جيوبوليتيكال فيوتشرز: الضعف الروسي المتزايد يؤشر بعودة نفوذ تركيا على البحر الأسود

الجمعة 8 سبتمبر 2023 03:47 م

رأي كمران بخاري الأكاديمي المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية لمنطقة أوراسيا (مكونة من دول بقارتي أوروبا وآسيا) أن ضعف روسيا المتزايد - لاسيما منذ غزوها لجارتها أوكرانيا- سوف يخلف عواقب وخيمة في جناحها الجنوبي المتمثل في البحر الأسود ومنطقة القوقاز.

جاء ذلك في تحليل نشره بخاري بموقع جيوبوليتيكال فيوتشرز، وترجمه الخليج الجديد.

وتوقع بخاري أن يتزامن تراجع قدرة روسيا على إبراز قوتها في البحر الأسود ومنطقة القوقاز، مع قيام تركيا – رغم مشاكلها السياسية والاقتصادية الداخلية التي تثقل كاهلها حاليًا- بملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه تراجع البصمة الروسية.

اعتراف علني

وأوضح بخاري أن تراجع النفوذ الروسي في منطقة القوقاز، حظي باعتراف علني من قبل رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان في مطلع الشهر الجاري.

وقال بخاري في مقابلة مع صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية إن روسيا فشلت في ضمان أمن بلاده في مواجهة عدوانية أذربيجان المتزايدة، ونتيجة لذلك أصبحت للأخيرة اليد العليا منذ أواخر عام 2020 في منطقة ناجورنو كاراباخ المتنازع عليها.

وردا على هذه المزاعم، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين إن بلاده لا تزال "الضامنة للأمن" في المنطقة.

كما أصر بيسكوف على أن موسكو لعبت دورًا ثابتًا في تحقيق الاستقرار في المنطقة وستواصل القيام بذلك.

وبشكل منفصل، وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا تعليقات باشينيان بأنها "خطاب عام يقترب من الوقاحة"، وقالت إنه بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين، يجب على الأرمن تحمل مسؤولية أفعالهم.

وذكر بخاري أن تعليقات بشأن روسيا رئيس الوزراء الأرميني كانت غير عادية، خاصة بالنظر إلى أن يريفان كانت منذ فترة طويلة حليفًا وثيقًا لموسكو وتعتمد على الكرملين في أمنها ورفاهها الاقتصادي.

كما كان رد فعل روسيا معبراً بنفس القدر، وعكس مدى الضعف الذي وصل له نفوذ موسكو على الأقل في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، وكليهما جمهوريتين سوفييتيتين سابقتين حافظتا على علاقاتهما جيدة مع روسيا.

وأوضح باشينيان عدم قدرة موسكو على توفير أمن أرمينيا نتيجة انشغال الكرملين بالحرب الأوكرانية.

ولكن الحقيقة هي أن الوضع في جنوب القوقاز يسبق الصراع في أوكرانيا.

رهان صائب

وفي صيف عام 2020، اندلع القتال بين أذربيجان وأرمينيا حول ناجورنو كاراباخ مرة أخرى.

واستعادت أذربيجان الأراضي التي كانت أرمينيا قد سيطرت عليها منذ نهاية حرب ناجورنو كاراباخ الأولى، التي انتهت عام 1994.

وبدعم عسكري واستخباراتي من حليفتها تركيا، تمكنت أذربيجان من إحداث انعكاس كبير في ميزان القوى الإقليمي.

واستغل الأتراك فرصة الانفتاح فيما كان يعتبر بلا شك جزءًا من مجال النفوذ الروسي.

وذكر بخاري أنه على على مدى عقود من الزمن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ظلت موسكو بمثابة الضامن الأمني للمنطقة ــ وهو ما يفسر لماذا ظل صراع ناجورنو كاراباخ مجمداً لصالح أرمينيا لمدة ربع قرن من الزمان.

ورأت تركيا وأذربيجان فرصة في تركيز روسيا على جارتها الغربية منذ الإطاحة بالحكومة الموالية لروسيا في كييف في فبراير/شباط 2014.

أدركت أنقرة وباكو أن موسكو مشتتة ومن غير المرجح أن تتدخل في ناجورنو كاراباخ - على الرغم من حقيقة أنها كانت لديها، ولا تزال، قوات متمركزة في المنطقة.

وأتى هذا الرهان بثماره، عندما تصاعد القتال في عام 2020، إذ كان أقصى ما يمكن للروس فعله هو الإشراف رسميًا على وقف الأعمال العدائية في وقت لاحق من ذلك العام.

وفي المقابل لم تكن عملية حفظ السلام الروسية، التي بدأت في أعقاب الصراع في عام 2020، فعالة لأن موسكو كانت تستعد بالفعل للحرب في أوكرانيا، والتي اعتقدت أنها ستعزز موقفها بالنسبة للغرب أو على الأقل تمنع المزيد من تراجع نفوذها.

وبعد مرور تسعة عشر شهراً على غزو أوكرانيا، يجد الروس أنفسهم في موقف أضعف بكثير نظراً للأداء المروع للقوات الروسية على الأرض، إضافة للخسائر الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الغربية، ومؤخراً، الاقتتال الداخلي داخل الكرملين الذي تجسد في أزمة تمرد مؤسس فاجنر.

استراتيجية جديدة

وعلى الرغم من أن رئيس وزراء أرمينيا لم ينتقد روسيا علنا إلا مؤخرا لكنه كان يراقب الروس وهم يتخبطون منذ فترة.

وتظهر تعليقاته أنه يدرك أن بلاده لم تعد قادرة على الاعتماد على روسيا وأنه يحتاج إلى استراتيجية جديدة.

كما يدرك باشينيان أنه على الرغم من اعتراف الولايات المتحدة رسميًا في أبريل/ نيسان 2021 بالإبادة الجماعية للأرمن عام 1915 على يد الإمبراطورية العثمانية، فإن واشنطن لم تفعل سوى القليل جدًا لتحدي التحالف التركي الأذربيجاني في جنوب القوقاز.

وفي الواقع، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن المصالح الأمريكية والتركية تتقارب، لا سيما في ضوء الوضع في أوكرانيا.

ولهذا السبب، يحاول باشينيان حاليا العمل مع الأتراك - رغم وجود معارضة في الداخل لهذا التوجه- لعزل بلاده عن أذربيجان التي تزداد حزماً.

ووفق بخاري فإن الأرمن ليسوا الوحيدين في المناطق القريبة من روسيا الذين يدركون التحولات الجارية على الأرض.

وذكر أن جورجيا أيضا تراقب الوضع عن كثب، ولديها الكثير من الأمور على المحك مع وجود القوات الروسية في المنطقتين الانفصاليتين، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.

وأوضح بخاري أن حدوث أي إضعاف إضافي للقدرات والنفوذ الروسي قد يسمح لجورجيا باستعادة السيطرة على هاتين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.

ومع وجود علامات على التقارب المتزايد بين أنقرة وتبليسي، فمن المؤكد أن جورجيا لن ترفض مساعدة تركيا إذا عرضت عليها.

البحر الأسود

ووفق بخاري إن تركيا تركز في الوقت الحالي على الاستفادة من الصراع الأوكراني؛ لتعزيز نفوذهم في حوض البحر الأسود الشمالي، الذي استولى عليه الروس من الإمبراطورية العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر.

ومنذ عام 2014، عارض الأتراك ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، التي ينحدر سكانها من أصول تركية.

وفي الآونة الأخيرة، كان دور أنقرة في التوسط في صفقة حبوب البحر الأسود المتوقفة الآن بين روسيا وأوكرانيا وجهودها لإحيائها جزءًا صغيرًا ولكنه أساسي من استراتيجية تركيا هنا.

وخلص بخاري إلي أنه في نهاية المطاف، يسعى الأتراك إلى إعادة ترسيخ قيادتهم في مجال نفوذهم السابق على حساب روسيا.

المصدر | كمران بخاري/ جيوبوليتيكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا الغزو الروسي لأوكرانيا البحر الأسود منطقة القوقاز صراع أرمينيا وأذربيجان

زيارة أردوغان الأخيرة إلى روسيا.. ماذا تعني للسياسة الإقليمية؟