ستراتفور: لا حرب وشيكة بين صربيا وكوسوفو.. لكن العنف مرشح للتصاعد

الخميس 5 أكتوبر 2023 02:00 م

سلط معهد "ستراتفور" الضوء على التوتر المتصاعد بين صربيا وكوسوفو، واصافا الانتشار العسكري الصربي الأخير على طول الحدود مع كوسوفو بأنه "لا ينذر بغزو وشيك، لكن تصعيد التوترات الأخير بين البلدين سيقوض خطة التطبيع التي يتوسط فيها الاتحاد الأوروبي".

وذكر تقدير، نشره المعهد عبر موقعه الإلكتروني وترجمه "الخليج الجديد"، أن تصاعد التوتر يزيد من خطر وقوع المزيد من حوادث العنف بشمال كوسوفو في الأسابيع المقبلة، في إشارة إلى هجوم مسلح استهدف الشرطة قبل أسبوع.

وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، أن الولايات المتحدة شهدت بدء القوات الصربية في الانسحاب من الحدود مع كوسوفو، وذلك بعد أن كشف، في 29 سبتمبر/أيلول، عن نشر "غير مسبوق" للقوات الصربية على طول الحدود وأعلن أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) سينشر المزيد من قوات حفظ السلام في شمال كوسوفو لردع أي غزو محتمل.

وفي أعقاب ضغوط من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، صرح المسؤولون الصرب أنهم سحبوا بعض القوات التي كانت متمركزة بالقرب من الحدود مع كوسوفو، ما خفض العدد الإجمالي من 8350 إلى 4500 جندي.

وفي مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" في 2 أكتوبر/تشرين الأول، قال الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، إن بلغراد لا تسعى إلى حرب مع كوسوفو، وأكد قائد جيشه الجنرال، ميلان موسيلوفيتش، أن البلاد لم "ترفع مستوى الاستعداد".

وجاءت هذه التطورات بعد وقت قصير من وقوع حادث مميت في شمال كوسوفو (مأوى قرابة 50 ألفاً من الصرب الذين لا يعترفون بسلطة بريشتينا).

 وفي 24 سبتمبر/أيلول، هاجم 30 مسلحًا صربيًا مسلحًا قوات شرطة كوسوفو في قرية بانجسكا، بالقرب من مدينة ميتروفيتشا المقسمة عرقيًا، ما أسفر عن مقتل 3 مهاجمين وضابط واحد بعد تبادل لإطلاق النار في دير أرثوذكسي صربي محلي. وقالت سلطات كوسوفو إن التحقيق اللاحق وجد أدلة مقنعة تشير إلى تورط صربيا وروسيا في الهجوم.

ويأتي التصعيد الأخير مع تعثر المفاوضات بين كوسوفو وصربيا لتطبيع العلاقات بينهما، بسبب إحجام بريشتينا عن إنشاء اتحاد للبلديات الصربية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال كوسوفو.

وحاول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منذ فترة طويلة إقناع كوسوفو وصربيا بإنهاء الخلاف وتطبيع العلاقات بعد أن أعلنت الأولى استقلالها من جانب واحد عن الأخيرة في عام 2008.

ورغم أن صربيا لم تعترف بعد بسيادة كوسوفو، فقد انخرطت الدولتان في عملية تطبيع طويلة ومعقدة يرعاها الاتحاد الأوروبي كجزء من سعيهما للانضمام إلى الكتلة.

ووجدت المفاوضات زخمًا جديدًا خلال العام الماضي، حيث ضغطت بروكسل وواشنطن على الجانبين للتوصل إلى اتفاق وسط تصاعد التوترات العرقية في شمال كوسوفو ذات الأغلبية الصربية والتي هددت بمزيد من تقويض الوضع الأمني في أوروبا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وظهرت علامات التسوية أخيراً في مارس/آذار 2023، عندما وافق فوتشيتش ورئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، على خطة توسط فيها الاتحاد الأوروبي نحو التطبيع، لكن دون التوقيع عليها.

ومع ذلك، فإن رفض بلغراد المستمر الاعتراف بسيادة كوسوفو وإحجام بريشتينا عن تنفيذ اتفاق عام 2013 الذي توسط فيه الاتحاد الأوروبي لإنشاء رابطة البلديات ذات الأغلبية الصربية في شمال كوسوفو، أدى إلى وصول محادثات التطبيع إلى طريق مسدود.

     وبموجب خطة الاتحاد الأوروبي، لن يُطلب من صربيا الاعتراف رسميًا بكوسوفو كدولة مستقلة، لكن سيتعين عليها الاعتراف بوثائق كوسوفو الرسمية (مثل جوازات السفر والدبلومات ولوحات الترخيص) والتوقف عن محاولة عرقلة عضويتها في المنظمات الدولية.

 وفي المقابل، يتعين على كوسوفو أن تعمل على إنشاء رابطة للبلديات ذات الأغلبية الصربية، وهو المطلب الرئيسي لبلغراد.

