدادية إلى فرض تلك المعادلة المختلة فرسخت تبعيتها للقطب الأمريكي وطبّعت علاقاتها بالمستعمرة اليهودية الاستيطانية "إسرائيل"، من خلال اتفاقات أبراهام للسلام.

وعملت على بناء تحالفات عسكرية مشتركة، تهدف لإدماج المستعمرة الاستيطانية اليهودية في نسيج المنطقة العربية الإسلامية، تحت ذريعة مواجهة خطر مشترك تمّ اختزاله بـخرافة "الإرهاب الإسلامي" السني والشيعي المسند من تركيا وإيران.

عقب نحو عقد على مقاربة الاستبداد العربية، تكشفت أوهام الاستقرار وتهدمت أركانه، فقد دخل العالم في حقبة جديدة من النظام الدولي، وأصبحت التعددية القطبية حقيقة واقعة مع بروز الصين، ولم تعد الولايات المتحدة القوة الوحيدة المهيمنة.

ولم تؤد اتفاقات التطبيع مع المستعمرة اليهودية إلى تحقيق السلام، بل أفضت إلى ظهور كيان استعماري إسرائيلي عنصري وفاشي تحولت طموحاته إلى تصفية قضية فلسطين، وتحولت أنظمة الاستبداد العربية إلى مزيد من التسلط والقمع والعنف والانغلاق ودخلت في مسارات ومنعرجات من الفشل وسوء الحكم.

بلغت مقاربة الاستبداد العربية ذروتها من خلال التطبيع مع المستعمرة اليهودية، وبناء رؤية عربية إسرائيلية برعاية أمريكية بمواجهة الإسلام السياسي، والتصعيد مع قطر وتركيا وإيران سياسياً واقتصادياً وصولاً إلى حروب الوكالة عسكرياً في مناطق عدة.

ومع تبدّل الظروف الدولية والإقليمية عكست الأنظمة الاستبدادية نهجها إلى تبني النهج الدبلوماسي البراغماتي، بعد أن تكشفت سنوات الصراع عن مزيد من عدم الاستقرار.

فقد انتهت حقبة حصار قطر وعادت علاقات الدوحة مع الرياض وأبوظبي، بعد انقطاع دام سنوات، واستؤنفت العلاقات مع تركيا، وتُوجت الموجة الدبلوماسية بعودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في آذار/ مارس 2023، بعد سبع سنوات من العداء المتبادل.

وفي أيار/ مايو الماضي، تم الترحيب ببشار الأسد في جامعة الدول العربية، بعد أكثر من عقد من العزلة، وانخرطت الرياض، على مدار العامين الماضيين، في محادثات مع الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران، في محاولة لإنهاء الحرب.

تبدو استدارة الأنظمة الاستبدادية العربية باتجاه الدبلوماسية إيجابية، لكن نظرة فاحصة مدققة تشير إلى أن الاختلالات الحذرية في المنطقة لا تزال على حالها، بل إنها أصبحت أكثر سوءاً، إذ لم يجلب التطبيع سوى مزيد من عدم الاستقرار وأصبح الحديث عن دولة فلسطينية من الماضي، ودخلت الأنظمة العربية في حقبة من الاستبدادية الشمولية.

وحسب جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، من غير المرجح أن تساعد موجة التطبيع في الشرق الأوسط سكان المنطقة الذين يعانون؛ لأن الدافع الأعمق للصراع له علاقة بكيفية إدارة الدول لاقتصاداتها وحكم مجتمعاتها.

فذلك هو الذي دفع الناس إلى الشوارع خلال انتفاضات 2011، وأطلقوا صرخة مشتركة من أجل العدالة الاجتماعية. بعض البلدان التي نجت من الاضطرابات، في عام 2011 -الجزائر ولبنان والعراق والسودان- شهدت شكلاً من أشكاله بعد ثماني سنوات، وكان لإيران نسختها الخاصة العام الماضي.

