كيف خططت الولايات المتحدة لاشتباكات عين الحلوة؟.. وثيقة عربية تكشف التفاصيل

الاثنين 18 سبتمبر 2023 09:27 ص

"منذ وقت غير قصير، هناك تحضيرات أمريكية مُبكّرة لتصفية مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان باعتباره عنواناً أساسياً من عناوين اللجوء الفلسطيني في الشتات، وقد بُوشر هذا التوجه من قبل قادة وضباط عسكريين أوفدتهم واشنطن في السنوات الأخيرة".

هكذا وصفت وثيقة "سرية للغاية" صدرت من إحدى الدول العربية في لبنان، ونشرت مقتطفات منها صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله، في ختام جولة دامية من الاقتتال في مخيم عين الحلوة الفلسطيني.

وتضيف الوثيقة، أن "الاشتباكات المُتكررة في مخيم عين الحلوة بين حركة فتح وجماعات ذات طبيعة عقائدية مُتشددة ليست بعيدة عن تحركات قامت بها وفود عسكرية أمريكية، وبسرية تامة، إلى المنطقة المُطلة على المخيم، حيث سُجلت زيارات ميدانية مُتكررة للوفود الأميركية التابعة للقيادة العسكرية الوسطى، بلغت 3 زيارات على الأقل عام 2018، أبرزها لقائد القيادة الوسطى آنذاك الجنرال جوزيف فوتيل".

ونسبت الوثيقة إلى مصادر أمنية لبنانية، أن الجنرال فوتيل طلب خلال زيارة دورية لقيادة الجيش اللبناني ترتيب جولة استطلاعية له في محيط المخيم، على أن يرافقه فيها ضباط لبنانيون مُلمّون بهذا الملف.

وقد استغرب قائد الجيش العماد جوزيف عون هذا الطلب، باعتبار أن بإمكان قائد المنطقة الوسطى الذي تمتد سلطته العسكرية بين أفغانستان ولبنان أن يوفد بدلاً منه فريقاً من ضباطه لهذه الغاية، فضلاً عن أن المخيم لا يُمثل في نظره رقماً صعباً في الحسابات العسكرية الإستراتيجية.

وبالفعل، تم للجنرال الأمريكي ما أراد، حيث عاين المخيم من تلة سيروب المطلّة على المخيم، وتبيّن أن فوتيل يحمل معه خرائط مفصّلة للمخيم ومحيطه.

وخلال الزيارة، وفق الوثيقة، وجّه الجنرال فوتيل أسئلة مُحددة إلى فريق مخابرات الجيش اللبناني الذي رافقه تناولت واقع المخيم جغرافياً وبشرياً، وهوية المجموعات المسلحة المُنتشرة في داخله وأعدادها وأماكن تمركزها، وتوقف بالتحديد بالسؤال عن جماعة "أنصار الله" بقيادة جمال سليمان، ومجموعات إسلامية أخرى.

كما تساءل الجنرال فوتيل عن عدد النازحين الفلسطينيين الذين وفدوا من سوريا إلى مخيم عين الحلوة، وطبيعة التدابير التي يتخذها الجيش اللبناني حول المخيم، وتطورات خطة بناء جدار إسمنتي حول المخيم.

وجاء في الوثيقة أيضاً: "متابعة لهذه الزيارة، تلاحقت الاجتماعات بين الجانبين الأمريكي واللبناني، وقام فريق تقني من القيادة المركزية الأمريكية بزيارة قيادة الجيش اللبناني في سبتمبر/أيلول 2018 والتقى قائد الجيش ومدير المُخابرات ومسؤول الملف الفلسطيني في الجيش".

وتناولت مهمة الفريق جوانب تنفيذية، لعل أهمها استكمال بناء الجدار الذي يفصل المخيم عن محيطه، وتم بحث ضم "بساتين الطيار" الواقعة داخل المخيم إلى الجدار، وكانت هذه بمثابة معسكر تدريب لـ"عصبة الأنصار" التي تُعتبر فصيلاً بارزاً من بين المجموعات الإسلامية في المخيم.

وسبق أن اتُّهمت "العصبة" بالوقوف وراء عمليات اغتيال، من أبرزها قتل القضاة الأربعة على قوس المحكمة في صيدا.

لكن علاقة "العصبة" مع الجيش اتخذت منحى إيجابياً في السنوات اللاحقة، وخاصة لجهة المساعدة في ضبط سلوك مجموعات أقل حجماً.

وتابعت الوثيقة أن "بناء جدار حول مخيم عين الحلوة جاء في الأساس بناءً على اقتراح أمريكي، على الرغم من أن الجيش تعلّل في حينها بالحاجة إلى اتخاذ تدابير أمنية في ضوء الخُروقات التي تقوم بها عناصر مُسلحة من داخل المخيم باتجاه المُحيط".

ووفق الوثيقة، فإن "عدداً من المسلحين الذين غادروا المخيم في أوقات سابقة للمُشاركة في القتال في سوريا، عادوا إلى عين الحلوة مُجدداً في توقيت لافت، الأمر الذي ساهم في إذكاء التوتر داخل المخيم، وأثار مخاوف من أن يكون ذلك مقدّمة لتفجير المخيم من الداخل على طريق تفكيكه وإنهاء حق العودة، ما دفع مصادر أمنية لبنانية إلى السؤال عما إذا كانت هناك دولة خليجية مُعينة لها علاقة بمجموعات إسلامية وبالولايات المتحدة في آن واحد قد دفعت باتجاه عودة هؤلاء المسلحين بما يؤدي إلى وصم المخيم بأنه معقل للإرهاب".

