كيف رسخت قطر نفسها على رأس الوسطاء بين الفلسطينيين وإسرائيل؟

الجمعة 24 نوفمبر 2023 03:52 م

أظهرت قطر درجات من الخيال تفتقر إليها معظم الجهات الفاعلة الأخرى ذات المصالح الخاصة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد نجاحها في التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحماس لإطلاق سراح الأسرى مقابل المساعدات الإنسانية والإفراج عن السجناء الفلسطينيين.

ووفق تقرير لموقع "ميدل إيست آي"، وترجمه "الخليج الجديد"، فإن التوصل لاتفاق الهدنة المؤقتة، يعد "انتصاراً للدبلوماسية القطرية في أوقات الحرب المظلمة، وهو أيضاً انتصار للقوة الناعمة لوسيطها قطر".

ولعبت الدولة الخليجية الصغيرة نسبياً، دوراً كبيراً في إيجاد طريقة دبلوماسية للخروج من أزمة الأسرى في غزة، مما سمح بدخول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى القطاع، مع تجنب حدوث تصعيد إقليمي أكبر، على الأقل في الوقت الحالي.

ويعتمد دور الوساطة الذي تلعبه قطر على السعي وراء الأهمية من خلال الاعتماد المتبادل، مما يجعل من نفسها شريكًا لا غنى عنه يربط بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، والقوى الصغيرة والعظمى، وشركاء التفاوض غير المحتملين والمنافسين الأيديولوجيين.

ووفق التقرير، فإن ترسيخ قطر مكانتها كمركز جيوسياسي للوساطة والحوار هو "عنصر أساسي في نهج الإمارة الذي يركز على الشبكة في إدارة شؤون الدولة".

ويضيف: "إنه جزء أساسي من الحمض النووي لدولة قطر، حيث تم تكريس الالتزام بالوساطة في المادة (7) من دستورها لعام 2003، بعدما اكتشفت عائلة (آل ثاني) الحاكمة، أن موقف الحياد المبدئي يمكن أن يوفر للدولة الصغيرة، المحشورة بين القوى المتنافسة، إمكانية الوصول والنفوذ والأهمية، والتي يمكن أن تترجم بدورها إلى نفوذ وعمق استراتيجي".

وفي فلسطين، وغزة على وجه الخصوص، تتمتع الدوحة بنقطة فريدة واحتكار لبيئة دبلوماسية منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وفي ذلك الوقت، حاولت دون جدوى التوسط في صفقة بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة، حماس وفتح.

وبينما فشلت وساطتها، أضافت جهود الوساطة جهات اتصال مهمة إلى دفتر عناوين قطر، والتي يمكن أن تتصل بها خلال حروب غزة المتعاقبة.

وفي عام 2012، ضغطت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على الدوحة، لمنح "حماس" مكتبًا سياسيًا في البلاد، بعد مغادرة قادتها سوريا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن استضافة "طالبان" بناء على طلب الولايات المتحدة، يعني أن قطر لا غنى عنها، بينما تعمل واشنطن على الانسحاب من حربها الطويلة في أفغانستان.

وبالمثل، فإن علاقة قطر الفريدة مع إيران، والتي بنيت على البراغماتية بدلا من الثقة المتبادلة العميقة، كانت مفيدة للإدارات الأمريكية المتعاقبة التي حاولت التحدث إلى قيادة الجمهورية الإسلامية من خلال قنوات موثوقة.

وفي سبتمبر/أيلول، توسطت قطر في صفقة رهائن بين إيران والولايات المتحدة.

وعلى خلفية مكانة قطر كوسيط موثوق به، لم يكن من المستغرب أن تتطلع الولايات المتحدة بشكل خاص بسرعة إلى قطر، حتى هبت لإنقاذ الموقف، بعدما جرى بين إسرائيل والمقاومة في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول وما بعدها.

وأثبتت الدوحة أنها وسيط موثوق به بين إسرائيل و"حماس"، منذ حرب غزة 2008-200، فكل اتفاقات وقف إطلاق النار التي تم الاتفاق عليها بين الجانبين على مدى الـ14 عاما الماضية لم تكن ممكنة لولا أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والأجنحة السياسية والمسلحة لحركة "حماس"، تثق في قطر باعتبارها وسيطا شفافا.

