بعد كارثة الفيضانات.. لهذا الأسباب كانت ليبيا الأكثر عرضة للتغيرات المناخية

الأربعاء 27 سبتمبر 2023 05:34 م

سلطت وكالة "بلومبرج" الضوء على تردى البنية التحتية وتهالك السدود في ليبيا، وهو ما ضاعف حجم المأساة التي سببتها الفيضانات.

وقالت الوكالة إن حالة عدم الاستقرار السياسي واستمرار الحرب الأهلية على مدى عقد من الزمان، والبنية التحتية المتداعية، وأنظمة الطوارئ الضعيفة، كل ذلك لعب دوراً في تفاقم المأساة التي تكشفت في الجبل الأخضر شرقي ليبيا.

وذكرت أنه يُضاف إلى ذلك تغيّر المناخ، لتكون النتيجة أعنف عاصفة وأكثرها تكلفة على الإطلاق في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وأشارت الوكالة إلى أن كل هذه المشكلات ستظل تلقي بظلالها على تعافي ليبيا من كارثة تفاقمت شدتها بسبب المناخ، وعلى الأرجح، ستصعّب على البلاد أيضاً الاستعداد لارتفاع درجات الحرارة، والجفاف، والأمطار الشديدة، مستقبلاً.

وأضافت: "تتعذر الاستفادة من أموال الإغاثة المناخية في ظل الحالة الهشة لمؤسسات الدولة، حتى مع توافر المزيد من الدعم من خلال برامج المؤسسات الدولية".

وأردفت "بلومبرج" أن قمة المناخ "كوب 27" في العام الماضي شهدت انفراجة تاريخية عبر إنشاء صندوق للخسائر والأضرار لمساعدة البلدان الفقيرة التي تعاني من تداعيات الطقس القاسي.

واستدركت: "لكن هذا الصندوق لم يُفعّل بعد، ومن الصعب تحديد مصادر الدعم الجاهزة في أعقاب الكارثة المناخية الأكبر التي ضربت ليبيا".

ولفت التقرير إلى أن الفيضانات أصبحت أشد وطأة، مع وقوع هذه الكوارث بشكل مفاجئ، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الغلاف الجوي يحمل كمية إضافية من بخار الماء بنسبة 7% مقابل كل درجة مئوية من الاحتباس الحراري.

وشهدت ليبيا التي تعاني من بنية تحتية متداعية، ارتفاعاً فعلياً في الحرارة بما يزيد على درجة واحدة منذ عام 1900.

وإذا ظلت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري للكوكب دون تغيير، فإن متوسط درجات الحرارة في البلاد سوف يرتفع بنحو 2.2 درجة مئوية بحلول عام 2050، و4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن الحالي، وفق التقرير.

وقال كيران دونيلي، نائب الرئيس الأول للاستجابة للأزمات في لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة غير ربحية تساعد المتضررين جراء الكوارث والأزمات الإنسانية: "ما حدث في درنة هو الوضع الذي سنشهده يتفاقم بشكل متزايد في دول مثل ليبيا".

وأضاف: "الدول الهشة التي تعاني من الصراعات، هي أكثر عرضة لتغير المناخ بشكل كبير، بسبب تدهور الخدمات الاجتماعية وافتقاد البنية التحتية بها إلى الصيانة".

فشل التعامل مع الإنذارات المسبقة

ورصد خبراء الأرصاد الخطر الذي هدد ليبيا قبل ثلاثة أيام من وقوع الكارثة، حيث تسببت العاصفة ذاتها بدمار في اليونان.

لكن هذا الترقب لم يحل دون وقوع الكارثة. فقد أفاد الناجون منها بأنهم تلقوا تنبيهات متناقضة من سلطات مختلفة في الساعات التي سبقت العاصفة.

ويأتي هذا الالتباس جزئياً بسبب وجود حكومتين ليبيتين -واحدة في الشرق، وأخرى في الغرب- واللتين كان نزاعهما المستمر يعني عدم وجود استعدادات منسقة لحالات الطوارئ. لم يتم إجلاء السكان على طول نهر وادي درنة، وهو النهر الذي يمر على امتداد مدينة درنة الساحلية قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط.

وقالت ماجا فالبيرج، مستشارة المخاطر المناخية في "مركز المناخ" (ومقره في ولاية كاليفورنيا الأميركية)، والذي يتعاون مع منظمتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر: "ليس من الواضح إلى أي مدى تم إبلاغ عامة الناس بالتوقعات والتحذيرات، أو فرق الاستجابة المعنية بحالات الطوارئ. يعني هذا أن أي شخص في مسار المياه كان معرضاً للخطر، وليس فقط أولئك الذين هم في العادة معرضون للخطر بشدة".

وأضافت: "كان ذلك أول إخفاق، ثم تبع ذلك انهيار السدود".

وذكرت "بلومبرج" أن الأمر لم يتوقف عند حد خطر جدار المياه الهائل بارتفاع طابقين، والذي اجتاح المدينة نتيجة لهطول الأمطار الغزيرة فحسب. فقد دمرت العاصفة سدين مصنوعين من الطين والصخور يعودان إلى عقد السبعينيات من القرن الماضي.

