استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

بين سرديتَي «الاضطهاد» و«الانتصار»: نزيف السمعة يؤرّق الصهيونية

الثلاثاء 14 نوفمبر 2023 05:38 ص

بين سرديتَي «الاضطهاد» و«الانتصار»: نزيف السمعة يؤرّق الصهيونية

مذبحة مثل الحاصلة في غزة اليوم، لن يستطيع أحد محوها من الذاكرة، أو تقديم رواية مغايرة لها.

الحركة الصهيونية تروّج أن حرب غزة فجّرت «معاداة السامية» في العالم إلى أوسع مدى منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

مشكلة الصهيونية في حالة غزة أن الضربة التي تلقّتها من خلال عملية «طوفان الأقصى» كانت كبيرة جداً، وليست لديها إمكانية للردّ عليها إلا بالمجازر.

روجت الصهيونية سردية مقابلة عن تعرّض اليهود في الغرب لـ«الاضطهاد» من جديد، بما «يبرّر» الوحشية التي يتّصف بها الهجوم الإسرائيلي على القطاع.

النخب السياسية في الغرب في انفصال تامّ عن شعوبها لأنها خاضعة للحركة الصهيونية التي تموّل حملاتها الانتخابية لكن إلى متى سيتمكّن هؤلاء من تحمّل المفارقة المذكورة؟

تظهر التجارب أن النخب الغربية تساوم على ما مبادئ الحريات، إلى الحدّ الأقصى الممكن، لكن حين يبدأ الأمر في إحداث مفعول عكسي على أوضاعها الداخلية، تبدأ بالتراجع.

تعرف الصهيونية أن المشاهد الآتية من غزة، تضعها بموقع الخاسر على مستوى الرأي العام العالمي، وتجاربها بهذا المجال كثيرة، لكن ما لا تتحمّله أبداً هو أن تكون إسرائيل ضعيفة.

هل تتوقّع الصهيونية أن تكسب حرباً إعلامية على الفطرة الإنسانية أو أن تُغيّر قيم الإنسان الطبيعية؟ هذا ما تشي به معادلتها أمام العالم اليوم، وهي: «إمّا أن يقبل العالم بحكمنا، وإمّا أن يكون معادياً للسامية».

* * *

ربّما تكون حرب غزة من المرّات القليلة أو النادرة في تاريخ الحروب الحديثة التي يُذبح فيها شعب أعزل مباشرة على شاشات التلفزيون، بتَينك الهمجية والبربرية اللتَين قلّ نظيرهما. صحيحٌ أن التاريخ شهد الكثير من المذابح، التي وصلت إلينا وفق روايات يصعب التحقّق منها، لأن من كتبها في النهاية هو القوي.

إلّا أن مذبحة مثل الحاصلة في غزة اليوم، لن يستطيع أحد محوها من الذاكرة، أو تقديم رواية مغايرة لها، سواء كان منتصراً أو مهزوماً، قوياً أو ضعيفاً. مع ذلك، وحتى قبل نهاية المذبحة، تحاول الحركة الصهيونية العالمية، وهي الفاعل الحقيقي فيها (وأدواتها على الأرض الجيش الإسرائيلي والمستوطنون)، سرد رواية مزوّرة لها، خصوصاً أنها تجد نفسها محاصَرة هذه الأيام بدماء أهل غزة. وبمعزل عن نتيجة المعركة في الميدان، ستكون تلك الحركة من أكبر الخاسرين.

والسبب هو أن أحداً في العالم ليس مستعداً للقبول بسردية تفيد بأن هجوماً على الاحتلال في مستوطنات «غلاف غزة»، منبعه كره لليهود، أو ما يُسمّى «معاداة للسامية»، وليس الكفاح لإزاحة الاحتلال، وأن هجوماً مثل هذا «يبرّر» ذبح آلاف الأطفال والنساء باعتباره «دفاعاً عن النفس».

هل تتوقّع الصهيونية أن تكسب حرباً إعلامية على السوية الإنسانية، أو أن تُغيّر القيم السليقية للإنسان؟ هذا ما تشي به المعادلة التي وضعتها أمام العالم اليوم، وهي: «إمّا أن يقبل العالم بحكمنا، وإمّا أن يكون معادياً للسامية».

تَظهَرُ وقائع هذه الحرب الإعلامية، أكثر ما تظهر، في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي يُطلق العنان لها لالتقاط كلّ موقف ضدّ الجرائم الإسرائيلية في غزة، سواء تفوّه به سياسي في إيرلندا أو ممثّل في «هوليود» أو مغنّ مشهور في أيّ زاوية من هذا العالم، أو تَمثّل في تظاهرة تحمل صور الأطفال الشهداء ومعها أعلام فلسطين، ووضْعه في خانة «معاداة السامية».

تلك الوسائل نفسها يُمنع عليها التداول بوقائع الميدان في غزة، حيث لا تسير المعارك وفق ما يشتهي جيش الاحتلال، وتشير إلى أن المقاومة الفلسطينية تستعدّ لتحقيق انتصار آخر، رغم الخسائر البشرية والمادّية الضخمة لأهل قطاع غزة. لكنّ الحركة الصهيونية أكثر من يعرف أن العالم لا يحبّ المهزومين، ولذلك تسعى إلى تقديم رواية انتصار، إلى جانب السردية الخاصة بـ«الاضطهاد».

