كيف تؤثر الصفقة الأمنية السعودية الأمريكية المرتقبة على الحرب في اليمن؟

الجمعة 22 سبتمبر 2023 08:32 م

تسعى الولايات المتحدة منذ أشهر للوصول إلى صفقة شاملة مع السعودية تقول إنها تعكس رؤية مشتركة لمنطقة شرق أوسط أكثر سلاماً، حيث تركز على البعد الأمني ما يرسم الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط، ما قد يؤثر لهذه الصفقة حال تم إبرامها على ملف الصراع في اليمن.

هكذا تحدث تحليل لمركز "أبعاد للدراسات والبحوث"، متحدثا عن تحركت الولايات المتحدة عسكريا وسياسيا في الشرق لأوسط بشكل مختلف، وهو ما وصفها محللون بصفقة شاملة تتطلع لها واشنطن لعقدها مع الرياض تتضمن ما قد يكون اتفاقًا تاريخيًا بين السعودية وإسرائيل.

ولم تعلن الدول الثلاث وبصورة رسمية عن شروطها ومطالبها، لكن تقارير إعلامية كشفت عن أهم ما تم طرحه من مطالب وشروط.

ووفق التحليل، فإن الثابت أن الطريق أمام إبرام صفقة مهمة كهذه ما زال شاقاً وطويلاً، وهناك عقبات يتعين تجاوزها، ولن يكون التغلب عليها سهلاً، وتتعلق بكون المطالب والشروط المطروحة مثيرة للجدل والمخاوف والتحفظات وليس من السهل الوفاء بها.

ويضيف: "الاستجابة للمطالب الأمنية السعودية من وجهة نظر كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، ستمثل تهديداً للتفوق العسكري الإسرائيلي وتتعارض مع سياسة منع الانتشار النووي".

لكن في المقابل، حسب التحليل، فإن هناك حافزا تعمل على دفع الأمور إلى الأمام، وتتعلق أساساً بالمكاسب الكبيرة التي يتوقع أن يجنيها الأطراف الثلاثة، وهي بالنسبة للولايات المتحدة مكاسب جيوسياسة تتمثل في تعزيز تحالفاتها وحضورها في المنطقة، واحتواء نفوذ الصين المتنامي فيها، وكذلك نفوذ روسيا وإيران، بالإضافة إلى استقرار أسعار وسوق الطاقة العالمي.

وتشكل صفقة كهذه انتصاراً وفتحاً سياسياً واقتصادياً كبيراً وغير مسبوق لإسرائيل، فهي تفتح الباب للسلام والاندماج الاقتصادي مع الدول العربية والإسلامية.

أما مكاسب السعودية، فأهمها التخلص من العقدة الأمنية والتهديدات التي تمثلها إيران وحلفاؤها، وتشمل كذلك المحافظة على تحالفها مع أمريكا والغرب، كما أن هذه الصفقة ستفتح الباب أمام إمكانيات جديدة للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي والأمني مع إسرائيل.

وأشارت بعض التقارير إلى أن  وقف الصراع في اليمن من ضمن المطالب التي طرحتها الولايات المتحدة في مباحثاتها مع السعودية، غير أن حصول ذلك أمر مشكوك فيه، فوقف الصراع ليس موضع خلاف بين الولايات المتحدة والسعودية، والطرفان على العكس من ذلك متفقان على ضرورة وقف الحرب وإحلال السلام ويعملان من أجل ذلك، وإن كان هناك بعض الاختلافات الطفيفة في رؤيتيهما للطريقة التي ينبغي سلوكها للوصول إلى هذا السلام.

ومع ذلك فتأثر الملف اليمني بصفقة كهذه يظل أمراً لا جدال حوله، وسيحدث ذلك بطرق مختلفة، مباشرة وغير مباشرة، وفق التحليل.

وقبل أي شيء ينبغي التنويه إلى أن تأثر هذا الملف قد يحدث مبكراً حتى قبل عقد أي اتفاقات، فمجرد الحديث عن هذه الصفقة والتفاوض حولها قد يدفع ايران وحلفائها الحوثيين ليكونوا أكثر استعجالاً وحاجة لتحريك المفاوضات الحوثية السعودية وإخراجها من حالة المراوحة الذي تعيشه منذ حوالي عامين.

