حرب غزة تضاعف صعوبة موازنة العلاقات الأمريكية بشمال إفريقيا (تحليل)

الخميس 23 نوفمبر 2023 02:01 م

سلط الباحث في الجغرافيا السياسية والأمنية بجامعة "كينجز كوليدج" في لندن، أمين غوليدي، والزميلة في معهد واشنطن، سابينا هينبيرغ، الضوء على كيفية موازنة العلاقات الأمريكية في شمال أفريقيا دون تقويض اتفاقيات إبراهيم للتطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة، وأشارا إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تحتاج إلى التعامل بحذر مع الجزائر.

وأوضح الباحثان، في تحليل نشراه بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن الحفاظ على مفاوضات الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية وحماية علاقات المغرب الحاسمة مع واشنطن وإسرائيل أمر بالغ الأهمية للمصالح الإقليمية للولايات المتحدة.

وأضافا أن تاريخي 29 أكتوبر/تشرين الأول و5 نوفمبر/تشرين الثاني شهدا ضرب عدة صواريخ لمدينة السمارة في الصحراء الغربية الخاضعة للإدارة المغربية، ما أدى إلى تصعيد كبير في الصراع المستمر على المنطقة منذ عقود وتفاقم التوترات بين الرباط والجزائر.

وعلى خلفية التوترات التي تشهدها المنطقة والتي أشعلتها حرب غزة، أضاف الباحثان أن الولايات المتحدة تواجه مهمة حساسة تتمثل في إدارة علاقتين رئيسيتين: شراكتها التاريخية مع المغرب، الذي قام بالتطبيع مع إسرائيل، وتعاملها مع الجزائر، التي ترفض هذا التطبيع، إضافة إلى احتواء التصعيد الأخير من قبل جبهة البوليساريو، وهي المجموعة التي يُرجح وقوفها وراء الهجمات الصاروخية الأخيرة.

إسرائيل وشمال أفريقيا

ويزعم الباحثان أن جذور صراع الصحراء الغربية تكمن في رحيل إسبانيا ما بعد الاستعمار في أواخر السبعينيات، ما "خلق فراغا في المنطقة"، وسرعان ما أكد المغرب مطالباته التاريخية على الإقليم، في حين ظهرت جبهة البوليساريو للدفاع عن الاستقلال. وتحدى الصراع الناتج على المنطقة عقودًا من جهود الأمم المتحدة والولايات المتحدة لإيجاد حل سياسي.

ويتمتع المغرب الآن بالسيطرة الفعلية على معظم أراضي الصحراء الغربية، لكن جبهة البوليساريو تواصل المطالبة بالاستقلال.

وفي أواخر عام 2020، اعترفت إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية كجزء من اتفاق ثلاثي أوسع مع إسرائيل، ما أدخل الرباط في عملية التطبيع التاريخية التي أطلقتها اتفاقيات إبراهيم.

وكان ذلك بمثابة انتصار كبير للرباط، التي أمضت سنوات في مناشدة الدول الاعتراف بمطالبتها بالسيادة مقابل تعزيز العلاقات، فالحصول على دعم الولايات المتحدة عزز قدرة المغرب على إثراء العملية الدولية الجارية التي تهدف إلى إنهاء النزاع.

ومنذ ذلك الحين، عمّقت الرباط علاقاتها الثنائية مع إسرائيل، وصل الجانب الدبلوماسي للعلاقة إلى مرحلة بارزة أخرى مع اعتراف إسرائيل في يوليو/تموز 2023 بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وبعد ذلك دعا الملك، محمد السادس، رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لزيارة البلاد.

كما سهّلت هذه العلاقة حصول المغرب على أسلحة متقدمة مثل نظام "باراك إم إكس" الدفاعي، وهي خطوة استراتيجية تهدف إلى مواجهة النزعة الإقليمية المتزايدة للجزائر. وفي المقابل، عززت الجزائر قدراتها العسكرية أيضاً، مدعومة بارتفاع عائدات الغاز الطبيعي والعلاقات الوثيقة مع روسيا والصين، ليصبح الخصمان من بين أكبر 3 مشترين للأسلحة في أفريقيا.

قيود حرب غزة

ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، اهتزت العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وأصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أمر إخلاء لمكتب الاتصال التابع لها في الرباط، الشهر الماضي، بينما أعربت المملكة عن قلقها إزاء الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.

ويعكس تردد الرباط في الظهور العلني كداعم لإسرائيل خلال الحرب يعكس مشهدها السياسي الداخلي المعقد، والذي اتسم بدعم شعبي واسع للقضية الفلسطينية وتزايد الدعوات لإلغاء اتفاق التطبيع.