وأضافت الوثيقة: "ترافق هذا المُخطط مع تقديم تسهيلات لأعداد من الشباب الفلسطيني في عين الحلوة للسفر إلى دول أوروبية، ولا سيما الدول الأسكندنافية.. وتولّت هذه العملية شركات سفر لبنانية".

وذكرت الوثيقة أن مصادر دبلوماسية رسمت أهدافاً عدة لجولات وزيارات الضباط الأمريكيين، منها فصل المخيم عن جواره بجدار، يمكّن من عزل الأحداث التي تجري أو ستجري في داخله عن المحيط، فضلا عن تعقيد مهمة الخروج والدخول على "المجموعات الإرهابية".

أما الهدف الأساسي الذي لم يفصح عنه الأمريكيون للجانب اللبناني، وفق الوثيقة، يتعلق بعملية مواكبة صفقة القرن وفرض واقع يؤدي إلى إنهاك الفلسطينيين، وفرض توطين قسم منهم في لبنان، وتهجير قسم آخر إلى دول يمكن أن تستقبلهم.

وأبرز ما تنتهي إليه الوثيقة هو أنها تنقل عن مصادر أمنية استشرافها بحدوث توترات واشتباكات من وقت إلى آخر في مخيم عين الحلوة، بتوجيه من أجهزة أمنية عربية وأمريكية، بهدف تأزيم الموقف إلى أقصى حد مُمكن وتهجير سكان المخيم، توطئةً لتوطين قسم منهم في المجتمع اللبناني، ودفع القسم الآخر للسفر إلى دول أجنبية تقدم تسهيلات خاصة بالتنسيق مع إسرائيل.

ودللت صحيفة "الأخبار"، عن هذه المخطط عما يجري في المخيمات منذ ما يقرب من 10 أعوام على الأقل، حيث بدأ مسلسل تراجع تمويل منظمة "الأونروا" المسؤولة عن غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم، وفُرضت بدائل عن طريق منظمات يموّلها الغرب ويديرها.

وسرعان ما ارتفعت نسبة الراغبين أو الساعين إلى الهجرة إلى بلاد العالم.

حتى أن الصحيفة نقلت عن تفاصيل اجتماع شهير في عمّان، قبل سنوات شاركت فيه السفيرة الأمريكية الحالية في لبنان دوروثي شيا، أُبلغ فيه اللبنانيون من مسؤول أمريكي ضرورة استيعاب من يتبقّى من اللاجئين ودمجهم سكنياً، بإخراجهم من المخيم إلى داخل المدن، واجتماعيا واقتصادياً من خلال إلغاء الحظر المفروض على ممارستهم لمهن وأعمال معينة، ومنحهم إقامات دائمة في انتظار اللحظة المناسبة لتجنيسهم.

ويسود الهدوء أرجاء مخيم عين الحلوة، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، الخميس الماضي، بعد لقاء نائب رئيس حركة "حماس" في الخارج موسى أبومرزوق، مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، والقيادي في حركة "فتح" عزام الأحمد.

المعارك وضعت أوزارها، ويستعد سكان المخيم للعودة إلى منازلهم التي نزحوا منها بسبب القتال الأعنف على الإطلاق والأكثر عبثية على الإطلاق أيضا، بين مقاتلي حركة فتح وتجمع "الشباب المسلم".

ويبدو أن هذا الهدوء سيصمد طويلا، فالأطراف الضامنة من القوة والثقة بحيث تلزم الجميع باحترام ما تم التوقيع والاتفاق عليه، كما أن لجنة المتابعة المشكلة من الأمن العام اللبناني، ومخابرات الجيش اللبناني، ومن طرف بري، ومن السفارة الفلسطينية، إلى جانب حركات "حماس" و"فتح" و"الجبهة الشعبية" و"الجهاد الإسلامي"، قادرة على ضبط إيقاع الحياة الطبيعية في المخيم بعد معاناة استمرت لنحو شهر ونصف.

ويشمل الاتفاق، وقف إطلاق النار، وإزالة المظاهر العسكرية، وعودة المهجرين من المخيم، والبدء بحملة لإعمار ما دمرته الاشتباكات، وخروج المسلحين من المدارس وعودتها للحياة الطبيعية، والعمل على تسليم المطلوبين للعدالة اللبنانية، والعمل على إيجاد الهيئة المشتركة والقوات المشتركة بعيدا عن أن يكون أمن المخيم في عهدة فصيل واحد.

وكانت الاشتباكات قد وقعت في المخيم، بعد اغتيال القيادي في "فتح" عبد فرهود، إثر إطلاق شخص النار عليه أواخر يوليو/تموز الماضي، وإثرها توجهت قوة من الأمن الوطني الفلسطيني (تديره حركة فتح) لاعتقال القاتل، فوقعت في كمين قتل فيه مدير الأمن الوطني بالمخيم أبو أشرف العرموشي مع 4 من مرافقيه، وإثره شكلت لجنة تحقيق وتم تحديد 8 مشتبهين وطولب بتسليمهم، ولكن لم توضع الآلية لذلك، وسرعان ما اندلعت الاشتباكات العنيفة.

وتسببت هذه الاشتباكات بمقتل 30 شخصا على الأقل، وإصابة أكثر من 200 آخرين بجروح، وتهجير الآلاف وإحداث دمار واسع في مخيم عين الحلوة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عين الحلوة فلسطين أمريكا القضية الفلسطينية لبنان اللاجئون

لبنان.. إخلاء مدارس مخيم عين الحلوة من المسلحين

مخيم عين الحلوة.. دمار هائل وحسرة بين السكان بعد شهر من التهدئة