في ظل أزمة الطاقة.. تهافت غربي على إمدادات الغاز الجديدة في مصر والشرق الأوسط

الخميس 14 سبتمبر 2023 12:31 م

سلط الخبير في شؤون الطاقة، سايمون واتكنز، الضوء على تحرك الدول الغربية بسرعة للاستفادة من إمدادات الطاقة في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن الغاز الطبيعي المسال أصبح مصدر الطاقة الرئيسي منذ اللحظة الأولى لغزو روسيا أراضي أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

وذكر واتكنز، في مقال نشره بموقع "أويل برايس" وترجمه "الخليج الجديد"، أنه لولا تأثير الغزو على إمدادات الغاز لكان الرد الغربي على الحرب التي شنتها روسيا عاجزًا، تماما كما جرى عندما ضمت أراضي شبه جزيرة القرم في عام 2014.

ففي العقود التي سبقت عام 2014، قامت العديد من القوى العظمى في أوروبا، خاصة ألمانيا، ببناء نموها الاقتصادي على أسس إمدادات النفط والغاز الرخيصة من روسيا، ولم ترغب تلك القوى في أن تنخفض هذه الإمدادات.

ومن أجل اتخاذ موقف ضد المزيد من التقدم الروسي في أوروبا بعد انتقالها إلى أوكرانيا، كان من الواضح أن الولايات المتحدة سيتعين عليها ترتيب إمدادات ضخمة من الطاقة، يمكن تسليمها بسرعة إلى أوروبا للتعويض عن الإمدادات المفقودة من روسيا.

وهنا يشير واتكنز إلى أن الغاز الطبيعي المسال، على عكس الغاز أو النفط الذي يتم تسليمه عبر خطوط الأنابيب، لا يتطلب سنوات من مد خطوط الأنابيب وبناء البنية التحتية الداعمة اللازمة، كما لا يتطلب مفاوضات مكثفة ومستهلكة للوقت بشأن عقوده، بل يمكن نقله بسرعة في السوق الفورية وشحنه بسرعة إلى أي مكان مطلوب.

وإزاء ذلك مثّل الغاز المسال الطريق الذي اتجهت إليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأساسيون، خاصة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، مع تلك أزمة الطاقة، بما يوفر منصة للطاقة يمكن من خلالها للتحالف الغربي الاستغناء عن النفط والغاز من روسيا وحلفائها.

أهمية مصر  

ويشكل الغاز جزءًا أساسيًا من نظام سوق الطاقة العالمي الجديد، ولذا تضاعفت أهمية مصر فيه بنحو 4 أضعاف، بحسب واتكنز، مشيرا إلى احتياطيات الغز الكبيرة التي يملكها البلد الشمال أفريقي.

وتشير التقديرات الرسمية لتلك الاحتياطيات، التي تعود إلى عام 2021، إلى حوالي 1.8 تريليون متر مكعب، ما يجعل مصر ثالث أكبر منتج للغاز في أفريقيا، بعد الجزائر ونيجيريا.

ومع ذلك، فإن المؤشرات الأخيرة الصادرة عن الشركات الأوروبية والأمريكية النشطة في البلاد تشير إلى أن هذه التقديرات متحفظة للغاية.

وفي السياق، قال مصدر رفيع المستوى بمجمع أمن الطاقة التابع للاتحاد الأوروبي لموقع "أويل برايس"، الأسبوع الماضي: "كلما قمنا نحن [الشركات الأوروبية] وزملاؤنا الأمريكيين بالتنقيب هناك، كلما ارتفع عامل التقدير المنخفض".

ويلفت واتكنز إلى أن مصر تسيطر على ممر الشحن العالمي الرئيسي في قناة السويس، والتي يتم من خلالها نقل حوالي 10% من النفط والغاز الطبيعي المسال في العالم.

كما تسيطر مصر على خط أنابيب السويس-البحر الأبيض المتوسط (سوميد) الحيوي، الذي يمتد من محطة العين السخنة في خليج السويس، بالقرب من البحر الأحمر، إلى ميناء سيدي كرير غرب الإسكندرية في البحر الأبيض المتوسط، وهو بديل حاسم لقناة السويس حال نقل النفط من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط.

وتعد قناة السويس واحدة من نقاط العبور الرئيسية القليلة جدًا التي لا تسيطر عليها الصين، التي تتمتع بسيطرة فعالة على مضيق هرمز من خلال "اتفاقية التعاون الشامل مع إيران"، لمدة 25 عامًا.

وتمنح تلك الصفقة الصين السيطرة على مضيق باب المندب أيضا، الذي يتم من خلاله شحن السلع صعودا عبر البحر الأحمر باتجاه قناة السويس قبل أن تنتقل إلى البحر الأبيض المتوسط ثم غربا.

ويشير واتكنز، في هذا الصدد، إلى أن الصين حققت تلك السيطرة على المنطقة، لأنها تقع بين اليمن (حيث كان الحوثيون مدعومين منذ فترة طويلة من قبل إيران) وجيبوتي (التي أقامت الصين عليها أيضًا قبضة خانقة).

ويضيف أن الصين تريد السيطرة على مصر أيضا لأنها نقطة العبور الرئيسية من مضيق باب المندب إلى البحر الأبيض المتوسط، ولأنها تحتل مصر مكانة خاصة في العالم العربي.

فلعقود من الزمن، كان العالم العربي ينظر إلى مصر على أنها المؤيد الرئيسي لإيديولوجية "الوحدة العربية" التي تؤمن بأن القوة الدائمة لا يمكن العثور عليها إلا في الوحدة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للعرب.

