تحليل: "سعودية بن سلمان" تتحول للقومية بدلا من الدين لهذه الأسباب

الأحد 1 أكتوبر 2023 09:27 م

اعتبر أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون، برنارد هيكل، أن السعودية تشهد تحولا قوميا منذ صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمنصبه في 21 يونيو/حزيران 2017، مؤكدا أن الأخير يعتقد أن اعتماد القومية بديلا عن الدين هو السبيل الوحيد لبقائه.

واستشهد هيكل في تحليل نشره بموقع "بروجيكت سنديكيت"، بمراسم احتفال السعوديين (خاصة الشباب الذين يشكلون أغلبية السكان) هذا العام باليوم الوطني السعودي في 23 سبتمبر/أيلول، وخروجهم بأعداد كبيرة للتلويح بالأعلام والرقص ومشاهدة العروض العسكرية.

ورأى هيكل أن ولي العهد يقود تحولا كبيرا سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي؛ بهدف تحويل بلاده من دولة نفطية ريعية إلى قوة جيوسياسية كبرى ذات اقتصاد متنوع، وبالتالي فإن الإصلاحات الداخلية الطموحة في المملكة وأجندة السياسة الخارجية ترتبط ارتباطا وثيقا.

وبتشجيع من بن سلمان، الزعيم الفعلي للمملكة، تسلط موجة العروض الوطنية الضوء على الدوافع الكامنة وراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية الأخيرة في البلاد.

إصلاحات داخلية وخارجية

وعلى صعيد الجبهة السياسية الخارجية، وافقت السعودية على التطبيع مع إيران بوساطة صينية، كما تنخرط في محادثات مع إسرائيل، بوساطة الولايات المتحدة، لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية.

وفي غضون ذلك، تمكنت من الانضمام إلى مجموعة بريكس التي تضم الاقتصادات الناشئة الكبرى؛ وشرعت في بذل الجهود لإنهاء الحرب في اليمن.

على الصعيد الداخلي، اتبعت المملكة في عهد ولي العهد تحولًا كبيرًا يتضمن المركزية وتوحيد السلطة؛ وقمع المعارضة، وخاصة من الإسلاميين الذين يدعون إلى نموذج سياسي بديل؛ ومراجعة التاريخ السعودي والمناهج المدرسية لتتماشى مع روايات النظام.

من ناحية أخرى، قامت المملكة باستثمارات ضخمة في الرياضات الدولية (وخاصة الجولف وكرة القدم) واعتمدت سياسة لإنتاج النفط أكثر توافقاً مع احتياجاتها المالية الطويلة الأجل.

وذكر هيكل إن الغرض الأساسي من إصلاحات بن سلمان هي تحويل المملكة من دولة ريعية تعتمد في الغالب على عائدات النفط إلى اقتصاد متنوع يمكنه توليد دخل لا علاقة له بقطاع النفط والغاز.

ولتحقيق هذه الغاية، أطلقت الحكومة عدة مشاريع "كبرى"، وتُعَد مدينة نيوم، المحايدة للكربون والتي يجري تطويرها بالقرب من البحر الأحمر بتكلفة مذهلة، مثالا واضحا على ذلك.

أخطاء تاريخية

ورأى هيكل أنه من أجل فهم التطورات الجارية في المملكة يجب الاهتمام بما قاله بن سلمان (في السر والعلن) حول سياسيات السعودية السابقة منذ عام 2016.

وأشار إلى أن ولي العهد يجادل بأن أسلافه اتبعوا سياسات فاشلة وحكموا بطرق أضرت بالمصالح الوطنية للبلاد، على سبيل المثال، فهو يعتبر تأييد المملكة في وقت سابق للإسلاميين ــ جزئياً رداً على المعارضة الدينية الداخلية والتهديد الذي تفرضه الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ــ كان خطأً فادحاً.

ومن وجهة نظر بن سلمان، فإن بدلاً من تعزيز الاستقرار، خلقت هذه السياسيات أعداء، مع سعي الإسلاميين المتطرفين (تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية) في نهاية المطاف إلى محاولة إنهاء حكم أسرة آل سعود.

