استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

قيس سعيّد يتحدّى الصهيونية العالمية

السبت 23 سبتمبر 2023 01:21 م

قيس سعيّد يتحدّى الصهيونية العالمية

يبقى السؤال مطروحا: لماذا اختار الرئيس سعيّد هذا التوقيت بالذات ليوجه قصفه نحو الصهيونية العالمية؟

شنّ قيس سعيّد هجوما قويا ضد الصهيونية العالمية، رغم أنه لم يطرأ جديد في هذه الفترة في الملف التونسي الإسرائيلي.

من حقّ السياسي رفع رأسه إلى السماء، لكن عليه أولا أن يثبّت أقدامه على الأرض، لئلا يهوي في حفرة عميقة، وحتى يتمكّن من إخراج شعبه من أزمته الخانقة.

انطلق سعيّد من كارثة درنة متسائلا: لماذا سمّي الإعصار دانيال وهو اسم نبي عبري وربط ذلك بأبراهام الذي سمّيت عليه المبادرة الأميركية "اتفاقية أبراهام" للتطبيع مع إسرائيل.

كان الرئيس غاضبا، ولكن ضدّ من؟ وما الدوافع وراء تصريح تضمّن رسائل لأكثر من طرف، وبالإضافة إلى إسرائيل، هناك انتقاد للإدارة الأميركية المستمرّة في توجيه انتقاداتها للنظام التونسي.

* * *

يواصل الرئيس التونسي قيس سعيّد توسيع اشتباكه مع جبهات متعدّدة داخليا وخارجيا. إذ يبدو أنه واثق في شخصه وفي نظامه، وفي تعاطف جزء عريض من التونسيين مع اختياراته وقراراته.

عاد، في الأيام الأخيرة، للاستناد إلى الملفّ الفلسطيني، حيث شنّ هجوما قويا ضد الصهيونية العالمية، رغم أنه لم يطرأ جديد في هذه الفترة في الملف التونسي الإسرائيلي، فخلال جلسة عقدها أخيرا مع رئيس الحكومة وبعض وزراء السيادة، انطلق سعيّد من الكارثة التي حصلت في مدينة درنة، متسائلا لماذا سمّي هذا الإعصار دانيال، وهو اسم نبي عبري، وربط ذلك بأبراهام الذي سمّيت عليه مبادرة "اتفاقية أبراهام" الأميركية الرامية إلى التطبيع مع إسرائيل.

ورأى في هذه التسميات مؤامرةً من الحركة الصهيونية التي "تغلغلت، وتم ضرب العقل والتفكير ليصبحوا في غيبوبة فكرية تماما". جاء ذلك كردّ فعل على اتهامه من المعارضة بالانخراط في سياسات التطبيع، فقال إن هذا المصطلح غير وارد في قاموسه، مؤكّدا من جديد إن التطبيع "خيانة عظمى" للشعب الفلسطيني وحقه في "كل فلسطين". والمعركة هي مع الحركة الصهيونية العالمية، وليست مع اليهود.

كان الرئيس غاضبا، ولكن ضدّ من؟ يبدو أن الدوافع وراء هذا التصريح الذي تضمّن رسائل موجّهة إلى أكثر من طرف، إذ بالإضافة إلى الدوائر الإسرائيلية، هناك انتقاد واضح للادارة الأميركية المستمرّة في توجيه انتقاداتها إلى النظام التونسي.

كما أن الأوروبيين معنيون بهذا التصريح، خصوصا بعد وفد البرلمان الأوروبي الذي كان يعتزم زيارة تونس للاطلاع على الوضع السياسي والحقوقي، لكن رئاسة الجمهورية رفضت السماح له بدخول التراب التونسي.

وقد ظنّ الرئيس سعيّد أن رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، قد فتحت له طريقا معبّدا سيمكّنه من تخفيف الضغوط المالية على تونس، فاذا بأغلب أعضاء الاتحاد الأوروبي يرفضون الاتفاق الذي تم. وكانت النتيجة أن الاتحاد لم يصرف يورو واحدا لتونس حتى اليوم.

هناك من مؤيدي الرئيس من اعتبر أنه اختار الوقت المناسب للهجوم على أميركا نظرا إلى الضعف الذي أصبحت عليه. وهو رأي ينقصه كثير من بعد النظر. فهذا البلد لا يزال مؤثرا في الأجندات العالمية، وليس من مصلحة تونس الدخول في مشاكساتٍ مع أقوى دولة، فالبلدان يختلفان في الوزن والأهمية، ولا يمكن المقارنة بينهما. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فلطرد الوفد تبعات ستتجلّى تدريجيا.

رغم ذلك كله، يبقى السؤال مطروحا: لماذا اختار الرئيس سعيّد هذا التوقيت بالذات ليوجه قصفه نحو الصهيونية العالمية؟

مع انطلاق السنة السياسية الجديدة، يتّجه البرلمان الذي صنعه قيس سعيّد تحت أنظاره نحو مشروع قانون لتجريم التطبيع، وهو المشروع المؤجل منذ حصول الثورة، ولم يرغب أي طرف سياسي مؤثر في الشأن العام أن يتحمل تبعات إصداره، سواء أكان هذا الطرف في الحكم أم في مجلس النواب.

تم الاستناد إلى معطياتٍ عديدة لتبرير هذا التأجيل والتراخي. قد يكون الهجوم على الحركة الصهيونية دعما من الرئيس لتقنين هذا الإجراء، وغلق الباب نهائيا أمام الجميع.

هناك من يعتقد أن سعيّد يريد تحويل الرأي العام عن همومه اليومية وإقناعه بأن الحركة الصهيونية ليست بعيدة عما يجري في تونس، أو أنه يؤكّد للجميع أنه مستعد لمواجهة كل الاطراف، بما في ذلك الصهاينة، وأنه مستعد ليكون شهيدا في سبيل فلسطين.

يحبّ الشعب التونسي فلسطين، ويرفع رايتها. لكن أليس سقف ما يطرحه سعيّد بوصفه رئيسا للدولة لا كمواطن، عاليا جدا رغم صحته تاريخيا وأخلاقيا. ففي الذكرى الثلاثين لاتفاق أوسلو اتفق الجميع على موت فكرة حل الدولتين، فما بالك بتحرير كامل فلسطين.

من حقّ السياسي أن يرفع رأسه عاليا إلى السماء، لكن عليه قبل ذلك أن يثبّت أقدامه على الأرض، حتى لا يهوي في حفرة عميقة، وحتى يتمكّن من إخراج شعبه من أزمته الخانقة.

*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط في المجتمع المدني

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس درنة الصهيونية قيس سعيد جورجيا ميلوني البرلمان الأوروبي الإدارة الأميركية الرأي العام التطبيع مع إسرائيل اتفاقيات أبراهام