بعد 5 سنوات.. لماذا تغاضى العالم عن قتل خاشقجي وأوقف حملته ضد السعودية؟

الاثنين 2 أكتوبر 2023 08:14 م

طالب ناشطون حقوقيون منخرطون في قضية تحقيق العدالة لجريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، المجتمع الدولي بضرورة تحجيم التعامل مع حكام المملكة، معبرين عن استيائهم من تغاضي الدول عن الواقعة إعلاءً لمصالحها مع المملكة.

جاء ذلك وفق تقرير نشره موقع إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله" (DW) بمناسبة مرور 5 سنوات على قتل خاشقجي بسفارة بلاده في إسطنبول.

وحسب التقرير، قال المدير السعودي لمؤسسة "مبادرة الحرية"، التي تتخذ من واشنطن مقرا، عبدالله العودة: "ندرك أننا نعيش في عالم حقيقي وأن الحكومات يجب أن تتعامل مع السعودية".

واستدرك: "لكن تجاهل حقوق الإنسان وتجاهل القيم الديمقراطية الأساسية عند التعامل مع النظم الديكتاتورية والاستبدادية لا يخدم المصالح الاستراتيجية لأي بلد أو يعزز من قيم حقوق الإنسان".

وأوضح العودة: "عندما تكون المقايضة بين الحرية والأمن، فلن يحصل المرء على أي منهما"، وذلك في مقابلة له مع  "دي دبليو".

بدورها، قالت لينا الهذلول، شقيقة الناشطة لجين الهذلول ورئيسة قسم الاتصالات والمراقبة في منظمة "القسط" لحقوق الإنسان ومقرها لندن: "عند التعامل مع السعودية، نعتقد أن هناك طريقة للمناورة في السياسة الحالية دون أن نكون ساذجين، حيث يمكن شراء النفط السعودي وانتقاد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في السعودية في نفس الوقت".

وأضافت: "تمتلك السعودية نفوذا، لكن دول العالم، وخاصة الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، تمتلك نفوذا أيضا على السعودية ويجب عليها استغلال ذلك".

يذكر أن لينا كانت تناضل لسنوات ماضية من أجل تحقيق العدالة في قضية شقيقتها الناشطة البارزة في حقوق المرأة السعودية، لجين الهذلول، التي أفرجت عنها السلطات السعودية في فبراير/ شباط من عام 2021.

واعتقلت الهذلول (31 عاما) مع ناشطات حقوقيات أخريات ضمن حملة اعتقالات في مايو/ أيار 2018، قبل أسابيع قليلة من رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في السعودية، الأمر الذي كانت تطالب به الناشطة بإلحاح؛ ما أثار ردود فعل دولية منددة.

وكانت محكمة في الرياض قضت في ديسمبر/ كانون الأول عام 2020 بسجن الهذلول خمس سنوات وثمانية أشهر بعدما أدانتها بالتحريض على "تغيير النظام وخدمة أطراف خارجية"، لكن المحكمة أرفقت الحكم بوقف تنفيذه لمدة سنتين وعشرة أشهر، وهو ما يعني أنها كانت قد قضت ثلاث سنوات تقريبا في الحبس الاحتياطي، الأمر الذي عجل بخروجها.

ورغم الإفراج عنها، إلا أن المحكمة قررت منع لجين من السفر لمدة خمس سنوات.

وفيما يتعلق بالداعية سلمان العودة، فقد كان من بين شخصيات تم توقيفهم في منتصف أيلول/سبتمبر 2017، بينهم كتّاب وصحافيون، في سياق حملة قمع استهدفت معارضين في المملكة فيما ذكر مقرّبون منه أن السعودية طلبت من رجل الدين وآخرين دعم الرياض علنا في خلافها مع قطر المجاورة، لكنه رفض، بحسب ما ذكر الموقع الألماني.

يشار إلى أن العودة كان قد أوقف بعدما نشر تغريدة في سبتمبر/ أيلول 2017 رحّب فيها بطريقة غير مباشرة بإمكانية التوصل إلى حل للأزمة مع قطر.