وبحسب هيكل، فإن ولي العهد يعتقد أن النظام السعودي في الفترات السابقة كان يجب أن يعتمد على القومية، بدلاً من الدين، كوسيلة لضمان بقائه.

علاوة على ذلك، يؤكد بن سلمان أن الفساد المستشري وعدم الكفاءة البيروقراطية قوض بشكل كبير استقرار السعودية.

وذكر هيكل أن الإصلاحات الداخلية في السعودية ترتبط بأجندة السياسة الخارجية بشكل لا ينفصم؛ لأن نجاح المشروع الاقتصادي في المملكة يعتمد على قدرتها على تأمين السلام والاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

يرى بن سلمان أن المملكة قوة جيوسياسية رائدة وحلقة وصل للتجارة والنقل والخدمات اللوجستية والاتصالات بين الشرق والغرب، وهذا الهدف هو القوة الدافعة وراء محادثات التطبيع مع إسرائيل.

وذكر هيكل أن الصراع بين إسرائيل والعالم العربي كان لفترة طويلة مصدراً لعدم الاستقرار الإقليمي. علاوة على ذلك، توفر إسرائيل بوابة إلى البحر الأبيض المتوسط؛ مما يجعلها حلقة وصل استراتيجية بالغة الأهمية في شبكة عالمية واسعة تمتد من الهند إلى أوروبا.

والأهم من ذلك أن بن سلمان يرى أن إحجام الحكومات السعودية السابقة عن تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط ــ وهو الجهد الذي بدأ رسميا في الستينيات ــ أمر لا يمكن تبريره، كما يعتقد أن المملكة يجب أن تعالج هذه الأخطاء التاريخية بشكل عاجل، قبل فوات الأوان.

وقال هيكل إن بن سلمان دائما ما يعتمد على البيانات وكثيراً ما يقارن بلاده بالدول الأخرى، عندما يتحدث، يبدو أشبه بالرئيس التنفيذي لشركة تهدف إلى الهيمنة على السوق أكثر من كونه زعيمًا سياسيًا تقليديًا.

وحتى مع تحرك الولايات المتحدة والصين نحو الفصل الاقتصادي ومحاولة إنشاء سلاسل توريد جديدة، فإنه يدعو إلى نظام اقتصادي ليبرالي عالمي.

وقد بذل بن سلمان جهوداً لتعزيز العلاقات التجارية القوية مع كل من الولايات المتحدة والصين والهند، وهي الدول الثلاثة التي من المرجح أن تشكل القرن الحادي والعشرين.

يبدو بارعا

وبالرغم من نزعته نحو الانفتاح الاقتصادي، فإن بن سلمان عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي والتحالفات الاستراتيجية، يظل مؤيدًا بشدة لأمريكا.

ونظراً لأن الجيش السعودي مجهز ومدرب إلى حد كبير من قبل الولايات المتحدة، فإن إنهاء هذه العلاقة سيكون مكلفاً للغاية.

يمكن النظر إلى السعودية في عهد بن سلمان على أنها قوة ناشئة تطمح إلى استخدام أصولها المتاحة لتطوير وتنويع اقتصادها.

وفي الوقت نفسه، تهدف المملكة إلى الاستفادة من مواردها وعلاقاتها الدبلوماسية لتعزيز نفوذها في عالم منقسم بشكل متزايد بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، وبدرجة أقل أوروبا.

وخلص هيكل إلى أنه "إذا حكمنا من خلال تحركات السياسة الخارجية الأخيرة التي اتخذها بن سلمان ــ مثل حمل الصين على التوسط في نزاعه مع إيران والولايات المتحدة على القيام بنفس الشيء مع إسرائيل ــ فمن المؤكد أنه يبدو بارعا في الإبحار بمشهد جيوسياسي بالغ الصعوبة".

المصدر | برنارد هيكل/بروجيكت سنديكيت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية القومية الدين محمد بن سلمان تنويع الاقتصاد