وخلافا لدول إقليمية أخرى، لا تمتلك قطر الأمتعة التاريخية التي يمكن أن تقوض دورها كوسيط، حتى لو كانت مغامراتها في الربيع العربي، لا تزال تؤثر على صورة الدولة الخليجية.

وساعد دور الدوحة في التوسط في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مع "طالبان"، وتسهيل إخراج قوات "الناتو" ومواطنيه في عام 2021، في التخلص من معظم ذكريات نشاطها خلال الربيع العربي.

كما ساعدت القناة الخلفية المهمة لقطر بين واشنطن وطهران على مر السنين في هذا الصدد.

وبالنسبة للولايات المتحدة، أصبحت قطر حليفها الأكثر أهمية وموثوقية في الخليج، في وقت يتقرب جيرانها من روسيا والصين.

ورغم أن موقف قطر بشأن فلسطين واضح، وهو عدم التطبيع مع إسرائيل ما لم تلتزم بحل الدولتين، فقد أثبتت الدوحة نفسها وسيطا واقعيا، قادرا على وضع العقلانية أولا، والعواطف ثانيا.

وقد أتاحت القدرة على ترك "الأنا" عند الباب للمفاوضين القطريين، التعامل مع نظرائهم الغربيين الذين غالبًا ما لديهم وجهات نظر متعارضة تمامًا، بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة.

وكان تعاطف قطر مع ضحايا هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول عنصراً حاسماً في إقامة علاقة مع الوسطاء الإسرائيليين، مما يشير إلى غضب الدوحة من "الفظائع التي ارتكبت باسم حماس".

وقد التقى سفيرا قطر لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بأقارب الأسرى، مما أكد بوضوح التزام قطر ببذل كل ما في وسعها لإطلاق سراح هؤلاء الأسرى.

وفي صراع أظهر فيه الفصيلان المتحاربان الانقسام والافتقار إلى التماسك، حماس بسبب بنيتها الشبكية، وإسرائيل بسبب مشهدها السياسي والأمني المستقطب، تمكنت قطر من التحدث بصوت واحد، والسبب في ذلك هو أن الدولة الصغيرة المتجانسة لم تشتت انتباهها السياسة الداخلية.

وتمت الوساطة في مساحة مخصصة للغاية، حيث يستمر اتخاذ القرارات ضمن دائرة محدودة على المستوى الاستراتيجي الأعلى.

وفي بيئة معلومات شديدة الاستقطاب وسريعة الحركة، حيث يكون السيرك الإعلامي والروايات السياسية في كثير من الأحيان أكثر أهمية من العمل والسياسة، كان وسطاء قطر صبورين للغاية.

كما ظلت الطلبات والمطالبات من كل من حماس وإسرائيل تتغير، خاصة وأن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل رفضت مرارا وتكرارا الحلول الدبلوماسية من أجل تسجيل نقاط سياسية.

ومع ذلك، ووفق تقرير "ميدل إيست آي"، فيبدو أن الوقت لعب لصالح قطر، مع استمرار تصاعد الغضب الشعبي في إسرائيل ضد السياسات الفاشلة، وافتقار حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإستراتيجية.

ويضيف: "وبالنظر إلى المستقبل، فإن هذه الصفقة تعتبر نصراً مؤقتاً، ونأمل أن تتمكن من وضع الأسس لإطار دبلوماسي لإبطاء النهج العسكري الوحيد الذي تفضله إسرائيل حتى الآن".

ويختتم التقرير بالقول: "يجب على قطر الآن أن تثبت قدرتها على اتخاذ الخطوة التالية، واستخدام هذا الزخم لتوسيع الصفقة إلى ما بعد المدى القصير، حيث ذلك سيكون بمثابة انقلاب جيوسياسي إذا تمكنت قطر الصغيرة من حشد الحكومات الغربية والشركاء العرب لبناء اتفاق طويل الأجل، يمكن أن يشكل في نهاية المطاف الأساس لحل الدولتين".

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قطر وساطة وساطة قطر حماس المقاومة إسرائيل الفلسطينيون

كيف أنقذت قطر اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس؟