اهتمام متضاءل

وفيما يتعلق بقضية خاشقجي، قالت لينا الهذلول وعبدالله العودة إنه "على الرغم من أن جريمة مقتل خاشقجي مازالت واحدة من أبرز الانتهاكات السعودية، لكن على مدى السنوات القليلة الماضية، يبدو أن اهتمام العالم قد تضاءل".

وحسب التقرير، تركز اهتمام وسائل الإعلام الدولية خلال الشهر الماضي في تغطيتها للوضع في أكبر منتج للنفط في العالم على قضايا مثل مسار التطبيع المحتمل مع إسرائيل والاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة وأيضا إعلان شركة "لوسيد" لصناعة السيارات الكهربائية عن تدشين أول مصنع عالمي لها في مدينة جدة.

وذكر الموقع: "لم يكن هذا الحال قبل خمس سنوات، حيث كان تركيز عناوين الصحف الرئيسية منصبا على قضية مقتل خاشقجي في تغطيتها القضايا المرتبطة بالسعودية، فعلى سبيل المثال عنونت صحيفة الجارديان تقريرا عن السعودية قائلة: جمال خاشقجي.. جريمة قتل في القنصلية".

وكان الصحفي السعودي في السابق شخصية بارزة في السعودية، حيث كانت عائلته مقربة من العائلة الملكية منذ فترة طويلة، لكن مع صعود الأمير محمد بن سلمان، إلى السلطة، لم يعد خاشقجي من الكُتاب والإعلاميين المقربين والمفضلين لولي العهد السعودي.

وعقب انتقاله لمنفاه الاختياري بالولايات المتحدة عام 2017، شرع خاشقجي في توجيه انتقادات لسياسة ولي العهد ولتدخل السعودية في النزاع اليمني، فيما يكتب عمودا صحفيا بشكل منتظم في صحيفة "واشنطن بوست"، ينتقد من خلاله توجهات المملكة.

وكان يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، فاصلا في حياة الصحفي السعودي، الذي دخل قنصلية بلاده في إسطنبول ثم اختفى، حيث كان خاشقجي يستعد للزواج من التركية خديجة جنكيز، ولإتمام ذلك لابد له من الحصول على وثيقة طلاق من زوجته الأول، وفق ما ذكرته خديجة.

وفي ذلك الوقت، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن "سيناريو قتل مرعب نقلا عن مسؤول تركي رفيع المستوى، مفاده أن الصحفي خاشقجي قتل بعد ساعتين من وصوله قنصلية بلاده في إسطنبول وتم تقطيع جسده بمنشار".

ومع الكشف عن تفاصيل مروعة حول ملابسات مقتل خاشقجي، قال مسؤولون سعوديون: إن الصحفي قتل في "عملية مارقة قام بها فريق من العملاء أرسل لإقناعه بالعودة إلى المملكة، لكن العناصر المارقة نفذت العملية دون علم القيادة السعودية وولي العهد الذي نفى أي تورط شخصي في جريمة القتل".

وبعد أكثر من عام على الجريمة، أصدر القضاء السعودي خلال ديسمبر/كانون الأول عام 2019، أحكاما بإعدام خمسة متهمين في قضية مقتل خاشقجي فيما حكم على ثلاثة آخرين بالسجن لمدة 24 عاما بتهمة "التستر على الجريمة ومخالفة القانون".

لكن في سبتمبر/ أيلول عام 2020، خففت محكمة سعودية أحكام الإعدام الصادرة، حيث حُكم عليهم بالسجن 20 عاما بعد أن قررت أسرة خاشقجي العفو عنهم، فيما أعلنت السلطات السعودية إغلاق القضية.

وتعرضت الرواية الرسمية السعودية لانتقادات وتشكيك واسع، كما أنها تناقضت مع ما خلصت إليه الاستخبارات الأمريكية والتركية والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بعمليات القتل خارج نطاق القانون.

دور بن سلمان

وفي فبراير/ شباط 2021، قال تقرير للمخابرات الأمريكية إن ولي العهد السعودي وافق على عملية للقبض على خاشقجي أو قتله في عام 2018.

