تحليل: تفكيك أسس اقتصاد الحرب عامل حاسم لإنهاء الصراع المتواصل في اليمن

الجمعة 22 سبتمبر 2023 04:22 م

اعتبرت الباحثة اليمنية فرح ناصر أن اقتصاد الحرب يظل هو العامل الرئيس لحل الصراع اليمني المتواصل منذ 9 سنوات عقب استيلاء جماعة أنصار الله الحوثية على مقر الحكومة العاصمة صنعاء بعد مصادمات مع القوات الحكومية استمرت لأيام، وأعقب ذلك تدخل عسكري من قبل السعودية والإمارات لدعم الحكومة في 2015 ليبدأ الصراع الحالي.

ورأت ناصر في تحليل مطول نشره المركز العربي واشنطن دي سي، وترجمه الخليج الجديد، أن الصراع الحالي يعد إلى حد كبير منعطفا محوريا للعديد من الصراعات الأخرى والتي كانت المظالم الاقتصادية العميقة المستمرة منذ عقود السبب المحرك الرئيس وراء الصراعات في اليمن.

وأوضحت ناصر أن المظالم والصراعات الاقتصادية العميقة التي لم يتم معالجتها، وفرت أرضًا خصبة لظهور اقتصاد حرب ديناميكي في اليمن، يتميز بشبكات معقدة من الجهات الفاعلة التي تتنافس جميعها على القوة الاقتصادية والسيطرة.

وذكرت أن اقتصاد الحرب في اليمن يدور بشكل أساسي حول تخصيص الموارد والتنظيم والتعبئة بهدف رئيس هو استمرار القتال، ومن ثم، فإن التربح من الحرب واستغلال أبعاده المختلفة في اليمن؛ أدى إلى إطالة أمد الصراع وإعاقة تحقيق السلام الدائم والاستقرار الدائم.

بالإضافة إلى ذلك، أدى التأثير البعيد المدى لاقتصاد الحرب إلى تغيير مشهد البلاد وبنيتها الاجتماعية والاقتصادية بطرق معقدة.

مظاهر اقتصاد الحرب

ووفق الباحثة اليمنية فقد أدى الصراع الحالي في اليمن إلى تغيير جوانب عديدة من النظام والأنشطة الاقتصادية للبلاد، ونتج عنه إنشاء اقتصادين متوازيين بشكل أساسي، أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب.

وأضافت ناصر أن بعض أهم مظاهر اقتصاد الحرب في اليمن تشمل التعريفات الجمركية المزدوجة والرسوم الجمركية المزدوجة، وسعرين مختلفين لصرف العملات، وعائدات النفط المتنازع عليها، وتباين المساعدات، والاقتصاد الاستخراجي (القائم على عائدات الصناعات الاستخراجية)، وكلها تضع ضغوطًا هائلة على الشعب اليمني.

ولفتت أن الخلاف بين طرفا النزاع في اليمن جماعة الحوثيين المسلحة في الشمال والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في الجنوب، حول الضرائب والرسوم الجمركية، إلى نظام ضريبي منقسم في البلاد، حيث يفرض كل جانب بفرض نظامه الخاص للتعريفات الجمركية والرسوم الجمركية.

من جانبها تفرض الحكومة رسوما جمركية عند وصول أي بضائع إلى الموانئ الخاضعة لسيطرتها، وبعد ذلك، عندما يتنقل التجار عبر المعابر الداخلية لتسليم تلك البضائع إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يتم فرض رسوم جمركية إضافية عليهم، حيث يدعي الحوثيون أنهم السلطة الحكومية الشرعية في الشمال.

وفي أغسطس/آب فرض الحوثيون رسوما على التجار الذين يستوردون مواد إلى المناطق التي يسيطر عليها الجماعة من الموانئ أو المناطق أو المعابر البرية الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني بنسبة 100%، فيما تستنزف هذه التعريفات المزدوجة القوة الاقتصادية للتجار وتزيد أسعار البضائع بشكل كبير.

وتهدف خطوة الحوثيين إلى تعزيز القوة الاقتصادية للجماعة، وقد بدأت بالفعل في جني الأرباح، حيث جمعت ما لا يقل عن 1.8 مليار دولار من الضرائب وإيرادات الدولة في عام 2019 وحده.

وأشارت ناصر إلي أن وجود اقتصادين أنتج أيضًا قيمتين مختلفتين إلى حد كبير للعملة في الشمال والجنوب، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قيام الحوثيين والحكومة بطباعة الأوراق النقدية، وإن كان ذلك بأحجام مختلفة.

وأوضحت أنه اعتبارًا من فبراير/ شباط 2023، كان السعر الجاري للدولار هو 600 ريال في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون و1225 ريالًا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، أي أكثر من ضعف القيمة.