قد يكون من المبالغة القول إن الحركة الصهيونية تحكم العالم بالمعنى المادّي للكلمة، لكن من المؤكد أنها استطاعت تكريس نمط من السلوك على العالم، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، تجسّد في قوانين فرضها التحالف الغربي الفائز في تلك الحرب في عدد كبير من الدول الغربية باعتبارها «أحد عناوين الحضارة والتقدّم ونقيضاً لبربرية هتلر»، وهذا بالضبط ما يدفع شخصاً مثل الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى التفاخر بأنه «صهيوني».

ويبدو أن الاتحاد السوفياتي لم يكن لديه مانع في ذلك حينها، وما علاقته المبكّرة مع إسرائيل إلّا نوع من الاعتراف بدور الحركة الصهيونية في هزيمة هتلر، على رغم التناقض اللاحق بين السوفيات والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، والتي، للمناسبة، لم تدفع إلى عداء بين إسرائيل والسوفيات، رغم وقوعهما في تحالفين مختلفين. ومن هنا، تأتي الانتقادات الإسرائيلية الشديدة لروسيا بسبب موقفها الحالي في حرب غزة، علماً أن هذا الموقف يظلّ محدوداً، على رغم التقدّم الذي شهده في الأسابيع والأشهر الأخيرة.

موقف الحركة الصهيونية الذي يعكسه الإعلام الإسرائيلي والغربي، يقوم على أن حرب غزة فجّرت «معاداة السامية» في العالم إلى أوسع مدى منذ ثلاثينيات القرن الماضي، أي الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية. ومجرّد التذكير بتلك الفترة، يعكس المأزق الذي وصلت إليه الحركة نفسها نتيجة ما يجري في القطاع، وحجم الاستنفار الذي تتطلّبه محاولة الخروج من ذلك المأزق.

ويتحدّث موقع «واينت» عن اضطرار الكثير من اليهود حول العالم لإخفاء هويتهم الدينية، من خلال إزالة ما يُسمّى «الميزوزا»، وهي نوع من الرُّقى التي توضع خارج المنازل، والامتناع عن إرسال أولادهم إلى المدارس الدينية واعتمار القلنسوات اليهودية خارج منازلهم. لكن ثمة مبالغة في هذا الكلام؛ فإذا كانت هناك كراهية لليهود ما زالت كامنة في الغرب، فهي ليست بسبب حرب غزة. ثمّ من يجرؤ في الغرب على القيام بما يمكن اعتباره في القانون «معاداة للسامية»؟

فوراً، سيصبح هو المضطهد؛ إذ إن السلطات في هذه الدول بالمرصاد، وهي اتّخذت إجراءات استباقية استخدمت فيها القوانين بطرق ملتوية لردم الفجوة بين الاحتجاج على الجرائم الإسرائيلية، وكراهية اليهود، بما يمكّنها من منع تظاهرات التضامن مع غزة أو التضييق عليها، كما يحصل في فرنسا أو بريطانيا.

وبدلاً من أن تعمد إلى معالجة سبب الاحتجاجات عن طريق اتخاذ موقف أكثر عدالة من القضية الفلسطينية، لا تزال تلك الدول تشيح بوجهها عن حقوق الفلسطينيين، وتعتمد سياسة الإنكار، ما يجعل النخب السياسية فيها، في انفصال تامّ عن شعوبها؛ والسبب هو أنها ممسوكة برقبتها من قِبل الحركة الصهيونية التي تموّل حملاتها الانتخابية. لكن إلى متى سيتمكّن هؤلاء من تحمّل المفارقة المذكورة؟

التجارب تدلّ على أن النخب الغربية تساوم على ما تدّعيه من تمسّك بالحريات، إلى الحدّ الأقصى الممكن، ولكن حين يبدأ الأمر في إحداث مفعول عكسي على أوضاعها الداخلية، تبدأ بالتراجع.

تعرف الحركة الصهيونية أن المشاهد الآتية من غزة، تضعها في موقع الخاسر على مستوى الرأي العام العالمي، وتجاربها في هذا المجال كثيرة، لكن ما لا تتحمّله أبداً هو أن تكون إسرائيل ضعيفة. ومشكلتها في حالة غزة أن الضربة التي تلقّتها من خلال عملية «طوفان الأقصى» كانت كبيرة جداً، وليست لديها إمكانية للردّ عليها إلا بالمجازر.

لذلك، عملت على إيجاد سردية مقابلة تفيد بتعرّض اليهود في الغرب لـ«الاضطهاد» من جديد، بما «يبرّر»، بهذا القدر أو ذاك، الوحشية التي يتّصف بها الهجوم الإسرائيلي على القطاع.

*حسين إبراهيم كاتب صحفي لبناني

المصدر | الأخبار

  كلمات مفتاحية

الغرب مذبحة غزة الصهيونية قطاع غزة نزيف السمعة معاداة السامية النخب السياسية الرأي العام العالمي