ويقول التحليل: "التفاوض حول هذه الصفقة، من جهة، قد يثير مخاوف طهران من تضرر التقارب مع السعودية الذي تم برعاية صينية، والذي يمثل بالنسبة لها انتصاراً كبيراً في سياق مواجهة الولايات المتحدة والغرب ولإضعاف جدار العزلة التي تعيشها وللالتفاف على العقوبات المفروضة عليها، ومخاوف كهذه قد تدفعها إلى التحرك من أجل الحفاظ على حرارة هذا التقارب ولتشجيع السعودية على المضي قدماً فيه والمحافظة على وتيرته".

وهناك سبب آخر قد يدفع إيران للقيام بذلك، حسب التحليل، وهو إدراكها أن النجاح في إبرام صفقة كهذه سيصب في صالح السعودية وحلفائها في الصراع اليمني ويعزز موقفهم، وسينتهي في المقابل بجعل موقفها وموقف حلفائها الحوثيين أضعف مما هو عليه الآن، وبما يهدد المكاسب التي تم تحقيقها حتى الآن.

وحال النجاح في إبرام الصفقة، يقول التحليل: "ستعكس الصفقة نفسها على الملف اليمني، لكن حجم وطبيعة تأثيرها وانعكاساتها سيختلف تبعاً للتوقيت الذي أبرمت فيه، إذ ستكون أكبر وأكثر أهمية حال تم الاتفاق قبل أن تحقق جهود السلام والمباحثات الجارية بين السعودية والحوثيين أي تقدم أو أي اختراق مهم".

ويضيف: "ستكون في المقابل أقل تأثيراً حال أبرمت الصفقة بعد إحراز تقدم مهم أو بعد التوافق على إطار وآليات وقضايا التفاوض النهائي وفقاً لمعطيات الوضع الراهن وميزان القوى السائد الآن".

ويتابع: "أي تأثير لهذه الصفقة على ملف الصراع في اليمن سيتأتى بالأساس نتيجة ما ستدخله من تغيرات على خريطة العلاقات والتحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، وبالذات نتيجة ما ستلحقه من تعديل في ميزان القوى السائد، والذي يحكم علاقة الأطراف المتورطة في الصراع".

ويزيد: "أهم ما ستقوم به هذه الصفقة هو أنها ستستبدل حالة توازن القوى المختل لصالح إيران وحلفائها بحالة أخرى تميل بوضوح لصالح خصومهم، أي لصالح السعودية وإسرائيل، فهي من جهة ستجمع أصول وقدرات هؤلاء الخصوم في مواجهتها، وستفتح من جهة ثانية الباب لتعاون أمني واستخباراتي واسع بين السعودية وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل".

ويستطرد: "أما من جهة ثالثة فالصفقة قد تتضمن ترتيبات أمنية مصممة وتهدف إلى مواجهة إيران ووكلائها".

وفيما يخص السعودية على وجه التحديد، وباعتبارها الطرف المواجهة لإيران وحلفائها في الصراع اليمني، يقول التحليل: "ستمكن هذه الصفقة المملكة من تلبية احتياجاتها الدفاعية الأكثر إلحاحاً نتيجة رفع القيود على مبيعات السلاح الأمريكي المتقدم، كما أن الالتزام الدفاعي الأمريكي سيحصنها من الهجمات الإيرانية والحوثية، وفي المحصلة سيتعزز موقفها في الملف اليمني مثلما في بقية الملفات كالملف اللبناني، وستكون وحلفاؤها في موقف عسكري وتفاوضي أقوى".

ويضيف: "في المقابل سيصبح موقف كل من إيران وحلفائها الحوثيين أضعف من أي وقت مضى، فصفقة كهذا ستكون بمثابة تعطيل لفاعلية أوراقهما العسكرية، وستتفاقم نتيجة كهذه بسبب التطبيع بين السعودية وإسرائيل".

وبقدر ما أن تأثير هذه الصفقة على موازين القوى وعلى خريطة التحالفات في المنطقة مسألة لا خلاف حولها، إلا أن تأثيرها على الملف اليمني قد يكون مسألة مختلفة، فطبيعة هذا التأثير ومداه سيظل متوقفاً على تقدير إيران أولاً والجماعة الحوثية ثانياً، لطبيعة التغيرات التي ستلحق معادلة القوة وخريطة العلاقات والتحالفات، وعلى تقدير الطرفين للفرص والمخاطر والتحديات.

ويضع التحليل سيناريوهين اثنين، لتأثير هذا الصراع، الأول هو المساعدة في وقف الصراع ، حيث ستساعد الصفقة في تحقيق تقدم باتجاه وقف الصراع والتوصل إلى اتفاق سلام في اليمن، على أساس أنها ستجعل إيران والجماعة الحوثية أكثر تفاعلاً مع جهود السلام.