واضافة لذلك أثر الصراع والانقسام بين الشمال والجنوب على صادرات النفط، مما أدى إلى مواجهة حول تخصيص عائدات النفط بين الحوثيين والحكومة اليمنية.

ويعتمد الاقتصاد اليمني بشكل كبير على إنتاج وتصدير النفط الخام الذي يدر نصيب الأسد من إيرادات الدولة.

وارتفعت إيرادات صادرات النفط الخام في عام 2021 لتصل إلى 1.418 مليار دولار، مقارنة بـ 710.5 مليون دولار في العام السابق، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية.

 وبذريعة دفع رواتب القطاعين المدني والعسكري، يطالب الحوثيون بحصة كبيرة من عائدات النفط، ورفضت الحكومة تقاسم هذه الإيرادات، ومن أجل وقفها، هاجم الحوثيون في عام 2022 ثلاث محطات لتحميل النفط تقع تحت سيطرة الحكومة.

وكان الهدف من هذه الهجمات إضعاف الموارد المالية للحكومة. بالإضافة إلى ذلك، حظر الحوثيون في يونيو/حزيران 2023 أسطوانات الغاز المنتجة محليًا القادمة من مدينة مأرب التي تسيطر عليها الحكومة من أجل تقويض مصادر إيراداتها.

ووفق ناصر فقد كانت الرسالة واضحة في كل تحركات الحوثيين وهي أنه في غياب تمتع الجماعة بحصتها من إيرادات الدولة اليمنية، فلن يتمتع بها أحد، إذ يعد الحصول على عائدات النفط أحد الأهداف الاقتصادية المركزية للحوثيين، ومن أجل ذلك حاولت الجماعة مرارًا وتكرارًا دون جدوى الاستيلاء على محافظة مأرب اليمنية الغنية بالنفط.

ومن ناحية أخرى، فإن المساعدات الإنسانية الدولية هي الأخرى وسيلة لتحقيق المنفعة الاقتصادية للأطراف المتحاربة.

كشفت تقارير المنظمات الدولية المختلفة، بما فيها الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان، عن نمط من التدخل في توزيع المساعدات الإنسانية في اليمن.

وذكرت أن تباين المساعدات الإنسانية والقيود والعرقلة هي بعض الاستراتيجيات الاقتصادية التي استخدمتها الأطراف المتحاربة لتعزيز نفوذها.  إذ تدخلت القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في المساعدات الإنسانية في محافظة عدن اليمنية وأعاقتاها.

وفي عام 2020، ورد أن الحكومة اليمنية تورطت في ممارسات غسيل أموال وفساد، مما كان له عواقب سلبية على قدرة الناس على الوصول إلى الإمدادات الغذائية الكافية.

بالإضافة إلى ذلك، وضعت الحكومة مخططًا لتحويل الأموال من الودائع السعودية، مما أدى إلى تحويل غير قانوني بقيمة 423 مليون دولار من الأموال العامة إلى التجار.

في المقابل تورط الحوثيون في استغلال المساعدات الإنسانية، واعترف برنامج الأغذية العالمي بتباين مساعدات الجماعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ثم تشق هذه المساعدات المحولة طريقها إلى المجهود الحربي للحوثيين.

وفي الوقت ذاته، تم تحويل الموارد المالية للمواطنين العاديين أيضًا لملء جيوب الأطراف المتحاربة، إذ تعد الرسوم الجمركية المرتفعة والارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية جزءًا من الاقتصاد الاستخراجي الذي تمارسه الفصائل المتحاربة على السكان بشكل عام.

وبما أن الآلاف من موظفي الخدمة المدنية واجهوا صعوبات في تلقي رواتبهم لسنوات، فقد كانوا يعيشون على مدخراتهم التي اكتسبوها بشق الأنفس، والتي من المحتمل أن تكون قد استنفدت تمامًا في كثير من الحالات. ومن شبه المؤكد أن غالبية الناس في اليمن أنفقوا كل مدخراتهم، باعتبار أن اليمن من أفقر دول العالم.

تم الاستيلاء على أموال المواطنين اليمنيين من قبل أمراء الحرب الجشعين الذين يمتلكون السلاح والسلطة.

وقالت ناصر إن الاستخراج الممنهج لثروات الناس واستنزافها، أو بالأحرى نقل الثروة من المواطن إلى النخبة السياسية والعسكرية، هو أحد المظاهر الرئيسية لاقتصاد الحرب، الذي أدى إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

مستقبل اليمن

ووفق ناصر فإن اقتصاد الحرب في اليمن يحمل تأثيرين محتملين على مستقبل البلاد هما التحولات الهيكلية وإدامة الصراع.  

وأضافت أن اللاعبين والشبكات التي ظهرت واكتسبت نفوذاً في ظل الصراع خلقوا ديناميكيات اقتصادية جديدة، مما أدى إلى تغييرات هيكلية في الآليات الأساسية للوظائف الاقتصادية للبلاد.

