ف.بوليسي: عاصفة معارضة تختمر في وزارة الخارجية الأمريكية بسبب حرب غزة

الخميس 2 نوفمبر 2023 11:06 ص

سلطت مجلة "فورين بوليسي" الضوء على ما وصفتها بـ "عاصفة معارضة" تختمر في وزارة الخارجية الأمريكية جراء موقف الوزير، أنتوني بلينكن، من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مشيرة إلى أن الوزير استغرق الوقت الكافي لإرسال رسالة مطولة إلى السلك الدبلوماسي الأمريكي خلال جولة ماراثونية في الشرق الأوسط.

وذكرت المجلة، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن بلينكن كتب رسالته، بتاريخ 20 أكتوبر/تشرين الأول، عن مدى "صعوبة" الأزمة الحالية بالنسبة لموظفي وزارة الخارجية وكرر دعواته ودعوات الرئيس، جو بايدن، إلى إسرائيل لاحترام "سيادة القانون والمعايير الإنسانية الدولية".

وكتب بلينكن، في الرسالة: "دعونا نتأكد أيضًا من توسيع مساحة النقاش والمعارضة التي تجعل سياساتنا ومؤسستنا أفضل".

وكان السطر الأخير من الرسالة على وجه الخصوص معبراً، فبينما كان بلينكن يتنقل بين عواصم الشرق الأوسط، كانت عاصفة متنامية من المعارضة تختمر في السلك الدبلوماسي الأمريكي، حيث كان العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين يشعرون بالغضب والصدمة بسبب ما اعتبروه بمثابة "شيك على بياض" من واشنطن لإسرائيل في حربها بقطاع غزة بتكلفة إنسانية باهظة للمدنيين الفلسطينيين المحاصرين.

وتحول هذا الغضب إلى موجة معارضة شديدة لنهج بايدن الأولي تجاه الحرب بين صفوف مسؤولي الأمن القومي الأمريكيين، ما وضع كبار مسؤولي إدارة بايدن في موقف دفاعي في الخارج والداخل.

وتزامنت الاعتراضات المتزايدة داخل وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي مع رد فعل عنيف حاد ضد سياسات بايدن خارج واشنطن وبين الديمقراطيين التقدميين والناخبين الأمريكيين العرب.

وهنا تشير المجلة إلى أن 59% من الأمريكيين العرب أيدوا بايدن في انتخابات عام 2020، لكن دعمه بينهم في سباق 2024 انخفض إلى 17%، وفقًا لاستطلاع جديد.

وفي واشنطن، يشكل تصاعد المعارضة الداخلية أحد أكبر التحديات التي تواجه فترة بلينكن في وزارة الخارجية حتى الآن، حسبما يؤكد بعض المسؤولين الحاليين والسابقين.

الخسائر الإنسانية

وفي السياق، قال آرون ديفيد ميلر، الباحث في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والخبير السابق في وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون المفاوضات العربية الإسرائيلية: "خلال 25 عامًا من العمل في وزارة الخارجية لم أر شيئًا كهذا من قبل. يبدو الأمر كما لو أن الإدارة تتوسط في صراعها الداخلي الإسرائيلي الفلسطيني".

وفي الأسبوع الماضي، ومع تصاعد الخسائر الإنسانية الناجمة عن الضربات الإسرائيلية والعمليات العسكرية في غزة، غيرت إدارة بايدن نهجها، وحثت إسرائيل علناً وسراً على اتخاذ المزيد من الخطوات لتخفيف المعاناة الإنسانية وإعادة فتح وصول غزة إلى المياه والوقود والإمدادات الإنسانية.

ورغم أن الإدارة الأمريكية لم تتزحزح عن خططها لشحن المزيد من الأسلحة إلى إسرائيل ورفضت الدعوات لوقف دائم لإطلاق النار لإنهاء القتال، إلا أن بلينكن، الذي أدلى بشهادته أمام مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء، دعا إلى "وقفات إنسانية" قصيرة لإطلاق النار؛ للسماح وصول إمدادات الإغاثة الإنسانية إلى غزة.

وقاطع المحتجون شهادة بلينكن بصوت عالٍ 5 مرات منفصلة، واتفق عديد المسؤولين على أن مشاهد المذبحة في غزة والتحذيرات الشديدة من المنظمات الإنسانية، فضلاً عن احتجاجات القوى الإقليمية الأخرى، بدأت في تغيير السياسة الأمريكية.

وأعرب مسؤولو الإدارة الأمريكية عن مخاوفهم العميقة بشأن الكيفية التي أدت بها حملة القصف والغارات الإسرائيلية على غزة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع عدد القتلى المدنيين، ونجح المسؤولون الأمريكيون في الضغط على إسرائيل لاستئناف إمدادات المياه إلى غزة.

وقال مسؤولون حاليون وسابقون إنه من الصعب تحديد إلى أي مدى ساعدت ردود الفعل العنيفة بين الدبلوماسيين والمسؤولين الأمنيين، إن وجدت، بما في ذلك من خلال قنوات المعارضة الرسمية، في تشكيل هذا التغيير في اللهجة.

 لكن المعارضة لا تزال مشتعلة بوزارة الخارجية، وستختبر رد إدارة بايدن على المزيد من التقلبات في الصراع، بحسب "فورين بوليسي"، مشيرة إلى أن المزيد من الاعتراضات الداخلية من صناع السياسات على كل المستويات في الأسابيع المقبلة يمكن أن تغير حسابات الدولة الوحيدة التي لا يزال بإمكانها تخفيف نهج إسرائيل في الحرب.

وداخل وزارة الخارجية، كانت المعارضة أكثر حدة في الأسبوعين الأولين من الصراع، عندما تمسك بايدن بنهجه المتمثل في تقديم الدعم غير المقيد لإسرائيل.

وقال بايدن إن الرد الأمريكي على هجوم بالحجم الذي واجهته إسرائيل سيؤدي إلى رد "سريع وحاسم وساحق" في 10 أكتوبر/تشرين الأول وسيلقي بظلال من الشك فيما بعد على حجم الضحايا الفلسطينيين المبلغ عنهم في غزة.

دعم مطلق

وقال 4 مسؤولين أمريكيين حاليين و3 مسؤولين سابقين إن مناقشات السياسة الداخلية الروتينية تدور حول كيفية الاستجابة لأزمة خارجية كبرى، بما في ذلك مناقشة مزايا نقل أسلحة وذخائر جديدة إلى حليف للولايات المتحدة مقابل التكلفة المحتملة للخسائر في صفوف المدنيين.

وقال جوش بول، المسؤول المخضرم في وزارة الخارجية، الذي عمل في مجال نقل الأسلحة واستقال احتجاجاً على سياسات الإدارة الأمريكية في 18 أكتوبر/تشرين الأول: "التعليقات التي سمعتها من الآخرين داخل الوزارة [هي] أنهم عندما حاولوا إثارة هذه القضايا، كان الموظفون يتحدثون عن مشاعرهم الشخصية أو انزعاجهم، ولكن بمجرد ظهور أي مناقشات سياسية صعبة، يقال لهم: هذا يأتي من الأعلى. لا يوجد مجال لأي نقاش".

واعترض مسؤولو إدارة بايدن بشدة على توصيف بول، وقالوا إن الإدارة ظلت ثابتة في دعوة إسرائيل إلى الالتزام بكل القانون الدولي أثناء دفاعها عن نفسها.

ويقول آخرون إن السلك الدبلوماسي الأمريكي كان منزعجًا من اندفاع بايدن لدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية واسعة النطاق في غزة بدلاً من العمليات الأكثر دقة واستهدافًا للقضاء على قيادة حماس إلى جانب الجهود الدبلوماسية لحشد الدعم لإسرائيل.

ونشر بول خطاب استقالته في منشور على موقع "لينكد إن"، والذي انتشر بسرعة كبيرة، فيما قدم مسؤولون آخرون شكاواهم من خلال قناة الشكوى الرسمية للوزارة للاعتراض على سياسة الولايات المتحدة.

وتشير "فورين بوليسي" إلى صياغة ما لا يقل عن برقيتين معارضتين حول استجابة الولايات المتحدة للأزمة، وفقًا لمسؤول حالي ومسؤول سابق مطلع على الأمر، رغم أن وزارة الخارجية لم تتناول هذا الأمر عندما تم الاتصال بها للتعليق. كما أعرب دبلوماسيون آخرون عن شكاواهم بشكل غير رسمي وأبقوا اعتراضاتهم خلف أبواب مغلقة.

وجاء في رسالة مسؤولو الإدارة الأمريكية، بمن فيهم بلينكن، إنهم يرحبون بالمعارضة الداخلية من خلال القنوات المناسبة، وأضافوا: "نحن نفهم أن الأشخاص الذين يعملون في وزارة الخارجية لديهم معتقدات سياسية وشخصية مختلفة حول ما ينبغي أن تكون عليه سياسة الولايات المتحدة".

 وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر: "في الواقع، نعتقد أن هذه إحدى نقاط القوة لدى هذه الحكومة".

ويتفق حلفاء بايدن في الكونجرس على ذلك، وهو ما عبر عنه السيناتور كريس مورفي، وهو صوت بارز في السياسة الخارجية بالجناح التقدمي للحزب الديمقراطي، وعضو في مجلس الشيوخ، قائلا: "إن هذه قرارات صعبة حقاً بشأن كيفية دعم إسرائيل، وكيفية الموازنة بين مساءلة حماس وتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين في غزة".

وأضاف: "أضمن لك أنه بغض النظر عما قرره الرئيس بايدن بشأن هذه المجموعة من الأسئلة، ستكون هناك معارضة داخل البيت الأبيض، وستكون هناك معارضة داخل وزارة الخارجية ومعارضة في الكونجرس".

لكن كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية يقولون إنهم يرحبون بالمعارضة ويغيرون السياسة فعليًا بناءً على تلك المعارضة.

وواجه بايدن وبلينكن تصاعدًا في الغضب بشأن قرار الإدارة الأمريكية بالانسحاب من أفغانستان في عام 2021، الأمر الذي أثار معارضة بوزارة الخارجية، تفيد التقارير بأنها تنبأت بشكل صحيح بـ "الكارثة القادمة".

وقال بول، مسؤول الخارجية المستقيل، إن الأزمة الحالية غذت معارضة من نوع مختلف، حيث يشعر الدبلوماسيون بالعجز في جهودهم للتأثير على سياسة الولايات المتحدة من الداخل، مشيرا إلى أن المعارضة على الأكثر أثارت تغييراً في "اللهجة وليس الجوهر" داخل الإدارة الأمريكية.

وأضاف: "فيما يتعلق بأفغانستان، كانت كل الأيدي متعاونة، وكان الناس يتطوعون في فرق العمل لمساعدة الحلفاء الأفغان. “كان هناك شيء يمكنك القيام به، لكن الآن هناك شعور بأنه لا يوجد شيء يمكنك القيام به".

المصدر | فورين بوليسي/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

غزة إسرائيل وزارة الخارجية الأمريكية الشرق الأوسط أنتوني بلينكن جو بايدن