وما يدفع باتجاه هذا السيناريو، أن صفقة كهذه تعمل على إضعاف موقف الطرفين وعلى إضعاف خيار الحرب إن لم تُسقطه، فهي ستعني على سبيل المثال خسارة الحوثيين لورقة التهديد بضرب السعودية والإمارات ومصالحهما، وهي خسارة تشمل أيضاً خسارة إيران فرصة شن هجمات على الدولتين وتجييرها باسم الحوثيين.

ومن جهة أخرى سيكون تزويد إيران للحوثيين بالأسلحة والمال والنفط أصعب، نتيجة التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الدول الثلاثة. وهذه الخسارة التي تخرج خيار الحرب وخيار استهداف السعودية وتعطله تجعل من الاستمرار في رفض السلام تقريباً بلا معنى، وفق التحليل.

وبالإضافة إلى أن إبرام صفقة كهذه، سيكون بمثابة هزيمة سياسية ونفسية لإيران ولحلفائها ستؤثر على معنوياتهم، هناك الضغوط والتحديات التي ستفرضها المتغيرات الناتجة عنها، فالاستمرار في السلوك والسياسات الراهنة سيكون له مخاطره التي لم تكن موجودة من قبل.

ويفترض مثلا، وفق التحليل، أن يتراجع الدعم الإيراني للحوثيين بصوره المختلفة نتيجة تراجع فرصه وتزايد مخاطره، وسيكون هذا التراجع محصلة لممارسة إيران نوع من الرقابة الذاتية المدفوعة بالموازنة بين الجدوى والكلفة وباعتبارات سياسية أخرى كحرص إيران على الحفاظ على التقارب مع السعودية ودول المنطقة.

يشار إلى أن اقتناع الإيرانيين والحوثيين بتغير المعادلة في غير صالحهم، وكذلك تقديرهم لفرص ومخاطر الاستمرار في السلوك والسياسات القائمة قد يقتضي اختبارهم لها واختبار ردود فعل الأطراف الأخرى، وقد يكون على طهران مثلاً، إرسال شحنات سلاح جديدة إلى الحوثيين لاختبار قدرتها وفرص الاستمرار في القيام بذلك مثلما لاختبار قدرات الأطراف الأخرى وطبيعة ودرجة تنسيقهم الأمني بعد توقيعهم لهذه الصفقة.

ويلفت التحليل إلى أن "هذا السيناريو هو المرجح بالنظر إلى القائمة الطويلة من المحفزات التي تدفع باتجاهه، وأيضاً بالنظر إلى البرجماتية والحصافة التي أثبتت الدبلوماسية الإيرانية تمتعها بهما".

ولكن، لا يزال السيناريو الثاني، في الصورة، حيث ستتسبب هذه الصفقة بتعقيدات إضافية للملف اليمني تجعل التوصل إلى اتفاق سلام أكثر صعوبة.

ويضيف: "هناك من يرجح أن تتسبب بزيادة التوترات وحدة التنافس في المنطقة على أساس أن طهران قد تنظر إلى هذه الصفقة باعتبار أنها موجهة ضدها ومحاولة لحصارها وتهديداً لها ولنفوذها في المنطقة، وأيضاً على أساس أنها ستثير غضب المتشددين، وتدفعهم إلى تبني سياسات أكثر تصادمية لمواجهة النتائج والتحديات المفترضة الناتجة عنها".

ويتابع: "قد تعمد طهران في هذا السياق إلى زيادة الدعم المقدم للحوثيين وتحريضهم على التشدد تجاه جهود السلام وفي المباحثات الجارية بينهم والسعودية، وربما دفعهم إلى شن عمليات عسكرية وتوسيع نطاق الحرب في الداخل اليمني".

وفي سياق مقاومة الصفقة ومفاعيلها ستعمد إيران أيضاً إلى استثمار التطبيع مع إسرائيل للنيل من السعودية والتحريض ضدها وتصوير تطبيعها مع إسرائيل باعتباره خيانة للإسلام وللمسلمين وطعنة في ظهر مقاومة الاحتلال، وفق التحليل.

((6))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اليمن أمريكا إيران الحوثيون الحرب في اليمن إسرائيل السعودية صفقة أمنية

الرياض.. مباحثات أممية سعودية لبحث السلام في اليمن