مقتل أكثر من 1300 شخص في مذبحة جديدة لقوات حميدتي غرب دارفور

الأربعاء 15 نوفمبر 2023 08:29 م

أفادت مصادر مطلعة بأن أكثر من 1300 شخص قتلوا في أردامتا بإقليم دارفور، غربي السودان، في مذبحة جديدة ارتكبتها قوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي"، فيما أصيب ألفين آخرين.

وذكرت المصادر أن قوات حميدتي اعتقلت 500 شخصا في المنطقة فيما لايزال أكثر من 300 آخرين في عداد المفقودين، وفقا لما أورده تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد".

وأضافت أن قوات الدعم السريع والميليشيات ارتكبت العديد من الفظائع ضد "المساليت"، وهي مجموعة عرقية تسكن إقليم دارفور، بما في ذلك القتل واغتصاب النساء والنهب وإحراق المنازل.

وقال جمال عبد الله خميس، رئيس منظمة الجذور، إن الهجمات العرقية مستمرة، حيث تقوم الميليشيات العربية (قوات حميدتي) بالقرب من الحدود التشادية بتعقب المدنيين الذين يحاولون الفرار من البلاد ونصب الكمائن لهم.

وأضاف: "يعتمد تقريرنا على 700 مقابلة، وحصلنا عليه من مراقبينا في تشاد، ووثقنا أسماء وتفاصيل 1300 شخص قتلوا حتى الآن".

وتابع خميس: "لكننا نعتقد أن العدد أكبر من ذلك بكثير، حيث ترتكب جرائم وقتل أخرى ضد المدنيين في مناطق كلبوس وسيربا وأزورني وأدارا ونقاط التفتيش على الطريق بين السودان وتشاد".

استهدفت المساليت

وفي السياق، قال أحمد حجر، المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان في مخيم أدري للاجئين في تشاد، إنه التقى بمئات العائلات التي فرت من غرب دارفور واضطرت إلى ترك العديد من أقاربها المتوفين في الجنينة والمناطق المحيطة بها.

وقال حجر، الذي يدير منظمة "المأوى" لحقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية، إن منظمته سجلت مئات حالات القتل والهجمات على أساس عرقي.

وبعد اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل/نيسان بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، أصبحت دارفور مسرحاً لبعض من أعنف المعارك، إلى جانب الخرطوم.

وبين عامي 2003 و2005، عانت دارفور من صراع شرس، قامت فيه حكومة الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، بتسليح الآلاف من رجال القبائل العربية، وإنشاء ميليشيا تعرف باسم "الجنجويد"، والتي استخدمها ضد الجماعات المتمردة في دارفور التي ثارت ضد الخرطوم في عام 2005، ردًا على الإهمال طويل الأمد للسكان الأفارقة في المنطقة.

وقُتل حوالي 300 ألف شخص في الحرب، التي توصف بأنها إبادة جماعية ووجهت اتهامات بارتكاب جرائم حرب إلى العديد من الرجال الذين يقودونها من المحكمة الجنائية الدولية، حيث استهدف الجنجويد السكان الأفارقة في دارفور، ما أدى إلى طرد الملايين من منازلهم.

واليوم، يتكون العمود الفقري لقوات الدعم السريع، بما في ذلك قائدها حميدتي، من رجال القبائل العربية من دارفور والمناطق المحيطة بها والذين كانوا من مقاتلي الجنجويد.

وفقا للباحث في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، محمد عثمان، فقد استهدفت قوات الدعم السريع مجتمع المساليت، فضلا عن المجتمعات غير العربية الأخرى، في الجنينة منذ يونيو/حزيران الماضي.

وأضاف: "من الواضح أن هذا الاستهداف العرقي يمكن رؤيته في عمليات القتل، خاصة زعماء قبائل المساليت والمحامين والناشطين"، مضيفًا أن المخيمات، التي تؤوي 2.5 مليون سوداني نزحوا داخليًا بسبب صراع دارفور قبل 20 عامًا، تم تدميرها عمدًا أيضًا.

وتابع: "إن الإهانات العنصرية التي يطلقها المهاجمون الذين يطالبون المساليت بمغادرة الأرض وتدمير سبل عيشهم كانت جميعها نمطًا متكررًا من الهجمات السابقة، وكما سمعنا حتى الآن من الهجمات الأخيرة في أرداماتا".