 وكان أقوى مؤيد لهذه الفلسفة هو الرئيس المصري الأسبق، جمال عبدالناصر، من عام 1954 إلى عام 1970، ويمكن القول إن خليفته الأيديولوجي كان الرئيس السوري، حافظ الأسد، من عام 1971 إلى عام 2000.

ومن أبرز علامات هذه الحركة في ذلك الوقت، تشكيل الجمهورية العربية المتحدة كاتحاد بين مصر وسوريا في الفترة من 1958 إلى 1961، وتشكيل منظمة أوبك عام 1960، وسلسلة الصراعات مع إسرائيل خلال تلك الفترة.

 ومن خلال ضم هذا الزعيم للعالم العربي إلى جانبها، تأمل الولايات المتحدة في التعويض - جزئيًا على الأقل - عن التأثير الجيوسياسي السلبي الذي خلفته المملكة العربية السعودية، الحليف طويل الأمد، أمام الكتلة الصينية الروسية، حسبما يرى واتكنز.

 ومن الناحية السياسية والتاريخية، تعد مصر رائدة في العالم العربي كما السعودية، ولم يغب هذا عن الصين، التي سعت منذ فترة طويلة، من خلال حليفتها الرئيسية في الشرق الأوسط (إيران) إلى جذب مصر إلى مفهوم "شبكة الطاقة الموحدة".

5 شركات

وفي طليعة تحرك الولايات المتحدة وحلفائها الأساسيين إلى مصر، كانت مجموعة من الشركات، مثل شيفرون الأمريكية وبريتيش بتروليوم وشل البريطانيتين وإيني الإيطالية، بمثابة طليعة جهودها لتأمين إمدادات كبيرة وثابتة من الغاز من موردين جدد موثوقين، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.

وكانت شركة الطاقة الفرنسية "توتال" على نفس القدر من الأهمية في هذا الدور ولكنها ركزت جهودها على وسط الشرق الأوسط، وكان آخر تلك الجهود صفقة ضخمة في العراق تبلغ قيمتها 27 مليار دولار أمريكي.

 لكن في الأسبوعين الماضيين، قالت شركة بريتيش بتروليوم إنها ستستثمر 3.5 مليار دولار في استكشاف وتطوير حقول الغاز المصرية في السنوات الثلاث المقبلة، ومن الممكن مضاعفة هذا الرقم إذا أدى نشاط الاستكشاف إلى اكتشافات جديدة، وفقا لرئيس الشركة البريطانية التنفيذي، برنارد لوني.

وتعتزم شركة النفط والغاز البريطانية العملاقة حفر 4 آبار استكشافية جديدة للغاز الطبيعي قبالة سواحل البحر المتوسط في الربع الرابع من العام الجاري، تشمل بئرين في حقل رافين بشمال الإسكندرية، وبئرين في حقلي شمال كينج مريوط وشمال غرب أبو قير، كما تم الانتهاء من المسح السيزمي ثلاثي الأبعاد لامتداد منطقة شمال الطابية في البحر الأبيض المتوسط وجاري معالجة البيانات وتقييمها.

ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تعزيز التقدم الهائل الذي حققته شركة شيفرون، التي اكتشفت مع شريكتها الأوروبية في الموقع، إيني، حقل غاز بحري ضخم في منطقة امتيازها في البحر الأحمر، في وقت سابق من هذا العام، مع التركيز على بئر نرجس -،1 ومن المقرر حفر أول تنقيب عن النفط والغاز الطبيعي هناك في النصف الأول من عام 2024.

ويأتي هذا الاكتشاف عقب الإعلان، في ديسمبر/كانون الأول 2022، أن شيفرون اكتشفت ما لا يقل عن 99 مليار متر مكعب من الغاز في بئرها الاستكشافي نرجس -1 في شرق دلتا النيل، الذي يقع على بعد 60 كيلومترا شمال شبه جزيرة سيناء.

وتدير شيفرون أيضًا حقلي ليفياثان وتمار الضخمين في إسرائيل، ومشروع أفروديت قبالة سواحل قبرص.

وفي السياق ذاته، من المقرر أن تبدأ شركة شل البريطانية تطوير المرحلة العاشرة من امتياز دلتا النيل البحري في غرب الدلتا البحري العميق (WDDM) في البحر الأبيض المتوسط، حيث قامت وشركاؤها بتطوير الامتياز عبر 9 مراحل.

ويضم الامتياز 17 حقلاً للغاز، تقع على أعماق مائية تتراوح بين 300 متر إلى 1200 متر، وتمتد على مسافة تتراوح بين 90 و120 كيلومترًا تقريبًا من الشاطئ.

وفي معرض التأكيد على التداعيات الأوسع نطاقًا في مجال الطاقة والسياسية لهذه الصفقات الأخيرة، قال وزير البترول والثروة المعدنية المصري، طارق الملا: "إن هذه خطوة مهمة نحو إطلاق المزيد من إمكانات الهيدروكربون في منطقة دلتا النيل الغنية في مصر [...] نحن سعداء لتعزيز شراكتنا طويلة الأمد مع شركة شل، التي تلعب دورًا حاسمًا في تطوير موارد الطاقة في مصر ودعم طموح البلاد لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة".

المصدر | سايمون واتكنز/أويل برايس - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أوكرانيا روسيا أوروبا الشرق الأوسط

مصر ترفع توقعاتها لاستثمارات النفط والغاز مليار دولار إضافية

للمرة الأولى.. روسيا تدخل على خط تنقيب الغاز في مصر

صيف طويل وساخن لسياسة الغاز في شرق المتوسط.. كيف؟

الطلب العالمي على الغاز يتزايد بسرعة.. كيف ستتصرف السعودية والشرق الأوسط؟

كيف لتحالف جديد في الشرق الأوسط أن يعيد تشكيل مشهد الطاقة العالمي؟