آثار بيئية مدمرة.. هكذا تفاقم أزمة المياه الثلاثية معاناة السكان بشمالي سوريا

الأربعاء 20 سبتمبر 2023 08:17 م

سلطت الباحثة غير المقيمة ببرنامج المناخ والمياه في معهد الشرق الأوسط، ميجان فيراندو، الضوء على الحرب الأهلية السورية مستمرة منذ أكثر من 12 عامًا وتسببها في أزمات إنسانية عديدة، بينها أزمة المياه التي ضربت شمالي البلاد.

وذكرت ميجان، في تحليل نشرته بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن سكان سوريا عانوا، خلال هذه الفترة، من عنف وقمع الأطراف المتحاربة، فضلاً عن الصعوبات الاقتصادية والأمراض بسبب التدهور التدريجي للاقتصاد والخدمات الأساسية.

وفي الشمال الغربي الذي يسيطر عليه معارضون مسلحون، مدعومون من تركيا، لا يزال العنف المستمر يقتل المدنيين بانتظام، وفي الشمال الشرقي الذي يسيطر عليه الأكراد، كان الوضع الأمني مستقراً نسبياً لعدة سنوات، لكن دير الزور تعرضت مؤخراً للعنف مع انتفاضة القبائل العربية ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.

 وفي أماكن أخرى من المنطقة، لا يزال الدمار واسع النطاق، الناجم عن سنوات الصراع واضحا، وفي بقية أنحاء البلاد، التي تسيطر عليها قوات رئيس النظام، بشار الأسد، تنتشر الاحتجاجات المناهضة للحكومة مرة أخرى في الجنوب.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه للمرة الأولى منذ بداية الصراع، يعاني السوريون في كل منطقة فرعية من البلاد حاليًا من ضغوط إنسانية.

ففي عام 2022، كان 15 مليونًا من سكان سوريا، البالغ عددهم 22 مليونًا، بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وكان 12 مليونًا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، خاصة في الشمال الذي تسيطر عليه المعارضة.

ولم تتزايد هذه الأرقام إلا بسبب الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في شباط/فبراير 2023، وأدى إلى مقتل الآلاف وتشريد عشرات الآلاف في شمال غرب سوريا.

وتفاقم الوضع الإنساني بشكل أكبر بسبب فشل مجلس الأمن الدولي في يوليو/تموز الماضي في التوصل إلى توافق بشأن توسيع نطاق المساعدات إلى الشمال الغربي عبر معبر باب الهوى الحدودي، وأدى الاتفاق اللاحق مع الحكومة السورية إلى تفاقم حاد في الوضع الإنساني.

ومع تراجع في تسليم المساعدات وتصاعد التحديات الإنسانية والسياسية والاقتصادية في سوريا، بالتزامن مع فصول الصيف الحارة والجافّة، تفاقمت العوامل المرتبطة بالصراع والمناخ، ما أدى إلى ظهور ما يسمى "أزمة المياه الثلاثية".

العودة إلى الوراء الجفاف

وتعكس تلك الأزمة في سوريا 3 أزمات أخرى تتمحور حول موثوقية الموارد المائية في جميع أنحاء البلاد، بحسب ميجان.

وتدور الأزمة الأولى حول موجات الجفاف المتتالية التي ابتليت بها المنطقة خلال فصول الصيف الثلاثة الماضية، والتي شهدت خلالها هطول الأمطار أقل بنسبة تصل إلى 60%.

وكانت المرة الأخيرة التي حدثت فيها حالات الجفاف المنتظمة في السنوات التي سبقت بداية الحرب الأهلية في عام 2011.

ومنذ عام 2021، شهدت سوريا مرة أخرى درجات حرارة مرتفعة قياسية، ما تسبب في حرائق الغابات وموجات الجفاف على نطاق واسع.

وفي سياق الاقتصاد المنهار ونقص الدعم الحكومي، كان التأثير على الاقتصاد السوري القائم على الزراعة مدمراً.