الفظائع وانسحاب الجيش

ورغم سيطرة قوات الدعم السريع على معظم غرب دارفور في الأسابيع الأولى للحرب، إلا أن الجيش السوداني تشبث بالقاعدة التابعة لفرقة المشاة الخامسة عشرة في أرداماتا.

وكانت القوات الموجودة في القاعدة مدعومة بمقاتلين غير نظاميين من المساليت، كانوا ينتمون في السابق إلى جماعات متمردة ويسيطرون على المناطق المحيطة بالقاعدة.

ومع ذلك، شنت قوات الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة حملة جديدة في جميع أنحاء دارفور، في محاولة لطرد الجيش من القواعد المختلفة التي كان متمركزًا فيها، حيث اجتمعت الأطراف المتحاربة في جدة لإجراء محادثات برعاية الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول، نجحت قوات الدعم السريع في طرد الجيش من جنوب دارفور ووسط دارفور.

وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني، استسلمت القوات التي فاق عددها في حامية الفرقة 15 أخيرًا لمقاتلي قوات الدعم السريع، الأفضل تسليحًا، ورجال الميليشيات العربية، وفروا من أرداماتا إلى تشاد، حسبما قال الجنود الهاربون وشهود عيان، أشاروا إلى أن هذا الانهيار أدى إلى ارتكاب العديد من الفظائع ضد المساليت في المنطقة.

ولجأ نحو 500 ألف سوداني إلى تشاد المجاورة، معظمهم من غرب دارفور، ومنذ الفظائع الأخيرة وسيطرة قوات الدعم السريع على أرداماتا، فر 20 ألف شخص آخرين عبر الحدود، بحسب المصادر.

ومن تشاد، قال شهود عيان إنهم رأوا رجال الميليشيات العربية يقتلون مئات الأشخاص، ويعتدون جنسياً على النساء، ويدمرون منازل المدنيين في أرداماتا، وإن مئات الجثث تركت في الشوارع والمراكز الطبية القريبة من القاعدة وداخل المنازل، وكذلك على طول الطرق المؤدية إلى الحدود مع تشاد.

وفي السياق، قال محمد حسين، وهو لاجئ حديثاً، إنه أحصى ما يقرب من 200 جثة حول السوق الرئيسي في أرداماتا مع احتدام القتال بين المتمردين السابقين من المساليت وقوات الدعم السريع والميليشيات العربية بعد انهيار القاعدة، وأشار إلى أنه رأى "هجمات انتقامية وعنصرية على القبائل الأفريقية السوداء".

وقال نصرالدين محمد، أحد سكان أرداماتا، إن بعض أفراد عائلته قُتلوا على يد مقاتلي قوات الدعم السريع، مضيفا: "رأيت مقاتلين يرتدون زي قوات الدعم السريع يقتلون الجنود بوحشية بعد استسلامهم، ويقتلون الناس".

وتابع: "قُتل 3 من أفراد عائلتي، من بينهم طفل، في أرداماتا، وفُقد آخرون، وفر البعض معي إلى أدري. ولم يكن لدينا حتى الوقت لدفن القتلى أو البحث عن المفقودين".

سار محمد لمدة يومين للوصول إلى تشاد ومخيم اللاجئين في أدري، لكنه قال إن الميليشيات العربية كانت تتعقبه ورفاقه طوال الوقت، وقتلت العديد من الأشخاص في كلبوس وأدارا ومناطق أخرى قريبة من الحدود.

وأضاف: "على طول الطريق رأيت أيضا عشرات الجثث متناثرة في الشوارع. أوقفتنا الميليشيات للبحث عن مقاتلين من المساليت وجنود الجيش وقتلتهم على الفور".

وقال لاجئ آخر في أدري، يدعى آدم محمد، إن 3 من أفراد عائلته اعتقلوا من قبل رجال الميليشيات في كولبوس وطُلب منه دفع فدية لإطلاق سراحهم.

وأضاف: "ليس لدينا سبيل لإطلاق سراحهم إلا إذا دفعنا 3 مليارات جنيه سوداني، أي نحو 3 آلاف دولار".

مشاهد من الانتهاكات

تتكون أردمتا من 9 أحياء صغيرة، والقاعدة العسكرية، ومخيم للنازحين بسبب الصراع الأخير على الجانب الشرقي من الضاحية.