ومن جانبها، حافظت الولايات المتحدة على اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في ظل إدارة بايدن مع التأكيد، في الوقت نفسه، على التزامها بالعملية التي تقودها الأمم المتحدة.

كما تفاعلت واشنطن بنشاط مع الجزائر، وهو ما بدا جليا عندما زار نائب مساعد وزير الخارجية، جوش هاريس، المنطقة في سبتمبر/أيلول واجتمع مع كبار المسؤولين الجزائريين وزعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي.

وأشارت هذه الاجتماعات إلى أن الإدارة الأمريكية ستتبع نهجًا دقيقًا تجاه نزاع الصحراء الغربية، ما يخفف من توقعات الرباط بدعم أمريكي مطلق في قضية الصحراء.

ومع ذلك، فإن حرب غزة وهجمات البوليساريو المتصاعدة يمكن أن تؤدي إلى تعقيد هذه الاستراتيجية، بحسب البحثين، فعلى سبيل المثال قد يفسر المسؤولون المتخوفون بشكل متزايد في الرباط المبادرات تجاه الجزائر وغالي على أنها خروج عن التزامات الولايات المتحدة بموجب الاتفاق الثلاثي، الذي يدعم صراحة خطة المغرب للحكم الذاتي باعتبارها "الأساس الوحيد" لحل نزاع الصحراء الغربية.

ومن الممكن أن يؤدي مثل هذا التحول الملحوظ إلى تقويض العلاقات الثنائية الأوسع بين المملكة وواشنطن وإسرائيل.

وإضافة لذلك، ومنذ أن أنهت جبهة البوليساريو وقف إطلاق النار الأخير في أواخر عام 2020، أظهر الوضع علامات مثيرة للقلق بشأن التصعيد العسكري، والذي تجسد في هجمات السمارة الصاروخية.

وقبل أسابيع من هذا الحادث، قتل خفر السواحل الجزائري بالرصاص اثنين من المتزلجين المغربيين الفرنسيين بزعم أنهم دخلوا المياه الإقليمية للبلاد.

واختارت السلطات المغربية الرد القضائي على كل من حادثة الدراجة المائية وضربات السمارة، ومن الواضح أنها تفضل هذا النهج على العمل العسكري.

ويقدر الباحثان التهديد بالاشتباكات العسكرية المباشرة بين البلدين بأنه "لايزال منخفضاً نظراً لأن أياً منهما لا يرى فائدة كبيرة من خوض الحرب"، ومع ذلك من المرجح أن تجد الرباط صعوبة أكبر في صد الاستفزازات في بيئة مشحونة.

وفي الوقت نفسه، تعرب الجماعات الإسلامية المغربية بشكل متزايد عن معارضتها الشعبية لإسرائيل من أجل تعزيز مكانتها في الداخل، ويمثل موقف هذه الجماعات، خاصة العدل والإحسان، التي يخلو موقفها من قضايا الشرق الأوسط من القيود والتناقضات التي تشكل بالضرورة سياسة الحكومة الخارجية، تحديًا للرباط، التي تسعى إلى علاقات أكثر واقعية مع الخارج.

ووسط هذه التحديات، أصبحت التوقعات بشأن اتفاقات إبراهيم والعلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب وقضية الصحراء الغربية غامضة بشكل متزايد.

الزاوية الجزائرية

وتعتبر الصحراء الغربية مسألة ذات أهمية وطنية حاسمة للجزائر، ولذا تضخمت التوترات بشأنها مع المغرب منذ أغسطس/آب 2021، عندما قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، وأوقفت صادرات الغاز إلى المغرب وسط ارتفاع عالمي في أسعار الطاقة.

وفي إعلانها عن القرار، أشارت السلطات الجزائرية إلى "أعمال عدائية" من الجانب المغربي، لم تحددها، كما أغلقت مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المغربية، وهو أحد أكبر المجالات الجوية في أفريقيا، ما أضاف وقتًا وتكلفة كبيرين للرحلات الجوية المتجهة شرقًا إلى المغرب.

وفي الوقت نفسه، أثارت الرباط غضب الجزائر من خلال تكثيفها لعمليات الطائرات المسيرة في المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، ما أسفر عن مقتل قادة من البوليساريو، وإصابة مدنيين جزائريين في إحدى الحوادث التي وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

 وهنا يشير الباحثان إلى أن أي تصعيد إضافي من جانب جبهة البوليساريو، التي تتمركز عملياتها على الأراضي الجزائرية، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الاحتكاك الثنائي بين الجزائر والمغرب.