كشفت انتفاضات "الربيع العربي" عن عمق التلاحم بين الإمبريالية الأمريكية والدكتاتورية العربية والصهيونية الإسرائيلية، ولا عجب أن خطاب الأنظمة الاستبدادية العربية لا يمل من التوجه إلى الغرب طلبا للشرعية والحماية والمساعدة في قمع الاحتجاجات الشرعية تحت ذريعة حرب الإرهاب وتأمين الاستقرار.

لكن الاستقرار المنشود لن يتحقق فالدوافع الكامنة وراء صراعات المنطقة لا تزال دون معالجة. فالجدل حول دور الإسلام والإسلاميين في الحكومة لم يحل، والعداء بين إيران وإسرائيل وبعض الدول العربية لم يتغير، والاستعمار الاستيطاني لفلسطين يزداد توحشاً، مع صعود حكومة يمينية فاشية متطرفة، والحكم الاستبدادي في المنطقة تحول إلى شمولية قاتلة.

تعيش أنظمة الاستبداد العربية حالة إنكار للمشاكل العميقة، وهي تنتقل من فشل لآخر، وتفتقر إلى رؤية ومشروع يستند إلى أسس ثقافية متصالحة مع تاريخها وتراثها، وواعية بمستقبلها وحداثتها، إذ تهيمن على ذهنيات الحكم الآثار الاستعمارية في الحكم وتعيش في حالة نكران للواقع والمتغيرات والتحولات الديمغرافية والفرص الشبابية.

فعلى مدى العقود القليلة الماضية، أدت العولمة إلى زيادة وعي العرب المسلمين بشكل كبير بهويتهم التاريخية ودورهم المستقبلي، مع اتساع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون بشكل هائل في كافة المجتمعات العربية. و

قد فضحت الانتفاضات العربية خرافة السيادة الوطنية، واختلال علاقة الدين بالدولة، من خلال فرض السيطرة المطلقة على صياغة الدين الرسمي، ومحاربة أي تعبير عن رؤى بديلة للإسلام واعتباره إرهاباً، فحصيلة منجزات الثورات المضادة هي صناعة ستار وهم من الاستقرار عبر مزيد من القمع، والمشكلات التي أدّت إلى اندلاع انتفاضات العام 2011. باتت أكثر تجذراً، والدرس الوحيد الذي تبنّته الأنظمة العربية الاستبدادية هو أنها لم تمارس ما يكفي من العنف لخنق مجتمعاتها.

خلاصة القول أن الأسباب العميقة للانتفاضات العربية تترسخ وتزداد وتتوسع، حيث تعمقت الاختلالات بأسباب إضافية من القمع والحرب تحت ذريعة حرب "الإرهاب" لإفشال أي مقاومة سياسية داخلية.

وتجريم أي مقاومة خارجية باختراع عدو "إرهابوي" متخيل عبر تطبيقات "اتفاقات أبراهام"، التي تقوم على تصفية القضية الفلسطينية وإدماج المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية في نسيج المنطقة العربية الإسلامية؛ من خلال تأسيس تحالف بين الإمبريالية الغربية والدكتاتوريات العربية والاحتلال الإسرائيلي تحت ذريعة مواجهة الخطر المشترك المتمثل بالمنظمات الإسلامية "الإرهابية".

ففي الوقت الذي تعود فيه العلاقات بين أنظمة الاستبداد العربية الاستبدادية وإيران وتركيا وقطر، فإن ما هو ثابت هو التصالح مع الاستبداد، والعداء لحركات الإسلام السياسي، ولا يبدو أن أنظمة الاستبداد العربية قد تعلمت أن دوافع الانتفاضات الشعبية في المنطقة هو نتيجة لسوء حكمها وفساد إدارتها؛ وعدم امتلاكها لرؤية ومشروع يحقق طموحات وآمال الشعوب العربية بمستقبل أفضل.

*حسن أبوهنية كاتب وباحث في الحركات الاجتماعية المعاصرة

المصدر | عربي21

  كلمات مفتاحية

العرب الاستبداد التطبيع القمع الإرهاب إسرائيل الثورة الإسلاميين الإسلام السياسي أوهام الاستقرار الربيع العربي الاستبداد العربي أنظمة الاستبداد اتفاقات أبراهام عدو "إرهابوي"