وبدأ انعدام الأمن الغذائي في الارتفاع بشكل كبير بالفعل منذ بداية الصراع، بعدما كانت سوريا مكتفية ذاتياً في إنتاج القمح قبل عام 2011، إذ أحرقت أو دمرت مساحات شاسعة من الأراضي، ما جعل الحقول غير صالحة للزراعة.

وتركت الأزمة الاقتصادية الأوسع نطاقاً، التي سببتها الحرب، العديد من المزارعين غير قادرين على إطعام مواشيهم أو الاستثمار في زراعة محاصيلهم، ويبلغ إنتاج سوريا اليوم من القمح 2.2 مليون طن سنوياً، ما يجعلها مستورداً صافياً.

وكان هذا الوضع لافتاً بشكل خاص في شمال شرق سوريا، الذي يعتبر تاريخياً سلة غذاء البلاد والمصدر الرئيسي لإنتاج القمح.

منسوب المياه بنهر الفرات

وتتمثل الأزمة الثانية في الانخفاض الحاد بمنسوب مياه نهر الفرات، الذي ينبع من تركيا ويتدفق عبر سوريا والعراق إلى الخليج العربي، ويمثل مصدر المياه الرئيسي لأكثر من 5 ملايين شخص في جميع أنحاء سوريا.

 فتدفق النهر وصل إلى مستويات منخفضة بشكل خطير لثلاثة فصول صيف على التوالي، إذ تسبب نقص هطول الأمطار لسنوات عديدة في انخفاض منسوب مياه النهر، التي يأتي معظمها من المرتفعات الأرمنية.

ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض هطول الأمطار والظروف المناخية الأكثر سخونة إلى انخفاض بنسبة 23.5% في تدفق الأنهار بحلول نهاية القرن الجاري مقارنة بالعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وهناك عامل آخر يرتبط بانخفاض تدفق الفرات للسنة الثالثة على التوالي، وهو عامل سياسي، إذ اتُهمت تركيا بتقييد تدفق المياه على الحدود مع سوريا منذ عام 2021، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على وصول كل من سوريا والعراق.

وترتبط سوريا وتركيا باتفاقية لتقاسم المياه تعود إلى عام 1987، تضمن لسوريا متوسط 500 مليون متر مكعب من المياه في الثانية، إلا أن كمية المياه القادمة من تركيا انخفضت إلى أقل من 300 مليون متر مكعب في الثانية منذ يناير/كانون الثاني 2021.

وتزامن هذا الإطار الزمني مع بداية الجفاف ومع محاولات تركيا لكبح جماح القوات الكردية في شمال سوريا، ما يجعل من المرجح أن يتم حجب المياه جزئيا على الأقل لأسباب تكتيكية، حسب تقدير ميجان.

 ونفت تركيا أي مسؤولية عن الانخفاض الحاد في تدفق الفرات، مشيرة إلى أنها أيضا تعاني من حالات الجفاف.

وهنا تشير ميجان إلى أن تأثير نقص المياه على الزراعة والثروة الحيوانية والأمن الغذائي له نتيجتان رئيسيتان، الأولى تتعلق بالخدمات العامة، إذ تقترب بعض السدود الكهرومائية على طول نهر الفرات من الوصول إلى "المستوى الميت"، وهو الحد الأدنى لمستوى المياه لإنتاج الكهرباء، مع ما يمثله ذلك من عواقب وخيمة على إنتاج الكهرباء المتعثر بالفعل في سوريا. أما النتيجة الثانية فتتمثل في أن تؤدي المشاكل المتعلقة بكمية المياه إلى مشاكل تتعلق بنوعية المياه، فمع انخفاض كمية المياه التي يحملها الفرات، يزداد تركيز الملوثات الضارة في المياه، وبالتالي يزيد معدل الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه والمرتبطة بها.

ويعد تدهور جودة المياه أحد الأسباب الرئيسية لعودة وانتشار الأمراض في سوريا مؤخرًا، مثل وباء الكوليرا، الذي بدأ في الانتشار منذ سبتمبر/أيلول 2022.

أزمة المياه الصالحة للشرب

ويرتبط العنصر الثالث في أزمة المياه الثلاثية بالحرب في سوريا، والتي تؤثر في خلل محطة مياه علوك، الواقعة شمال شرقي البلاد، بالقرب من الحدود التركية، والتي يعتمد عليها نصف مليون شخص كمصدر أساسي لمياه الشرب.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، شنت القوات المسلحة التركية هجومًا عسكريًا، في إطار عملية نبع السلام، التي أنشأت منطقة عازلة بطول 19 ميلاً (30 كيلومترًا) ضد قوات سوريا الديمقراطية على طول الحدود السورية التركية. وأصبحت محطة مياه علوك الآن جزءًا من هذه المنطقة العازلة.

ومنذ عام 2020، ظلت علوك خارج الخدمة بشكل منتظم، ما أدى إلى عواقب وخيمة على وصول المياه الصالحة للشرب لسكان المنطقة.

ويلقي الأكراد اللوم على الأتراك، قائلين إنهم يمنعون المياه عن المنطقة التي يقودها الأكراد عن عمد، بينما يشير الأتراك إلى الأعطال الفنية نتيجة أزمة الكهرباء التي تعيق عمل علوك بشكل سليم.

وهنا تشير ميجان إلى أن الافتقار إلى الشفافية والرقابة يجعل تقييم الأسباب الحقيقية صعبا، لكن المؤكد هو أن "القضية مسيسة إلى حد كبير وتغذي ديناميكيات الصراع، وأن منطقة شمال شرق سوريا بأكملها لم تتمكن من الاعتماد على علوك لمدة 3 سنوات".

وبعد حرمانهم من مصدر المياه الرئيسي، لجأ الناس إلى البدائل، خاصة حفر الآبار، لكن ذلك أدى إلى الإفراط في استخراج المياه الجوفية بشكل مثير للقلق وانخفاض مستويات المياه تلك المياه، التي كانت قد انخفضت بالفعل في العقود الأخيرة.

وإضافة لذلك، ثمة مخاوف جدية بشأن نوعية المياه في هذه الآبار والمخاطر الصحية المرتبطة بشربه.

ومن خلال مساهمته في استنزاف نهر الفرات ومصادر المياه الأخرى، يؤدي الجفاف إلى تفاقم الوضع الصعب بالفعل الذي يعيشه ملايين السوريين في جميع أنحاء البلاد. فالمياه ليست موردا قائما بذاته، فهي مرتبطة بالأمن الغذائي، والأمن الاقتصادي، والصحة، واستمرارية الخدمات العامة الحيوية.

وتلفت ميجان إلى أن العامل البيئي أصبح عاملا من عوامل الصراع السوري، فالمياه باعتبارها موردًا أساسيًا، تعد هدفًا جذابًا للسيطرة والنفوذ، ولذا لم تكن أزمة محطة علوك مدمرة بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في شمال شرق سوريا لو كانت لديهم بدائل كافية وقابلة للتطبيق.

وعندما تصبح البيئة عاملا من عوامل الصراع، فإن حمايتها لا تكون أولوية، ولذا تركت سنوات الحرب بصماتها على النظم البيئية السورية، حيث تلوثت الموارد المائية والحقول بسبب الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب، وتم تدمير الموائل الطبيعية الموجودة في مناطق النزاع.

وفقدت سوريا 20% من غطاءها الشجري منذ بداية الصراع، وتسببت حرائق الغابات الناجمة عن الجفاف في مزيد من هذا الفقد في السنوات الأخيرة.

وتخلص ميجان إلى أن أزمة المياه في سوريا لن تنحسر في السنوات المقبلة، حيث تصبح سوريا أكثر جفافاً وسخونة، والسبيل الوحيد للمضي قدماً في معالجتها يتطلب الاستعداد السياسي لإعادة ترتيب أولويات الرفاهة البشرية والبيئية.

المصدر | معهد الشرق الأوسط/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا أزمة المياه الأكراد بشار الأسد تركيا الفرات