ورغم أن الجزائر يمكنها أن تنأى بنفسها علناً عن هجمات البوليساريو التي تنطلق من المنطقة العازلة في الصحراء الغربية، إلا أن جميع الأطراف تدرك جيداً أن بقاء الجماعة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالضمانات الأمنية الجزائرية.

وعلى هذه الخلفية، يمكن للولايات المتحدة أن تعطل علاقتها الطويلة الأمد مع المغرب إذا لم تتوخ الحذر في إدارة علاقاتها المتطورة مع الجزائر.

ويلفت الباحثان إلى أن الرباط تعمل بالفعل على تنويع شركائها الأجانب وسط شكوك إقليمية متزايدة حول موثوقية واشنطن، وتراهن على الدفع القوي للصين وروسيا في أفريقيا.

وفي الشهر الماضي وحده، أعلنت العديد من الشركات الصينية عن استثمارات جديدة في المغرب، بما في ذلك إنشاء مصانع مواد الكاثود، وهو عنصر حاسم في صناعة السيارات الكهربائية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، وقعت وزارة الطاقة المغربية مذكرة تفاهم بشأن التعاون النووي السلمي مع شركة روساتوم الروسية.

كما عززت موسكو إمدادات الوقود إلى المغرب في محاولة لإعادة توجيه المنتجات النفطية في ظل العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي.

ومع ذلك، ظلت الرباط حذرة بشأن مثل هذه العلاقات نظراً لموقف روسيا المؤيد للجزائر بشأن الصحراء الغربية وتعاملها المفتوح مع جبهة البوليساريو.

ومن جانبها، طورت الجزائر شراكة أمنية واستراتيجية عميقة مع موسكو تظل حجر الزاوية في سياستها الخارجية، على الرغم من الخلافات العرضية، وأقامت شراكة قوية مع الصين أيضًا.

وفي عام 2022، وقعت الجزائر والصين خطة خمسية أخرى للتعاون الاستراتيجي الشامل، وتعزز عمق العلاقة عندما زار الرئيس، عبدالمجيد تبون، بكين هذا الصيف.

وإضافة لذلك، زار رئيس أركان الجيش الجزائري، سعيد شنقريحة، بكين، الأسبوع الماضي، للقاء كبار مصنعي الأسلحة، ما يعكس دفعة كبيرة لتحديث القدرات العسكرية للبلاد.

ونظراً لعمق هذه العلاقات، فإن الجهود الأمريكية لإشراك الجزائر لا تضمن ابتعادها عن موسكو وبكين أو منحها تنازلات تجاه وقف التصعيد مع الرباط.

وإزاء ذلك، قد يؤدي التقارب الأمريكي مع الجزائر إلى مزيد من الغموض في علاقات المغرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل في وقت الأزمة الإقليمية.

الطريق الى الأمام

وفي هذا المشهد المتطور، يرى الباحثان ضرورة مواصلة واشنطن لدعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة لحل نزاع الصحراء الغربية، مع دعم اعترافها بالسيادة المغربية على الإقليم، باعتبار أن هذا النهج المتوازن هو ما يساعد في تسهيل المشاركة النشطة مع الجزائر دون تقويض علاقات المغرب مع إسرائيل، التي تخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية الأوسع في المنطقة.

كما يرى الباحثان ضرورة استخدام واشنطن ارتباطها الدقيق مع الجزائر لتخفيف التوترات مع الرباط وتثبيط المزيد من التصعيد العسكري في الصحراء الغربية.

ويتطلب ذلك اتباع نهج دقيق، والاستفادة من نفوذ الولايات المتحدة لإخماد الأعمال العدائية والعودة إلى الحوار، بحسب الباحثين، اللذين اقترحا على المسؤولين الأمريكيين أن يضعوا في اعتبارهم أن العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل يمكن أن تساهم في الجهود الإنسانية وجهود إعادة الإعمار في غزة بعد الحرب.

 ومع ذلك، وفي غياب الدعم الأمريكي المستمر والرؤية القوية لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ستجد الرباط صعوبة في الالتزام بالمبادرات التي تقودها الولايات المتحدة في غزة، خاصة إذا كانت ستترتب عليها تكاليف محلية كبيرة أو تؤثر على سمعتها.

المصدر | أمين غوليدي وسابينا هينبيرغ/معهد واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

شمال أفريقيا العلاقات الأمريكية إسرائيل اتفاقيات إبراهيم الجزائر المغرب

مخرجون إسرائيليون يكشفون حقائق مظلمة عن دولتهم

فورين أفيرز: القوة الغاشمة فشلت في تحقيق الأمن لإسرائيل وليس أمامها سوى التنازلات