وقال مكتب مدير المخابرات في التقرير: "نحن نرى أن بن سلمان وافق على عملية في إسطنبول بتركيا للقبض على الصحفي خاشقجي أو قتله. نحن نبني هذا التقييم على سيطرة ولي العهد على عملية صنع القرار في المملكة والضلوع المباشر لمستشار رئيسي وأفراد من فريق حماية بن سلمان في العملية ودعم ولي العهد لاستخدام تدابير عنيفة لإسكات المعارضين في الخارج ومنهم خاشقجي".

وجاء في التقرير: "يملك ولي العهد منذ 2017 سيطرة مطلقة على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في المملكة مما يجعل من المستبعد للغاية أن ينفذ مسؤولون سعوديون عملية بهذه الطبيعة دون موافقته".

ورغم الاهتمام الإعلامي الكبير بما كشفت عنه الاستخبارات الأمريكية، إلا أن الأمر لقي استهانة من داخل السعودية، في المقابل، كانت هناك محاولات أخرى لتحقيق بعض العدالة في جريمة مقتل خاشقجي، بحسب "دي دبليو".

أما في عام 2020، فبدأت محكمة في إسطنبول محاكمة 26 مسؤولا سعوديا غيابيا، بتهم القتل مع سبق الإصرار أو إتلاف أدلة، فيما رفضت السعودية تسليمهم إلى السلطات التركية.

كما قررت السلطات في واشنطن إطلاق اسم جمال خاشقجي على شارع يقع أمام مبنى السفارة السعودية في العاصمة الأمريكية.

وفي أبريل/نيسان عام 2022، أوقفت السلطات التركية المحاكمة، وقال قاض تركي إن القضية ستنقل الآن إلى السعودية بعد أن وافق وزير العدل التركي على طلب المدعي العام وقف المحاكمة، على أساس أن غياب المتهمين أعاقها.

ويُضاف إلى مساعي تحقيق العدالة في جريمة مقتل خاشقجي، إقامة دعوى قضائية في الولايات المتحدة من قبل جنكيز ومنظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" أو "DAWN" التي أسسها خاشقجي قبل مقتله.

بيد أن القضية رُفضت في نهاية عام 2022، عندما قضت الحكومة الأمريكية بأن بن سلمان يتمتع بالحصانة من الملاحقة القضائية لأنه زعيم دولة.

كذلك تصدرت حنان العتر، أرملة خاشقجي، عناوين الصحف بعد أن رفعت دعوى قضائية ضد مجموعة "إن إس أو" وهي الشركة المُنتجة لبرنامج التجسس الإسرائيلي "بيجاسوس"، في وقت سابق من العام الجاري، حيث زعمت أن الشركة سمحت للسلطات السعودية بقرصنة هاتفها وهاتف زوجها.

وذكر الموقع الألماني أنه رغم بعض الإجراءات القانونية الجارية لتحقيق العدالة في قضية خاشقجي، يبدو أن المجتمع الدولي قد تغاضى عن الأمر ضمنيا.

فبعد أن تعهد بايدن بتحويل السعودية إلى "دولة منبوذة " خلال حملته الرئاسية عام 2019، قدم وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تهانيه للسعودية بمناسبة يومها الوطني، قائلا: "الولايات المتحدة تقدر بشدة العلاقات المتينة التي جمعتنا بالسعودية خلال العقود الثمانية الماضية".

ووفق الموقع، يقول مراقبون إن حكومات الدول الغربية تتجاهل بشكل متعمد انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية إعلاءً لمصالح مع أكبر منتج للنفط في العالم.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

جمال خاشقجي السعودية تركيا ذكرى اغتيال جمال خاشقجي عبدالله العودة لينا الهذلول

إطلاق اسم خاشقجي على الميدان المقابل للقنصلية السعودية في لوس أنجلوس

بعد 5 سنوات من مقتل خاشقجي.. كيف يمكن للديمقراطيات محاسبة السعودية على انتهاكاتها؟

من السعودية إلى تركيا.. مأساة خاشقجي كما ترويها سارة واتسون