وإذا كانت صربيا متورطة بشكل مباشر، فإن الهجوم الأخير في بانجسكا قد يكون محاولة من جانب بلغراد لتقويض سيادة كوسوفو مع الحفاظ على قدر معقول من الإنكار والاستمرار في الارتباط مع الغرب، حسب تقدير "ستراتفور".

 واتهمت سلطات كوسوفو بلغراد بتدبير الكمين في بانجسكا، وقال رئيس الوزراء كورتي إن الكمية الهائلة من الأسلحة والذخيرة التي عثر عليها في مكان الحادث تم تصنيعها في صربيا ولا يمكن شراؤها من السوق المفتوحة.

وإذا كانت بلغراد متورطة بطريقة أو بأخرى في الهجوم، فقد تكون هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أكبر لإثارة صراع في شمال كوسوفو مع الحفاظ على إمكانية الإنكار المعقول.

هدف صربيا

وبالنسبة لصربيا، فإن مثل هذا التكتيك يمكن أن يخدم غرضين:

 الأول هو خلق ذريعة لطلب آخر من حلف شمال الأطلسي للسماح للقوات الصربية بالتدخل في شمال كوسوفو بهدف ظاهري، يتمثل حماية العرق الصربي.

الثاني هو إجبار قوات حفظ السلام الدولية في كوسوفو على تعزيز وجودها واستئناف المسؤوليات الأمنية الأساسية، ما يؤدي فعلياً إلى تهميش بريشتينا.

إن أياً من هذين السيناريوهين من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من تقويض سيادة كوسوفو وتمكين بلغراد من الحفاظ على ارتباطها بالغرب من دون الاضطرار إلى معالجة القضية المؤلمة سياسياً والمتمثلة في الاعتراف بكوسوفو.

وفي هذه الحالة فإن أي خطة تسوية للاتحاد الأوروبي ستكون معقدة إلى حد كبير، ولكنها لن تكون ميتة تماماً، بحسب "ستراتفور".

وبوسع بلغراد أيضاً أن تستخدم الوضع الراهن الجديد لانتزاع التنازلات على طاولة المفاوضات، مثل إرغام بريشتينا أخيراً على التنازل عن الحكم الذاتي المحلي للصرب في شمال كوسوفو، في حين تعمل على تقليص مدى اعترافها بحكم الأمر الواقع بدولة كوسوفو.

     وفي بيان أرسله لصحيفة "فايننشال تايمز" في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نفى فوتشيتش أي تورط في هجوم 24 سبتمبر/أيلول، وذكر أنه ليس لديه رغبة في غزو كوسوفو، بحجة أن تصعيد الصراع سيكون له نتائج عكسية على تطلعات بلغراد الخاصة في تحقيق أهدافها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

 وقال حلف شمال الأطلسي، الذي لديه بالفعل 4500 جندي في كوسوفو، في بيان أصدره يوم 29 سبتمبر/أيلول إنه "أذن بإرسال قوات إضافية لمعالجة الوضع الحالي"، ثم أعلنت المملكة المتحدة، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، أنها ستنشر أيضًا حوالي 600 جندي في كوسوفو لتعزيز قوة الناتو في كوسوفو.

ولدى الاتحاد الأوروبي حوالي 450 جنديًا في كوسوفو، يعملون وبشكل منفصل كـ "مستجيب أمني ثان" بعد قوات الشرطة النظامية في كوسوفو.

 وبعد تصاعد التوترات بشمال كوسوفو، في ديسمبر/كانون الأول 2022، طلب فوتشيتش من الناتو الإذن بنشر قوات صربية في المنطقة للمساعدة في مهمة حفظ السلام، لكن طلبه قوبل بالرفض.

وبعد حادث بانجسكا، طلب فوتشيتش أيضًا، في 3 أكتوبر/تشرين الأول، أن تتولى قوات كوسوفو المسؤولية باعتبارها الوكالة الوطنية الوحيدة لإنفاذ القانون في شمال البلاد.

وعلى النقيض من ذلك، إذا لم يكن لبلغراد أي دور مباشر في الحادث، فإن ذلك قد يشير إلى قدر أكبر من عدم الاستقرار في شمال كوسوفو وضعف قدرة الغرب على احتواء العنف في المنطقة.

وهنا يشير تقدير "ستراتفور" إلى أن وقوع هجوم 24 سبتمبر/أيلول دون توجيه أو موافقة بلغراد، أو على الأقل معرفتها، غير مرجح؛ نظراً للوجود القوي لأجهزة المخابرات الصربية في شمال كوسوفو، لكنه، حال التيقن منه، يعني أن صرب كوسوفو أصبحوا الآن في وضع حرج، ويتصرفون بمبادرة منهم، متحررين من سيطرة بلغراد.

وفي حين أن المزيد من العنف الشعبي سيكون أقل حجماً من التدخل المسلح الذي تدعمه صربيا، فإن السيناريو الذي يتصرف فيه الصرب في شمال كوسوفو بشكل مستقل من شأنه أن يعقد المفاوضات التي يتوسط فيها الاتحاد الأوروبي من خلال التشكيك في قدرة صربيا (أو كوسوفو) على دعم أي اتفاق، حيث يمكن للجهات الفاعلة المحلية أن تلعب دور المفسد.

