استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

غزة – فلسطين: «طوفان الأقصى» أو حقّ المقاومة

السبت 21 أكتوبر 2023 03:29 ص

غزة – فلسطين: «طوفان الأقصى» أو حقّ المقاومة

هل هناك «مدنيون طيّبون» يستحقون الدموع من أجلهم، وآخرون «سيئون»: فلسطينيون يُقتلون يومياً بالضفة الغربية ولا يثير موتهم إلا أقل استنكار؟

إذا كانت رغبة مصر وسوريا في إنهاء احتلال سيناء والجولان شرعية عام 1973 فكيف تكون رغبة الفلسطينيين بتحرير أنفسهم من احتلال إسرائيل غير شرعية بعد مرور 56 عاماً؟

سيكون لطوفان الأقصى تداعيات سياسية وجيوسياسية يصعب تقييمها حاليا. لكن ما تؤكده الأحداث هو أن الاحتلال يطلق العنان دائماً لمقاومة يتحمل المحتل وحده مسؤوليتها.

الجنرال ديغول بعد عدوان 1967 الإسرائيلي: «والآن تُنظّم إسرائيل على الأراضي التي احتلتها احتلالاً لا يمكن أن يوجد دون ظلم وقمع وترحيل. وعلى تلك الأراضي تظهر مقاومة ضدها تصفها بالإرهاب...».

* * *

حصل ذلك أيضاً في شهر أكتوبر/تشرين الأوّل، منذ خمسين سنة تحديداً، عام 1973. كانت الجيوش المصرية والسورية قد عبرت خطوط وقف إطلاق النار لتُلحق خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي، فارتجّت تل أبيب لهول ما وقع.

فرغم حصول أجهزة استخباراتها على معلومات تفيد بهجوم وشيك، التحفت القيادة السياسية بغطرستها: أنّى للعرب الذين هُزموا في عام 1967 أن يكونوا قادرين على القتال؟ فبالنسبة إلى الإسرائيليين، كان من الممكن أن يستمر احتلال الأراضي العربية دون ردّة فعل وإلى أجل غير مسمى.

«هل هو اعتداء عندما يحاول أحدهم أن يعود إلى منزله؟»

أدان العديد من المعلّقين في أوروبا والولايات المتحدة في ذلك الوقت «العدوان» المصري السوري غير المبرّر وغير الأخلاقي و«غير المسبَّب»، وكم يحبّ زعماء إسرائيل هذه العبارة التي تسمح لهم بالتعتيم على جذور الصراع، أي الاحتلال. وقد بدا من ميشيل جوبير، وزير الخارجية الفرنسي في ذلك الوقت، وعي مشرّف لبلاده: «هل هو اعتداء عندما يحاول أحدهم أن يعود إلى منزله؟» صحيح أن صوت باريس في ذلك الوقت كان يحلّق عالياً فوق الهرج الغربي، وكان يؤكّد أن الاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين وإجلاء الأراضي العربية المحتلة عام 1967 هما مفتاحا السلام.

إذا كانت الرغبة في إنهاء احتلال سيناء والجولان شرعية عام 1973، فكيف تكون رغبة الفلسطينيين بتحرير أنفسهم من الاحتلال الإسرائيلي غير شرعية اليوم، بعد مرور خمسين عاماً؟

كما في حرب أكتوبر، فوجئت تل أبيب بالمبادرة الفلسطينية ومُنيت بهزيمة عسكرية ذات حجم استثنائي. وكما في حرب أكتوبر أيضاً، ساهمت غطرسة المحتل، واحتقاره للفلسطينيين، وقناعة هذه الحكومة اليهودية المتعصّبة بأن «الله إلى جانبها»، في عماها.

لم يكن الهجوم الذي شنّته القيادة العسكرية المشتركة لأغلب التنظيمات الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مفاجئاً فقط بسبب التوقيت الذي تم اختياره، بل أيضاً بحجمه وتنظيمه، وبقدراته العسكرية المنتشرة والتي مكّنت، من بين أمور أخرى، من اجتياح القواعد العسكرية الإسرائيلية.

لقد وحّدت هذه العمليّة كل الفلسطينيين، وأثارت دعماً واسع النطاق في العالم العربي، رُغم سعي قادته إلى التطبيع مع إسرائيل والتضحية بفلسطين. حتى محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية التي يعود وجودها بالأساس إلى تعاونها الأمني مع الجيش الإسرائيلي، شعر بنفسه مضطرّاً إلى الإعلان عن «حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال»، وعن «ضرورة توفير الحماية لأبناء شعبنا».

جميعهم إرهابيون!