وكما هي حال الكثير من البنية التحتية في ليبيا، كانت السدود في وادي درنة مهملة لعقود من الزمن.

سدود متهالكة

وقال التقرير إن انهيار عدد كبير من السدود القديمة على مستوى العالم والتي بُنيت بهدف تحمل ظروف مناخية لم تعد قائمة، سوف يصبح مشكلة واسعة الانتشار بشكل متزايد، لا سيما في البلدان النامية ذات موارد الصيانة المحدودة.

وأظهر تحليل مفصل لأكثر من 35 ألف سد، نُشر في وقت سابق من العام الجاري في مجلة "نيتشر" (Nature)، أن متوسط عام البناء على مستوى العالم كان عام 1974، وفق بلومبرج".

وتُعد أمريكا الشمالية موطناً لأقدم سدود العالم، مع متوسط عام الانتهاء من 1963، تلتها أوروبا بمتوسط بناء في عام 1966.

وقال النائب العام الليبي في مؤتمر صحفي متلفز يوم 15 سبتمبر/ أيلول، إن التقارير بشأن حدوث شقوق كبيرة في السدود المنهارة بالقرب من درنة تعود إلى عام 1998 على الأقل.

وحسب التقرير منحت حكومة الرئيس الراحل معمر القذافي، الذي اتسم حكمه لليبيا بالديكتاتورية على مدى 30 عاماً، عقد إصلاح وصيانة إلى شركة تركية في عام 2007. لكن أعمال الصيانة لم تبدأ بسبب مشكلات السداد حتى عام 2010، ثم توقفت فجأة بعد أقل من خمسة أشهر، وذلك في عام 2011، خلال الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالقذافي.

ولم تستأنف أي من الحكومات المتعاقبة صيانة السدود.

قسوة المناخ بالقارة السمراء

وذكر التقرير أنه رغم قسوة الحالة الراهنة في ليبيا، فإنها ليست وحدها التي تعاني من تأثيرات المناخ. إذ يتوقع بحلول نهاية العقد الجاري، أن تزداد مساحة الأراضي الحضرية المهددة بالفيضانات متكررة الحدوث بنحو 270% في شمال أفريقيا، وبـ800% في الجنوب الأفريقي، و2600% في وسط القارة مقارنة بمستويات التهديد في مطلع الألفية الحالية، وفقاً لأحدث تقرير أعده علماء ضمن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ المدعوم من الأمم المتحدة.

وصُنفت نحو 70% من المدن الأفريقية على أنها شديدة التأثر بالصدمات المناخية.

وتقف وراء كل هذه الظروف حالة الافتقار إلى البنية التحتية الحيوية، وسوء صيانة السدود والجسور والطرق القديمة، والتي غالباً ما تكون متداعية.

وتابع التقرير: "يصف خبراء المناخ الجهود المبذولة لحماية الناس من العبء المدمر الناجم عن الاحترار بأنها "تكيّف" أو "تأقلم"، في مقابل جهود "التخفيف" التي تحد من انبعاثات الاحتباس الحراري. العالم لا ينفق ما يكفي على أي من الجهدين. وفي حين أن الدول الفقيرة واجهت صعوبة في الحصول على تمويل كافٍ للتخفيف، إلا أن برامج تمويل التكيف كانت حتى وقت قريب غير متاحة".

انبعاثات ليبيا الأكبر في القارة

وذكرت "بلومبرج" أن ليبيا تتفوق على غيرها، ولكن بأوجه أخرى. ففي الوقت الذي تصدر فيه العديد من أفقر البلدان وأكثرها عرضة للتأثر بالمناخ انبعاثات محدودة نسبياً، فإن الأمر ليس على هذا النحو بالنسبة إلى ليبيا، موطن أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في أفريقيا، وأعلى انبعاثات للفرد في القارة.

وأوضحت أن هذا يعني أن الحالة المتردية للبنية التحتية الليبية تؤدي إلى تسرب متكرر للميثان، وهو من الغازات الدفيئة فائقة القوة، ناجم عن صناعة النفط والغاز المحلية.

وأضافت: "بهذه الطريقة، يمكن اعتبار البنية التحتية الهشة في ليبيا تهديداً مزدوجاً. فالاحترار العالمي قد تسبب في زيادة حدة العاصفة التي دمرت البلاد هذا الشهر، مما فاقم احتمالية حدوثها بمقدار 50 مرة، وزيادة شدتها بما يكفي لتدمير السدود المتقادمة، وفقاً لتقرير صادر عن علماء من مؤسسة "الإسناد العالمي للطقس".

وأتى الفيضان على ربع درنة، وقسم المدينة إلى قسمين. ولا تزال العديد من الطرق مغمورة بالمياه، والقليل من المساحات المتبقية مزدحمة بالأشخاص الذين يحاولون مغادرة المنطقة أو دخولها.

وتقيم السلطات في شرق ليبيا وغربها نقاط تفتيش على الطرق، وهناك حاجة إلى تصاريح متعددة للانتقال من جانب إلى آخر.

المصدر | الخليج الجديد + وكالات

  كلمات مفتاحية

درنة فيضانات ليبيا ليبيا كارثة مناخية البنية التحتية