واعترف ميلان رادويتشيتش، وهو سياسي من صرب كوسوفو، بتنظيم هجوم 24 سبتمبر/أيلول في بانجسكا، وأعلن مسؤوليته الكاملة ونفى إجراء أي اتصال مع الحكومة الصربية فيما يتعلق بالعملية. وكانت السلطات الصربية قد ألقت القبض على رادويتشيتش في 3 أكتوبر/تشرين الأول، واتهمته بتصنيع الأسلحة النارية وتهريبها بشكل غير قانوني إلى كوسوفو بعد أن اعترف بتورطه في الهجوم، لكنها أطلقت سراحه في 4 أكتوبر/تشرين الأول.

ورغم أن الغزو الصربي لكوسوفو يظل غير مرجح، فإن الهجوم الأخير من شأنه أن يقوض التقدم نحو التطبيع ويزيد من خطر وقوع المزيد من الهجمات التي قد تؤدي إلى تدهور الوضع الأمني بشكل كبير.

ورغم تصاعد التوترات في الآونة الأخيرة، فإن انخفاض عدد القوات الصربية المتجمعة على الحدود مع كوسوفو يشير إلى تراجع التصعيد في الأزمة المباشرة بين البلدين، ويؤكد أن الغزو الكامل والعودة إلى صراع مسلح واسع النطاق غير مرجح في الوقت الراهن.

ويرجع هذا إلى وجود قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي (والاتحاد الأوروبي) في كوسوفو، والتي تشكل رادعاً قوياً لبلغراد ضد أي هجوم قد يؤدي إلى اندلاع مواجهة عسكرية مع الغرب.

آمال التطبيع

ومع ذلك، يشير تقدير "ستراتفور" إلى أن الوضع ما زال متوتراً للغاية بين البلدين ومتقلباً على نحو متزايد في شمال كوسوفو الذي تسكنه أغلبية صربية.

وهذا يعني أن أي آمال في التطبيع من المرجح أن تكون غير مطروحة على الطاولة في المستقبل المنظور، حيث ستكون أولوية الغرب هي احتواء خطر منع المزيد من أعمال العنف والاضطرابات العرقية.

وعلى هذه الخلفية فإن الوضع في شمال كوسوفو قد يتدهور بسرعة إذا ثبت أن الهجوم الأخير في بانجسكا ليس حادثاً معزولاً بل جزءاً من حملة أوسع لزعزعة الاستقرار، سواء من صربيا أو من الصرب المحليين الذين يعملون بشكل مستقل عن بلغراد.

وقد تشهد مثل هذه الحملة شن هجمات مماثلة ضد قوات الشرطة النظامية في كوسوفو في أجزاء أخرى من المنطقة حيث ينظر إليها الصرب المحليون على أنهم محتلون، ما يزيد بشكل كبير من المخاطر التصعيدية.

وفي سيناريو منخفض الاحتمال ولكنه عالي التأثير، فإن التصعيد الخطير في أعمال العنف في شمال كوسوفو، والذي يلحق الضرر بالعرقية الصربية، قد يؤدي إلى تقليص القيود التي تفرضها بلغراد على العمل العسكري، وهو ما قد يدفع صربيا، في نهاية المطاف، إلى التدخل عسكرياً على الرغم من وجود قوات حفظ السلام الدولية.

ومن المتوقع أن يزداد خطر حدوث اضطرابات عنيفة في الأسابيع المقبلة، حسب تقدير "ستراتفور"، حيث تستعد كوسوفو لإجراء انتخابات جديدة، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، بالبلديات الأربع ذات الأغلبية الصربية التي شهدت احتجاجات وأعمال شغب عنيفة في الأشهر الأخيرة.

وإذا ظل كورتي مترددًا في تنفيذ الارتباط الموعود للبلديات المتمتعة بالحكم الذاتي في المنطقة، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى المزيد من المقاطعة من قبل السكان الصرب، ما قد يؤدي إلى تجدد المظاهرات والعنف، ويزيد من المخاطر التصاعدية.

وسبق أن تصاعدت التوترات في مايو/أيار الماضي بعد اندلاع اشتباكات في مناطق ليبوسافيتش وزوبين بوتوك وميتروفيتشا وزفيتشان، ذات الأغلبية الصربية، في كوسوفو، حيث حاول الصرب منع رؤساء البلديات من أصل ألباني، الذين تم انتخابهم في انتخابات أبريل/نيسان 2023، التي قاطعها أغلب الصرب المحليون، من الترشح.

وأدت أعمال الشغب إلى إصابة أكثر من 50 متظاهرا بالإضافة إلى 30 من قوات حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي.

المصدر | ستراتفور/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صربيا كوسوفو جون كيربي البيت الأبيض الاتحاد الأوروبي حلف شمال الأطلسي الناتو