وقال سكان وجنود إن هجوم قوات الدعم السريع تصاعد في 2 نوفمبر/تشرين الثاني من اتجاهات مختلفة وباستخدام طائرات مسيرة، ما تسبب في أضرار واسعة النطاق لقاعدة الجيش والمناطق السكنية المحيطة بها.

ورد الجيش بتبادل إطلاق النار مع قوات الدعم السريع والميليشيات العربية حتى انسحابه، ثم اجتاحت قوات الدعم السريع وحلفاؤها القاعدة، وكذلك المواقع التي يسيطر عليها مقاتلو المساليت المساندون للجيش وجميع المناطق السكنية.

واستمر القتال في أرداماتا لمدة يوم بعد انسحاب الجزء الأكبر من قوات الجيش، وأفاد الشهود بأن العديد من المدنيين وقعوا في مرمى النيران، وتوجه المئات منهم إلى القاعدة على أمل أن يحميهم الجنود، لكن بمجرد سيطرة قوات الدعم السريع على القاعدة وانسحاب الجنود والمقاتلين المساليت، تزايدت الفظائع بسرعة.

وأشار "موقع ميدل إيست آي" إلى لقطات فيديو يُزعم أنها تظهر عشرات المدنيين تجمعوا من قبل رجال الميليشيات وتعرضوا للجلد، وظهر فيها أحد عناصر الميليشيات يشتم الأسرى قائلاً: "أين الأسلحة؟ أين خبئتموها يا أبناء الكلب؟"؟

ويظهر مقطع فيديو آخر، من مستشفى أرداماتا العسكري، غرفة مليئة بالجثث والجرحى ملقاة على الأرض الملطخة بالدماء. ويُسمع فيه صوت مقاتلين يبحثون عن جنود من القوات المسلحة السودانية بينهم.

وتظهر صورة أخرى متداولة على نطاق واسع عبر الإنترنت حوالي 16 جثة ملقاة في أحد شوارع أرداماتا.

قلق دولي

وأدانت الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى الهجوم، واتهمت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب انتهاكات خطيرة ووعدت بالتحقيق في الأمر.

وقالت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان إن عمليات القتل تشير إلى أن مجتمع المساليت كان مستهدفا بشكل خاص وأن الميليشيات اعتقلت الأشخاص المشتبه في تعاونهم مع الجيش.

في غضون ذلك، قال مجلس السيادة، وهو هيئة تنفيذية يهيمن عليها قائد الجيش والحاكم الفعلي للسودان، عبد الفتاح البرهان، إن زعيما محليا كبيرا للمساليت "اغتيل" في الجنينة على يد "ميليشيات قوات الدعم السريع".

وأضاف المجلس، في بيان، إن "جرائم قوات الدعم السريع لم تتوقف عند مقتل القائد، بل قتلت أيضا نجله و8 من أحفاده في حادثة من شأنها إشعال العصبية القبلية والكراهية بين أبناء المنطقة".

ونفت قوات الدعم السريع مسؤوليتها عن أي مذابح، ونشرت في وقت سابق من هذا الأسبوع مقاطع فيديو للجنينة تظهر أن الحياة تسير بشكل طبيعي، مع حضور عشرات الأشخاص صلاة الجمعة في المسجد الرئيسي.

وفي يوم سقوط القاعدة، عينت قوات الدعم السريع أيضًا أكبر قادتها في غرب دارفور، عبد الرحمن جمعة، حاكمًا للولاية.

ونشرت قوات الدعم السريع، الجمعة، مقطع فيديو لجمعة يتوعد فيه بتحقيق الاستقرار في الولاية ووقف أنشطة "الخارجين عن القانون" في أردمتا والجنينة.

وقال إنه يريد إعادة الخدمات إلى غرب دارفور، مردداً المبادرات التي اتخذت في نيالا بجنوب دارفور وزالنجي بوسط دارفور، وهي المدن التي استولت عليها قوات الدعم السريع مؤخراً، والتي سعت منذ ذلك الحين إلى تقديم الخدمات الإدارية المحلية.

يشار إلى أن تقديرات عديد المراقبين تشير إلى أن قوات الدعم السريع تسعى إلى تشكيل حكومة موازية في السودان، وهو ما تفعله من خلال إنشاء إدارات محلية لتقديم الخدمات.

المصدر | ميدل إيست آي/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان حميدتي دارفور الدعم السريع المساليت أرداماتا

"الحرية والتغيير" ترحب باللقاء المرتقب بين البرهان وحميدتي