ليست فلسطين فقط.. تجارب تحرر عالمية اتهمها المحتل بالإرهاب وذكرها التاريخ

السبت 4 نوفمبر 2023 01:26 م

وسط الحالة التي صنعتها حركة "حماس" في فلسطين، والتي دفعت دوائر غربية وأوروبية إلى المسارعة في تلبية طلب المحتل الإسرائلي بتصنيفها حركة إرهابية، ما يسهل مهمة الإبادة البشرية القائمة حاليا في غزة والأراضي الفلسطينية، يقف التاريخ ليدون الأمر، مستذكرا حالات سابقة، حشرت خلالها القوى الاستعمارية الغربية حركات تحرر وطني في خانة الإرهاب، طالما قاوموا المستعمر بالسلاح، لتبدأ مهمة الإبادة، وسط صمت دولي.

الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي حاليا في غزة، تقوم على ذلك الأساس المشابه لجرائم ارتكبها الاحتلال الفرنسي بحق الجزائريين، عقابا على مقاومتهم، وكذلك المحتل الإيطالي في "ليبيا عمر المختار"، وأيضا المحتل الأمريكي في فيتنام والعراق وأفغانستان.

هذه أبرز ثلاثة حالات تاريخية، شيطن فيها المستعمر حركات المقاومة ليبدأ مهمة الإبادة والعقاب، والتي فشلت في النهاية في تحقيق أهدافها.

الحالة الجزائرية

شبه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وصف الفلسطينيين بـ"الإرهابيين" بما كان يصف به المستعمرون الفرنسيون الجزائريين إبان ثورة التحرير (1954-1962)، مشددا على أن "الفلسطينيين ليسوا إرهابيين ولن يكونوا إرهابيين.. ومن يدافع عن الحق والأرض وعن وطنه ليس إرهابيا".

وأشار تبون إلى مقولة الشهيد الجزائري العربي بن مهيدي، أحد قادة ثورة التحرير، الذي هاجمه الفرنسيون بعد أسره في 1957 بسبب استعمال الثوار الجزائريين القنابل التقليدية المخبأة في قفف وحقائب نسائية، وتفجيرها في حانات ومقاه يرتادها المستوطنون، فرد عليهم "أعطونا طائراتكم نعطكم قففنا".

وبعد أكثر من نصف قرن من هذا التاريخ، وبالضبط في 2012، وقع نقاش بين المناضلة الجزائرية زهرة ظريف بيطاط، التي شاركت في عمليات "القفف المفخخة"، والفيلسوف الفرنسي اليهودي بيرنار هنري ليفي، في مدينة مارسيليا الفرنسية.

وحاول ليفي إدانة بطاط، بالحديث عن قضيتها العادلة باستخدام وسائل "غير إنسانية"، وردّت بيطاط بأنهم لم يكونوا يملكون أسلحة متطورة ولكنهم حاربوا المستعمر بـ"الوسائل الممكنة".

ويروي العقيد الطاهر الزبيري، قائد أركان جزائري أسبق، عن الرئيس الجزائري ووزير الخارجية الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، عندما طالبه أحد الرؤساء الفرنسيين السابقين بتعويضات عن أملاك (المعمرين) المستوطنين الفرنسيين الذين تركوها في الجزائر بعد استقلالها، فطالبه بوتفليقة (الرئيس السابق) بتعويضات عن حرق 8 آلاف قرية جزائرية.

وكانت مساندة الشعب الجزائري للثوار "دموية"، حيث سوى الاحتلال الفرنسي قرى كاملة بالأرض، وهجر سكانها ووضعهم في محتشدات تحت الحراسة، لحرمان الثوار من أي دعم لوجيستي.

وكانت ضريبة الحرية ضخمة، إذ خسرت الجزائر مليون ونصف مليون شهيد في أقل من 8 سنوات، رغم أن عدد سكانها بعد الاستقلال كان في حدود 6 ملايين نسمة فقط، مقابل مقتل 23 ألفا و652 عسكري فرنسي في الفترة نفسها، وفق معطيات الجيش الفرنسي وتقديرات مؤرخين.

الحالة الليبية

أحد الأمثلة الصارخة لأبطال التحرر الذين وصمهم مستعمرو بلادهم بأشنع الصفات زعيم المقاومة الليبية عمر المختار، الذي حارب الاحتلال الإيطالي طيلة 20 عاما (1911-1931).

وعندما أُسر عمر المختار، ثم عرض لاحقا على المحاكمة وجهت له تهم التمرد والعصيان والخيانة، وأعدم شنقا في 16 سبتمبر/أيلول 1931، أمام نحو 20 ألفا من الأهالي (السكان المحليين) والمعتقلين الذين أحضروا لمشاهدة إعدام "الأسطورة الذي لا يهزم أبدا".

لكن "المتمرد" عمر المختار، تحول بعد شنقه إلى رمز بل أسطورة للمقاومة والتحرر، ليس فقط في نظر الليبيين بل في عيون العالم وحتى مستعمريهم السابقين.

ففي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وضع القنصل العام لإيطاليا كارلو باتوري الورود على ضريح عمر المختار في بنغازي.

وقال "أعرب خلال السنوات الماضية الكثير من القادة المهمين في بلادي عن أسفهم نيابة عن الشعب الإيطالي، وعن المؤسسات الرسمية الإيطالية، للمعاناة الكبيرة التي سببت للشعب الليبي نتيجة الاستعمار، وبصفتي مسؤولا في الدولة الإيطالية، التي أتشرف بالانتماء إليها، أجدد أنا أيضا وبصدق في هذا اليوم التعبير عن هذا الأسف".

الحالة الفيتنامية

اتهام حماس بـ"الإرهاب" ليس سوى حلقة مكررة من مواجهات "الاستعمار والتحرر"، وعلى حد قول بطل معركة "ديان بيان فو" (ضد القوات الفرنسية) الجنرال الفيتنامي "فو نغوين جياب"، فإن "الاستعمار تلميذ غبي، لا يفهم إلا بتكرار الدروس".

فالتفوق العسكري الساحق لجيوش المستعمرين لا يمكن أن يتغلب على إرادة الشعوب التي تكافح من أجل التحرر حتى لو اتُهمت بـ"الإرهاب".

وتدخلت الولايات المتحدة عام 1955 في فيتنام وشكلت حكومة موالية لها في الجنوب لكي تقف بوجه ما زعمت أنه "زحف شيوعي"، في حين سعى الفيتناميون الشماليون إلى توحيد البلاد.

وخاض الشعب الفيتنامي ومن ورائه جيش التحرير الفيتنامي حرب عصابات تحررية، اتهمها الغرب بـ"الإرهاب"، لكنه استطاع في النهاية تحرير وطنه وجرى الإعلان في الثاني من يوليو/ تموز 1976 عن قيام جمهورية فيتنام الاشتراكية الموحدة بعد 22 عاما على تقسيم البلاد.

وعلى هذا النحو، أثبتت حركات التحرر الوطني في هذه التجارب أنه ليس هناك شعب خسر حربا لتحرير نفسه من الاستعمار.

المصدر | الخليج الجديد + الأناضول

  كلمات مفتاحية

حركات تحرر حماس فلسطين الجزائر ليبيا عمر المختار فيتنام