في كل مرة ينتفض فيها الفلسطينيون، يستحضر الغرب - ذلك الغرب الذي لا يتوانى عن تمجيد مقاومة الأوكرانيين - الإرهاب. هكذا أدان الرئيس إيمانويل ماكرون «بشدة الهجمات الإرهابية التي تضرب إسرائيل حالياً»، دون أن ينبس ببنت شفة عن استمرار الاحتلال الذي هو مصدر العنف.

ولا يزال صمود الفلسطينيين عنيداً لا يُقهر، يُذهل المحتلين، ويبدو أنه يصدم العديد من الغربيين. كما حدث خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 أو الانتفاضة الثانية عام 2000، وكما حدث أثناء عمليات المقاومة المسلّحة في الضفة الغربية أو التعبئة لصالح القدس، وكما حدث أثناء المواجهات في محيط غزة المحاصرة منذ عام 2007، والتي عانت من ست حروب خلال 17 عاماً (وقد أسفرت هذه الحروب عن 400 قتيل في عام 2006، و1300 في عام 2008-2009، و160 في عام 2012، و2100 في عام 2014، وما يقارب 300 في عام 2021، والعشرات خلال ربيع عام 2023)، يدين المسؤولون الإسرائيليون «همجية» خصومهم، وقلة اكتراثهم بالحياة البشرية، أو بكلمة أخرى «إرهابهم».

تسمح هذه التهمة بالالتحاف بلباس القانون والضمير البشري، وتناسي نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الوحشي والذي يضطهد الفلسطينيين بشكل يومي. فلنذكّر، مرّة أخرى، بأن عدداً لا بأس به من المنظمات الإرهابية تحوّل عبر التاريخ من موقع المنبوذ إلى موقع المحاور الشرعي، إذ تم وصف الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA)، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، والمؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) وغيرهم بـ«الإرهاب»، بهدف إسقاط البعد السياسي لقتالهم، وتقديمه على أنه صراع بين الخير والشر. لكن في الأخير، وجب التفاوض معهم. وقد تكهّن الجنرال ديغول بعد العدوان الإسرائيلي في حزيران/يونيو 1967 قائلاً:

«والآن تُنظّم إسرائيل على الأراضي التي احتلتها احتلالاً لا يمكن أن يوجد دون ظلم وقمع وترحيل. وعلى تلك الأراضي تظهر مقاومة ضدها تصفها بالإرهاب...».

ليس هجوماً «غير مبرّر»

كما يشير الصحافي الإسرائيلي حجي مطر: خلافاً لما يقوله العديد من الإسرائيليين (…)، فإن هذا ليس هجوماً «أحادي الجانب» أو «غير مبرّر». إن الخوف الذي يشعر به الإسرائيليون الآن - وأنا منهم - ليس سوى جزء صغير مما يشعر به الفلسطينيون كل يوم في ظل عقود من الحكم العسكري في الضفة الغربية، فضلاً عن الحصار والاعتداءات المتكررة ضد غزة.

الردود التي نسمعها من العديد من الإسرائيليين ــ الذين يدعون إلى «تدمير غزة»، والذين يقولون «إنهم متوحّشون، وليسوا أشخاصاً يمكن التفاوض معهم»، «إنهم يقتلون عائلات بأكملها»، «ليس هناك مجال للحديث مع هؤلاء» ــ هذا بالضبط ما سمعته مرات لا تُحصى من الفلسطينيين عن الإسرائيليين.

يمكننا أن نأسف بحق، كما في أي حرب، لمقتل المدنيين، ولكن هل هناك «مدنيون طيّبون» يستحقون أن نذرف الدموع من أجلهم، وآخرون «سيئون» مثل الفلسطينيين الذين يُقتلون يومياً في الضفة الغربية دون أن يثير موتهم سوى القليل من الاستنكار؟

تجاوز عدد القتلى الإسرائيليين عدد الإسرائيليين الذين سقطوا خلال حرب 1967 ضد مصر والأردن وسوريا.

ستكون لهذه العملية تداعيات سياسية وجيوسياسية إقليميا بطريقة يصعب تقييمها في الوقت الحالي. لكن ما تؤكده الأحداث الجارية، مرة أخرى، هو أن الاحتلال يطلق العنان دائماً لمقاومة يتحمل المحتل وحده مسؤوليتها. وكما ورد في المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 26 أغسطس/آب 1789، فإن «مقاومة القمع» هي حق أساسي، وللفلسطينيين حق المطالبة به.

* مدير مجلة «أوريان 21»، متخصّص في شؤون الشرق الأوسط، له مؤلفات عديدة منها «علامَ يدل اسم فلسطين؟»

المصدر | افتتاحية مجلة «أوريان 21»

  كلمات مفتاحية

غزة فلسطين طوفان الأقصى مقاومة القمع حق المقاومة تداعيات سياسية وجيوسياسية إعلان حقوق الإنسان والمواطن

القوى الوطنية في غزة: أي جهود لا تتضمن إنهاء ووقف حرب الإبادة ستكون بلا قيمة