تهديد خطير لعقد الدولة.. مصير الأسرى لدى حماس قد يمزق المجتمع الإسرائيلي

الثلاثاء 21 نوفمبر 2023 09:35 ص

سلط الكاتب الصحفي الإسرائيلي، ميرون رابورت، الضوء على قضية الأسرى المحتجزين في قطاع غزة، واصفا إياها بأنها باتت "الأكثر حساسية في إسرائيل"، بعد مرور أكثر من شهر على أسرهم في عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وذكر رابورت، في تحليل نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، أنه "لا أحد يعرف حقيقة ما يجري في المفاوضات لإطلاق سراح الأسرى، في ظل تداول أنباء عن اقتراب الوصول إلى اتفاق هدنة وتبادل للأسرى بين إسرائيل وحركة حماس.

وأضاف أن حماس منفتحة نسبيا بشأن هذه القضية، واقترحت إطلاق سراح عدد من الأسرى المدنيين مقابل وقف العدوان الإسرائيلي، يليه إطلاق سراح حوالي 100 آخرين من الأسرى لديها مقابل الأسرى من النساء والقاصرين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

ومع ذلك، واصلت إسرائيل هجومها على غزة، الذي أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 12 ألف فلسطيني، بينهم 5000 طفل.

وعثر جنود الاحتلال هذا الأسبوع على جثتي أسيرين إسرائيليين، يعاني أحدهما من السرطان والآخر جندي قالت حماس إنه قُتل في غارة إسرائيلية.

والسؤال المطروح على المجتمع الإسرائيلي اليوم هو: ما هو نوع الالتزام الذي يتعين على الدولة تجاه إعادة الأسرى؟ وهو تطور مثير للاهتمام، ففي الماضي، كان هناك افتراض غير معلن بأن إسرائيل ستبذل كل ما في وسعها لتحرير مواطنيها المحتجزين.

ويزيد من إلحاح السؤال أن المجتمع الإسرائيلي لم يشهد هذا العدد الكبير من الأسرى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، وكان العديد من الأسرى آنذاك جنودًا أسقطت طائراتهم في الأراضي السورية والمصرية، أما اليوم، فغالبية أسرى حماس هم من المستوطنين، ويعتقد أن 35 منهم فقط جنود.

ودفعت إسرائيل في السابق ثمنا باهظا مقابل إطلاق سراح جنودها، ومؤخراً، تم إطلاق سراح 1027 سجيناً فلسطينياً في عام 2011 مقابل إطلاق سراح، جلعاد شاليط، وهو إسرائيلي كانت حماس تحتجزه.

العقد الاجتماعي

ويشير رابورت، في هذا الصدد، إلى أن نوعا من العقد الاجتماعي كان مستقرا في إسرائيل، مفاده أن يقوم المواطنون بتجنيد أبنائهم وبناتهم للجيش مقابل أن تبذل الدولة كل ما في وسعها لإعادتهم حال أسرهم، لكن هذا التعاقد الضمني يبدو أنه تغير مع صعود اليمين الديني المتطرف في المجتمع الإسرائيلي، وأيضا في الجيش نفسه.

فقد أصبح عدد الضباط من الرتب المتوسطة والعالية من اليمين الديني في الجيش أكبر من أي وقت مضى، ويهيمن المستوطنون اليمينيون المتطرفون على الحكومة نفسها، ما أدى إلى نوع جديد من التفكير، يُتوقع فيه من الإسرائيليين أن "يضحوا بأنفسهم من أجل وطنهم، وليس على الدولة أي التزام بإعادتهم".

وتقول الأصوات المدافعة عن هكذا تفكير إن قضية الدولة اليهودية مهمة للغاية بحيث لا ينبغي القيام بأي شيء من شأنه أن يعرقلها أو يلحق بها الضرر أو يعيقها، مثل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين مقابل إسرائيليين.

ويلفت رابورت إلى أن هذا التغيير في التفكير جرى تدريجيًا، ويعكس السجال بين وجه إسرائيل الأقدم والأكثر ليبرالية، الذي يعتقد أن حياة الإنسان مهمة وكل فرد مهم، والوجه الأكثر أصولية حاليا، والذي يقول إن "هذا هو الثمن الذي يتعين علينا أن ندفعه".

ويتجلى هذا السجال بين الإسرائيليين في الحملة التي تقودها عائلات الأسرى، والعديد منهم من مجتمعات الكيبوتسات (المستوطنات) ذات الميول اليسارية، ضد الحكومة، التي يهيمن عليها الأصوليون الصهاينة المتدينون.

وبدأت حرب إسرائيل على غزة في أعقاب خسارة فادحة في الأرواح الإسرائيلية، حيث قُتل نحو 1200 شخص في الهجوم الذي قادته حماس، ومع وجود هذا العدد الكبير من القتلى، هناك تفكير داخل الدوائر اليمينية بأن خسارة بضع مئات آخرين لن تكون فظيعة للغاية إذا كان ذلك يعني سحق حماس بالكامل.

وبذلك أصبحت الرغبة في كسب الحرب، من أجل إسقاط حماس، قضية وجودية تقريباً، حيث أبلغ الإسرائيليون بلادهم بأن "الشعب اليهودي على المحك".

وإذا كان إطلاق سراح الأسرى يعني منح حماس فترة توقف للقتال على نحو يسمح لها بالوقت الكافي للتعافي، وبالتالي تقليص فرص تحقيق النصر الإسرائيلي الكامل، فإن هذا يعتبر غير مقبول في نظر العديد من قادة إسرائيل وقسم كبير من جمهورها، بحسب الموقع البريطاني.

وتعني حقيقة أن العديد من الأسرى ينتمون إلى الوجه الأكثر ليبرالية في إسرائيل أن القضية بدأت تعكس الوضع السياسي المنقسم في الدولة العبرية قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول.

مظاهرات واستطلاعات

فقبل أشهر من "طوفان الأقصى"، كان مئات الآلاف من الإسرائيليين ينظمون مظاهرات أسبوعية ضد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وحكومته، وكانوا يتصارعون حول معركة أخرى وجودية، وهي الإصلاحات القضائية التي دفع بها نتنياهو، واعتبرها معارضوه تقويضا للديمقراطية الإسرائيلية.

وكان ما لا يقل عن نصف الجمهور الإسرائيلي فاقدا للثقة في نتنياهو قبل الحرب، ومنذ ذلك الحين، لم يفعل رئيس الوزراء أي شيء لإقناعهم بأنه الرجل المناسب لإعادة الأسرى إلى ذويهم أيضًا.

وأظهر استطلاع للرأي، نُشر يوم الخميس، أن حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، سيحصل على 17 مقعدا فقط من مقاعد البرلمان البالغ عددها 120 مقعدا إذا أجريت الانتخابات الآن، ما يمثل نصف مقاعد حزب الوحدة الوطنية، الذي يتزعمه منافسه من يمين الوسط، بيني غانتس.

وأظهر استطلاع آخر، الأسبوع الجاري، أن أقل من 4% من اليهود الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو مصدر موثوق للمعلومات حول الحرب، فيما أظهر استطلاع ثالث، نُشر في 3 نوفمبر/تشرين الثاني أن 76% من الإسرائيليين يريدون استقالة رئيس الوزراء.

لكن البقاء السياسي أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنتنياهو، ومن المرجح أن أول شيء يفعله في الصباح هو قراءة آخر استطلاعات الرأي، حتى قبل أن يتلقى الأخبار من ساحة المعركة، ولذا فهناك شك في أنه يريد إطالة أمد الحرب، حيث سيكون من الصعب للغاية إزاحته خلالها.

بداية النهاية

ورغم أن التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح بعض أو كل الأسرى قد لا يعني بنهاية الحرب، لكنه قد يكون بداية النهاية. ولذلك تعتقد عائلات الأسرى أن نتنياهو ليس في عجلة من أمره لوقف القتال من أجل تحرير المحتجزين في غزة.

ويلفت رابورت إلى أن نتنياهو تحدث بالكاد إلى عائلات الأسرى، واستغرق الأمر منه شهرين للقاء بعض ممثليها، ما جعلهم يشعرون بالتخلي عنه. وبعدما تبنت وسائل الإعلام السائدة رواية الجيش الإسرائيل، بأن الضغط العسكري على حماس من شأنه أن يرغمها على التنازل عن صفقة أفضل من أجل الأسرى، ليس هناك ما يشير إلى أن هذا هو الحال بالفعل.

فالصفقة التي تعرضها حماس اليوم لا تختلف عن تلك التي سبقت بدء إسرائيل غزوها البري في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بحسب مصادر الموقع البريطاني، مضيفا: "من المحتمل أن نعرف النتيجة خلال شهر أو شهرين: إما أن الأسرى سيتحررون أو سيموتون".

وإذا حدث احتمال موت الأسرى، فإن التأثير على التماسك الاجتماعي في إسرائيل سيكون هائلاً، لأنه سيكون فشلا لإسرائيل في إنقاذ عشرات المواطنين عندما أتيحت لها الفرصة، ما يعني أن "العقد الاجتماعي بين الجمهور والدولة والجيش سينكسر أكثر فأكثر"، حسبما يرى رابورت.

وخلص الكاتب الإسرائيلي إلى أن نتنياهو أن الدولة العبرية أمام منعطف، ليس فقط بالنسبة للحرب، بل بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي ككل.

المصدر | ميدل إيست آي/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل حماس غزة الأسرى جلعاد شاليط نتنياهو

كيف دفعت هجمات 7 أكتوبر المجتمع الإسرائيلي للتحول نحو القلق والخوف؟