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك تباين الأنظمة الاقتصادية بين المناطق الشمالية والجنوبية في اليمن. كما أحدثت التغييرات الهيكلية تغييرًا عميقًا في تكوين النخبة الرأسمالية في البلاد، على سبيل المثال قبل الصراع، كان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وحاشيته يجلسون على قمة التسلسل الهرمي الرأسمالي في اليمن.

وعقبت ناصر " لكن اليوم، أصبح أفراد من الفصائل المتنوعة - بما في ذلك جماعة الحوثي المسلحة، والحكومة، والمجلس الانتقالي الجنوبي –هم الذين يهيمنون ويسيطرون على المجالات الاقتصادية الرئيسية مثل تجارة النفط والوقود، لاعبين رئيسيين في الاقتصاد، وسرعان ما أصبحوا النخبة الرأسمالية الجديدة في اليمن.

وتابعت ناصر أن التأثير المهم الآخر لاقتصاد الحرب على مستقبل اليمن هو إطالة أمد الصراع، إذ لا توفر المكاسب الاقتصادية التي تواصل الأطراف المتحاربة تحقيقها خلال الحرب حافزًا يذكر لإنهاء الصراع، كما يتضح من حقيقة أن الهدنة التي انتهت في أكتوبر/ تشرين أول 2022 لم يتم تجديدها بعد.

ولفتت إلى أنه في ظل هذا السيناريو المحبط، تصبح آفاق مستقبل اليمن قاتمة بسبب الصراع المستمر، إذ من المرجح أن يتسم بالصراع المطول، وتفاقم الفقر، والدمار الاقتصادي.

ونوهت الباحثة اليمنية إلى أن اقتصاد الحرب في اليمن يمثل عاملاً حاسماً في استمرار الصراع، وبالتالي فإن معالجة اقتصاد الحرب أمر ضروري لإنهائه، ونظراً لأن استمرار اقتصاد الحرب يصب في مصلحة الأطراف المتحاربة، فلا بد من تدخل طرف خارجي، وهنا يشكل الدور الذي يلعبه المجتمع الدولي أهمية بالغة.

وذكرت إلى أنه يجب أن يتخذ المجتمع الدولي نهجاً متعدد الأوجه تجاه الاقتصاد اليمني، والضغط على الأطراف المتحاربة للتوصل إلى اتفاق يعالج مشاكل اليمن الاقتصادية على مستويين هما المظالم الاقتصادية التاريخية والتحديات الاقتصادية المعاصرة.

ورأت أنه على الرغم من أن التحديات الاقتصادية المعاصرة هي امتداد للمظالم الاقتصادية التاريخية، إلا أنه يجب أن يكون هناك خطاب وطني لمعالجة هذه القضايا من أجل تمهيد الطريق نحو المصالحة الاقتصادية الوطنية. ويمكن لنتائج هذه المداولات أن تضع الأساس ليمن أكثر استقرارا وازدهارا على المدى الطويل.

وفيما يتعلق بالتحديات الاقتصادية المعاصرة الملحة التي تواجهها البلاد، أوضحت ناصر إلي أنه ينبغي للمجتمع الدولي الضغط على الأطراف المتحاربة لتنفيذ تدابير ملموسة لمعالجة المظاهر العديدة لاقتصاد الحرب من خلال توحيد النظام الضريبي وسعر الصرف، وحل النزاع حول عائدات النفط، وضمان مراقبة أفضل وأكثر شفافية للمساعدات الإنسانية ومعالجة الفوارق الاقتصادية.

ويتعين على المجتمع الدولي أيضاً أن يدعم خطة استباقية للتعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد الصراع، بحيث تصبح الخطة جاهزة للتنفيذ السريع بمجرد انتهاء الصراع. من المؤكد أن التوصل إلى اتفاق سلام شامل يشكل الخطوة الأساسية الأولى قبل إطلاق خطة التعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد الصراع.

وخلصت الباحثة اليمنية إلى أنه يجب في كل خطوة، أن تدفع الجهود الدبلوماسية الدولية الأطراف المتحاربة إلى إعطاء الأولوية لرفاهية الشعب اليمني على مصالحها الاقتصادية الخاصة، مشيرة إلى أن معالجة الأسباب الجذرية للمظالم الاقتصادية وتفكيك أسس اقتصاد الحرب أمر ضروري لإنهاء الصراع الذي طال أمده إذا أن القيام بذلك قد يوفر الأمل بمستقبل أكثر إشراقًا لليمن وشعبه.

 

 

 

 

المصدر | فرح ناصر/المركز العربي واشنطن دي سي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحرب اليمنية الصراع في اليمن اقتصاد الحرب المساعدات الإنسانية جماعة الحوثي اليمنية