تقرير حقوقي: التعذيب في مصر يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية

الأربعاء 15 نوفمبر 2023 05:02 م

سلطت المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب (OMCT) الضوء على رصدها لتفشي جرائم التعذيب في مصر، مشيرة إلى أن الحكومة المصرية لها تاريخ طويل في ممارسة التعذيب كأداة لقمع المعارضة السياسية، ما أدى إلى إجراء تحقيقين من قبل لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في عامي 1996 و2017.

وذكرت المنظمة، في تقرير نشرته عبر موقعها الرسمي وترجمه "الخليج الجديد"، أن التحقيقين خلصا إلى أن أجهزة الأمن المصرية تمارس التعذيب بشكل منهجي، تماما كما خلص تقرير حديث مقدم إلى اللجنة من منظمة ريدريس وائتلاف من منظمات المجتمع المدني المصرية والدولية، بينها: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ولجنة الحقوقيين الدولية.

وأورد التقرير أن ممارسة السلطات المصرية للتعذيب "واسع النطاق ويرقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، الذي تلتزم به مصر".

ويسلط التقرير الضوء على خطورة التعذيب في مصر باعتباره جريمة تتطلب أشد الإدانة والرد من المجتمع الدولي، ويدعو مصر إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان امتناع سلطاتها عن التعذيب، وإجراء الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها للقضاء على هذه الممارسة.

ووفقاً للمادة 7 من نظام معاهدة روما الأساسي، فإنه لكي يعتبر التعذيب جريمة ضد الإنسانية، يجب أن يكون "جزءاً من ممارسة واسعة النطاق أو منهجية موجهة ضد أي مجموعة من السكان المدنيين".

أنماط التعذيب

وباستخدام إطار مكافحة الإرهاب الفضفاض للغاية، تلجأ السلطات المصرية إلى التعذيب لاستهداف الأفراد بسبب نشاطهم السياسي أو نشاطهم في مجال حقوق الإنسان، الحقيقي أو المتصور، إذ يعد هذا النشاط، بالنسبة للسلطات، سياسيًا وغير مرحب به وتهديدًا للنظام الحاكم.

ويتبع التعذيب في مصر نمطًا يشمل الاعتقال التعسفي، وغالبًا ما يتبعه الحبس الانفرادي أو الاختفاء القسري، حيث يتعرض المعتقلون لضروب سوء المعاملة باستخدام مجموعة متنوعة من الأساليب.

وتوجه إلى المعتقلين تهم غامضة مرتبطة بالأمن القومي، وتتم محاكمتهم دون ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة، وفي العديد من الحالات يتبع إسقاط التهم في نهاية المطاف قضايا جديدة وإعادة اعتقالات لمن سقطت الاتهام بحقهم، بحسب التقرير، مشيرا إلى أن أولئك الذين يتم إطلاق سراحهم يواجهون حظر السفر وقيود أخرى تهدف إلى مضايقتهم والحد من أنشطتهم.

ضحايا التعذيب

والقاسم المشترك بين المستهدفين بالتعذيب في مصر هو نشاطهم السياسي ضد النظام الحاكم، وعملهم في فضح انتهاكات حقوق الإنسان، ومعارضتهم لسياسات الحكومة والخطاب الرسمي. ومن بين الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب محامون، وصحفيون، ومدونون، وأكاديميون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وقادة المعارضة.

ووفق التقرير، فإن الأجهزة المصرية المتورطة بشكل مباشر في ممارسة التعذيب تشمل: جهاز الأمن الوطني، والشرطة، ونيابة أمن الدولة العليا وبعض أذرع الأجهزة الأمنية، بما في ذلك المخابرات العسكرية والمخابرات العامة.

ويرتبط غياب القضاء المستقل في مصر بشكل مباشر بانتشار التعذيب، وفق التقرير، مشيرا إلى أن العادة جرت لدى الحكومة المصرية بمكافأة وكلاء النيابة والقضاة المتواطئين في ارتكاب التعذيب أو التغطية عليه، مع معاقبة أولئك الذين يسعون إلى الإصلاح.

ولم تثبت لجنة مناهضة التعذيب الطبيعة المنهجية والواسعة النطاق لممارسته ضد المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم في مصر فحسب، بل يمكن استنتاجها من الاعتقالات التعسفية وغيرها من الانتهاكات ضد الأفراد المستهدفين.

وبحسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات، تعرض 2653 شخصًا للاختفاء القسري في مصر بين عامي 2015 و2020، قبل عرضهم على النيابة.

ويرتبط هذا الرصد ارتباطًا وثيقًا بالتعذيب، لأن معظم أعمال التعذيب تحدث خلال هذه الفترة، عندما يُجرد المعتقل تمامًا من حماية القانون.

 وعلى هذا النحو، يتعرض معظم المختفين قسريًا لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، بحسب التقرير، الذي نوه إلى أن السجون في مصر معروفة بالاكتظاظ وفي حالة سيئة، بما في ذلك حرمان المعتقلين من الرعاية الطبية.

وتوفي أكثر من 1100 معتقل في السجون المصرية بين عامي 2013 وأكتوبر/تشرين الأول 2022، مع تسجيل ما يقرب من 46 حالة وفاة في عام 2022 وحده بسبب الإهمال الطبي.

وفي أحدث ملاحظاتها الختامية، أعربت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء "تعرض المحتجزين لأسباب سياسية في كثير من الأحيان لظروف قاسية، بما في ذلك الحرمان المتعمد من الرعاية الصحية، وحرمان أفراد الأسرة والمحامين من الزيارات. وفرض فترات طويلة من الحبس الانفرادي".

 ورصدت اللجنة أن عديد الوفيات في أماكن الاحتجاز المصرية، مشيرة إلى زيادة أعدادها بسبب غياب تحقيقات مستقلة وشفافة.

سياسة دولة

وامتد التعذيب في مصر إلى ما هو أبعد من الحالات العشوائية والفردية ليتحول إلى سياسة فعلية للدولة، حيث تعمل الأجهزة الأمنية بشكل مقصود وروتيني "بقصد التعذيب"، بحسب التقرير، الذي نوه إلى أن الحكومة المصرية تستخدم "حالات الطوارئ" لخلق ثغرات والتحايل على الحقوق المعترف بها في الدستور المصري والقانون الدولي.

وتشكل ثقافة الإفلات من العقاب على جرائم التعذيب في مصر جزءاً لا يتجزأ من سياسة الدولة التي تسمح بارتكاب التعذيب دون خوف من العقوبة.

وغالبية الناجين من التعذيب لا يرفعون دعاوى محلية خوفاً من أن يؤدي الإبلاغ عن المزيد من الانتهاكات أو لأنهم يعتقدون أن العدالة غير ممكنة، وكثيراً ما يتم تجاهل ادعاءات الناجين الذين يقدمون تقاريرهم إلى النيابة العامة، ونادراً ما يتم التحقيق فيها.

وفي الحالات الاستثنائية التي تصل فيها ادعاءات الناجين بالتعرض للتعذيب إلى المحكمة، فإنهم يواجهون عملية قضائية بطيئة تؤدي في كثير من الأحيان، إلى الإفلات من العقاب، وفق التقرير.

إن العدد الكبير من الوثائق حول انتشار التعذيب في مصر، بما في ذلك القرارات الصادرة عن اللجنة الأفريقية وهيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وتقارير منظمات المجتمع المدني وتقارير وسائل الإعلام، تثبت أن رؤساء مصر وقادتها العسكريين والمدنيين كانوا على علم، أو كان ينبغي أن يكونوا على علم، بممارسة التعذيب ضد المعتقلين المعارضين وغيرهم في مصر.

وتظهر الأدلة المتاحة على نطاق واسع، بحسب التقرير، أن المسؤولين المتورطين في التعذيب كانوا يتصرفون مع علمهم بأن هذه الأفعال تُرتكب كجزء من هجوم ضد المعارضين المدنيين، تعزيزاً لسياسة الدولة.

وإزاء ذلك، يصف تقرير لجنة مناهضة التعذيب ممارسات التعذيب في مصر بأنه "قد يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية"، وهو ما تعتبره المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب توصيفا مهما "لإجبار السلطات المصرية على تغيير سلوكها، وتعزيز عمليات المساءلة، سواء في إطار الولاية القضائية العالمية، أو فرض عقوبات حقوق الإنسان أو غيرها من التدابير التي يمكن أن تساعد في كسر دائرة الإفلات من العقاب والانتهاكات".

المصدر | المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر التعذيب الاعتقال الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية