جماعات "المقاومة العراقية".. هل تفتح جبهة جديدة للحرب مع إسرائيل؟

الأربعاء 22 نوفمبر 2023 07:58 م

سلط الزميل في معهد واشنطن، بلال وهاب، والزميلة الزائرة في المعهد، سيلين أويسال، الضوء على اتساع دائرة الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية خلال الأيام الماضية، وتداعيات ذلك على تصاعد العمليات التي تقوم بها فصائل عراقية، مدعومة إيرانيا.

وذكر الزميلان، في تحليل نشراه في موقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن الضربات المتبادلة بين القوات الأمريكية ومليشيات الفصائل العراقية هي أحد أعراض المنافسة الأوسع بين الجهات الفاعلة المتنافسة في العراق، والتي يجب على المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين العمل معًا على احتوائها.

وأضاف أن التقارير أفادت بأن طائرة حربية من طراز AC-130 قصفت عناصر ميليشيا عراقية بالقرب من بغداد بعد تعرض القوات الأمريكية في قاعدة الأسد الجوية للهجوم، وهو التطور الأحدث في سلسلة من عمليات تبادل القصف منذ اندلاع الحرب في غزة.

وذكر الباحثان أن كلا من إدارة بايدن والميليشيات المدعومة من إيران تعمدتا الحد من نطاق ضرباتهما وقدرتهما على القتل حتى الآن، وأن القصف الأخير يهدف إلى إرسال الرسائل والردع بدلاً من التصعيد.

ومع ذلك، لا يزال الوضع ينطوي على خطر كبير للانفجار إلى شيء أكبر، سواء عن قصد أو غير ذلك من الحسابات الخاطئة.

وتسلط الهجمات شبه اليومية الضوء أيضاً على الديناميكيات السياسية الداخلية المعقدة وراء ردود الفعل العراقية على الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وفي القلب منها حركة حماس، حيث تسعى العديد من الجهات الفاعلة المتنافسة إلى استغلال الصراع على النحو الذي يعزز مكانتها من دون تعريض السلطة والدخل الذي اكتسبته بالفعل للخطر.

ضبط النفس

فالعديد من الميليشيات الشيعية تمثل جزءاً من الحكومة العراقية الحالية، وهو الوضع الذي وصلت إليه بعد سنوات من استخدام أسلحتها، ورعايتها من النظام الشيعي في إيران، وسجلها في قتال القوات الجهادية السنية التابعة لتنظيم الدولة للحصول على مقاعد حكومية.

وكما هو الحال مع معظم الميليشيات الشيعية الأخرى في الشرق الأوسط، فقد أعلنت نفسها جزءًا من "محور المقاومة" الإيراني المناهض للولايات المتحدة وإسرائيل، والذي أعيدت تسميته مؤخرًا تحت اسم المظلة المحلية "المقاومة الإسلامية في العراق".

ومنذ 18 أكتوبر/تشرين الأول، عندما قصف الاحتلال الإسرائيلي المستشفى الأهلي المعمداني في غزة، نفذ أعضاء "المقاومة العراقية" أكثر من 60 هجومًا بطائرات مسيرة وصواريخ وقذائف ضد أهداف أمريكية في العراق وسوريا، بما في ذلك تفجير على جانب الطريق ضد قافلة للتحالف.

ومع ذلك، فإن الميليشيات العراقية لديها أيضاً سبب وجيه لإظهار ضبط النفس، فهي كحليفها اللبناني، حزب الله، أصبحت لاعبا مهيمنا على سياسة بلادها، ومن شأن نشوب حرب واسعة النطاق مع الولايات المتحدة أن يعرض قبضتها على السلطة للخطر، ومن ثم، فهي تفضل عادةً إبقاء نشاطها العسكري ضد المصالح الأمريكية إما هادئًا أو على نار هادئة، بينما تواصل ترسيخ وجودها في الدولة العراقية.

وكان هذا المنطق هو الذي وجه كتائب "بدر"، المدعومة من إيران، لفترة طويلة، وهو ما ينطبق أيضا على "عصائب أهل الحق"، وهي إحدى الميليشيات الأكثر قوة سياسياً في العراق، لكن ليس كل الجماعات المدعومة من إيران تتشاطر هذا النهج.

فكتائب حزب الله العراقي وكتائب سيد الشهداء تعتقد أن مهاجمة الأهداف الأمريكية بشكل متكرر هو وسيلة فعالة للحصول على ميزة على منافسيها، رغم أنها حريصة أيضًا على معايرة شدة وتوقيت أفعالها بما يتناسب مع أهدافها، تجنبا لانتقام كبير.

وينبع ضبط النفس الذي تمارسه الميليشيات العراقية أيضاً من حقيقة مفادها أن الزعيم الديني الشيعي الأعلى، علي السيستاني، لم يحث على العمل المسلح عندما أعلن علناً دعمه للفلسطينيين في 11 أكتوبر/تشرين الأول.

ولا يزال السيستاني يحظى باحترام كبير من جانب الميليشيات، على الرغم من أن بعضها أكثر ميلا لتنفيذ إملاءات المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي.

وإضافة لذلك، فإن العلاقات بين الفلسطينيين في العراق والميليشيات الموالية لإيران لها تاريخ معقد ومثير للجدل في كثير من الأحيان، ما يثير تساؤلات حول استعداد الأخيرة لتحمل المخاطر من أجل القضية الفلسطينية.

فقد قام أسلاف الميليشيات الحالية بمضايقة ومهاجمة اللاجئين الفلسطينيين في الماضي، حيث اعتبروهم موالين لصدام حسين. وبين عامي 2003 و2008، انخفض عدد السكان الفلسطينيين المحليين من 34 ألفا إلى حوالي 9 آلاف فقط.

أسباب التنبيه

ولا يكمن الخطر الأكبر في العراق بالفصائل الموالية لإيران، ولكن أيضا بالحركة الشعبوية التي يرأسها مقتدى الصدر.

فعلى عكس لبنان، تفتقر الفصائل العراقية الموالية لإيران إلى زعيم واضح، وانقسمت بشكل متزايد منذ عام 2020، عندما قتلت غارة أمريكية قائد الميليشيا، أبو مهدي المهندس. واليوم، يشغل العديد من هذه الفصائل مناصب رئيسية في حكومة رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني.

ومع ذلك، فإن العديد من الجماعات الأحدث والأصغر تريد المزيد من السلطة والموارد، وتحسد عصائب أهل الحق على صعودها من جماعة مسلحة إلى لاعب سياسي رئيسي.

وتؤدي هذه المنافسات بشكل دوري إلى قيام مجموعات معينة بتنفيذ المزيد من الهجمات على أهداف أمريكية، وحتى لو لم يكن الجناة يعتزمون قتل الأمريكيين، فإن الأخطاء تشكل خطرًا دائمًا.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، على سبيل المثال، قُتل أمريكي في غارة لميليشيات على قاعدة في كركوك، ما أدى إلى دائرة تصعيد انتهت بقتل الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وإطلاق إيران صواريخ على العراق.

ويُعتبر الصدر لاعباً رئيسياً آخر في هذه المنافسة التي كانت محتدمة بالفعل قبل حرب غزة بسبب الانتخابات المحلية المقبلة في العراق في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ولطالما اعتمد رجل الدين الصاخب على المشاعر المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة لتحقيق مكاسب سياسية، وفي عام 2022 دفعت حركته إلى تعزيز قانون مكافحة التطبيع الحالي من خلال فرض عقوبة الإعدام على العراقيين المدانين بـ "التعاون مع إسرائيل".

ودفعت الأزمة الحالية إلى عودة للصدر، الذي انسحب من المشهد السياسي العام الماضي بعد فوزه بأغلبية المقاعد في البرلمان لكنه فشل في تشكيل حكومة.

ولا يزال الصدر هو الشخصية الوطنية الوحيدة التي تقود حركة سياسية جماهيرية، وغالبًا ما يستخدم هذا النفوذ العام لإصدار مطالب متطرفة؛ لإحراج حكومة السوداني وتحدي الجماعات المتطرفة على أرضها الأيديولوجية.

وعلى سبيل المثال، دعا الصدر مراراً وتكراراً إلى إنهاء الوجود العسكري الأمريكي وإغلاق السفارة الأمريكية، حتى أنه طلب من أنصاره النزول إلى الشوارع إبران زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى العراق في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

كما أصدر الصدر، وقيادة الميليشيات الأخرى، دعوات منفصلة لتنظيم احتجاجات حاشدة الشهر الماضي بالقرب من الحدود مع الأردن، أي "أقرب ما يمكن من إسرائيل".

وفي هذه البيئة من تنافس الفصائل التي تحاول إثبات "التفوق الراديكالي"، قد لا يكون أمام المؤسسة الموالية لإيران، التي تحكم العراق، خيار سوى تبني خطاب أكثر صرامة.

 وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول، أصدر هادي العامري، من منظمة بدر، بياناً يدعو إلى انسحاب التحالف العالمي ضد تنظيم الدولة من العراق، معتبراً أن التهديد لم يعد يبرر الوجود العسكري الأجنبي.

ورغم أن مثل هذه التصريحات قد لا تؤدي إلى أي خطوات عملية من جانب الحكومة، إلا أنها قد تخلق بيئة أكثر تساهلاً للعنف المناهض للغرب.

الآثار المترتبة

وإزاء ذلك، اتخذت إدارة بايدن نهجا مختلطا تجاه التصاعد الحالي في هجمات الميليشيات العراقية، فقبل ضربة طائرة AC-130 بالقرب من بغداد، كان كل رد من ردود واشنطن على الهجمات يحدث في سوريا، وليس في العراق، تماشيًا مع رغبة الإدارة الأمريكية في تجنب زعزعة استقرار شريك الولايات المتحدة.

وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدرت الولايات المتحدة عقوبات جديدة ضد كتائب سيد الشهداء والعديد من الشخصيات في كتائب حزب الله، في خطوة رمزية إلى حد كبير، كانت متوقعة على نطاق واسع بعد أسابيع من الهجمات.

 ولكن إلى جانب إرسال رسالة واضحة إلى الميليشيات، فإن مثل هذه العقوبات لن يكون لها تأثير عملي يذكر.

ويعد التنسيق الوثيق مع الدول الأوروبية أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة، فالقواعد العسكرية المستهدفة من المليشيات في العراق تشمل قوات من دول أخرى أعضاء في التحالف ضد تنظيم الدولة، وقد قُتل الرقيب في القوات الخاصة الفرنسية، نيكولا مازير، خلال عملية ضد عناصر التنظيم في كركوك قبل بضعة أسابيع.

وسيكون تبادل المعلومات الاستخبارية بشكل أكبر حول مشهد الميليشيات العراقية المعقد موضع ترحيب أمريكي بشكل خاص، وإضافة لذلك، فلدى بعض هذه الدول سفارات نشطة في طهران وإمكانية وصول أكبر إلى الشخصيات الرئيسية في المؤسسة الإيرانية، والتي تتجنبها الإدارة الأمريكية.

ويمكن استخدام كل هذه المنافذ لاستكمال رسائل واشنطن الدبلوماسية الرادعة، فخلال الأزمة الحالية، تقدمت فرنسا علناً إلى الأمام من خلال التعامل مع حزب الله، الوكيل الرئيسي في "محور المقاومة" الإيراني.

لكن الباحثان ينوهان إلى ضرورة عدم النظر إلى البرجماتية، التي أبدتها مختلف الجهات العراقية الفاعلة، على أنها أكثر من مجرد تكتيك قصير المدى، وأكدا أن الهدف الاستراتيجي الرئيسي لواشنطن يظل كما هو: "تعزيز الدولة العراقية وإضعاف الميليشيات".

المصدر | بلال وهاب وسيلين أويسال/معهد واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل غزة العراق المقاومة الفلسطينية حماس

إنترسبت: دعم أمريكا الراسخ لإسرائيل بحرب غزة يوحد محور المقاومة المدعومة من إيران

هجوم جديد يستهدف قاعدة أمريكية في أربيل.. والبنتاجون يحتفظ بحق الرد الحاسم