هدنة غزة.. حسابات الربح والخسارة تذهب لصالح "حماس"

الاثنين 27 نوفمبر 2023 04:37 م

مع تمديد الهدنة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، بإعلان الوساطة القطرية، رسميا، عن إضافة يومين لها، دارت تحليلات المراقبين حول الرابح والخاسر من وقف إطلاق النار المؤقت، وأهداف كل من إسرائيل وحركة "حماس" منها، وحساب المكاسب والخسائر لكل منهما منذ عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها المقاومة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، مرورا بـ 52 يوما من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وحتى اليوم.

وقضى اتفاق الهدنة الأول بوقف القتال 4 أيام، للسماح بإطلاق سراح 50 رهينة محتجزة في غزة بينهم نساء وأطفال، مقابل الإفراج عن 150 فلسطينيا من النساء والأطفال في السجون الإسرائيلية، وكذلك دخول مساعدات إنسانية تضم مئات الشاحنات من المساعدات الإنسانية والطبية والوقود إلى قطاع غزة، فيما نقلت وكالة "رويترز" عن المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماجد الأنصاري أن "تمديد الهدنة سيكون من أجل إدخال مزيد من المساعدات والإفراج عن أكبر عدد ممكن من الرهائن والمعتقلين". 

وجاء الاتفاق تزامنا مع تقارير إسرائيلية بشأن غضب وسط الرأي العام الداخلي من الإخفاق الاستخباراتي والعسكري في تقدير قدرة "حماس" على القيام بعملية "طوفان الأقصى"، فضلا عن الفشل في تحرير أكثر من 240 أسيرا وأسيرة من قبضة الحركة طوال أسابيع من الحرب، رغم الإسناد البري.

واعتبر عديد المراقبين أن موافقة طرفي الحرب على الهدنة يعني أن لكل منهما مصالح منها، لكنهم رجحوا استفادة المقاومة الفلسطينية منها بشكل أكبر، خاصة حركة "حماس".

فرض الشروط

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب، أن اتفاق الهدنة كان لصالح حماس، التي "أجبرت إسرائيل على القبول بشروطها والتفاوض، في وقت كانت تصر إسرائيل على رفض الهدنة منذ أسابيع"، وفقا لما أوردته شبكة "سكاي نيوز عربية".

ويضيف الرقب أن حماس تمكنت من تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة في العدد والعتاد؛ "ما اضطره إلى الهدنة بعد الإخفاق في تحرير الأسرى وازدياد الغضب الدولي من ممارساته في قطاع غزة".

ويشير الدبلوماسي الفلسطيني، السفير السابق لدى مصر، بركات الفرا، إلى أن مكاسب السياسية من الهدنة أكبر من إسرائيل، "إذ نجحت في الاحتفاظ بالأسرى والمحتجزين كل هذا الوقت على الرغم من المساعي الإسرائيلية للوصول إليهم بالقوة وبالأدوات الاستخباراتية، وإجبار حكومة الحرب في تل أبيب على قبول الهدنة رغم الرفض الصارم في البداية لإبرام أي هدنة أو وقف لإطلاق النار قبل استكمال الأهداف العسكرية وتحرير جميع الأسرى"، وفقا لما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط.

وفي السياق ذاته، يرى الباحث اللبناني في الشؤون الدولية مؤسس ومدير مركز "سيتا" للدراسات، علوان أمين الدين، أن حماس "أجادت استخدام المسافة صفر لإلحاق أكبر خسائر ممكنة بجيش إسرائيل، لكنها تريد، في الوقت ذاته، أن توقف الخسائر البشرية والممتلكات والبنية التحتية نتيجة قصف الطيران الحربي والمدفعي المستمر ليل نهار على قطاع غزة، في حرب مستمرة لأكثر من 46 يوما".

التقاط الأنفاس

ويشير أمين الدين إلى أن حماس مستفيدة "بصورة كبيرة من تأمين مصادر للوقود والأدوية والأغذية، وتأمين نقل الجرحى من المعارك وأماكن القصف، والاستعداد لأرض جديدة للمعارك؛ لأن الحركة ومعها الفصائل تدرك أن الهدنة مؤقتة والجيش الإسرائيلي يريد أن يتدارك خسائره ويعدّل خططه، بعدما أخفق الحصار البري بأن يسفر عن تقدم ملحوظ".

وأوضح أن حماس كسبت تعاطفا دوليا كبيرا، على المستوى الشعبي، لا سيما مع ضراوة الضربات الإسرائيلية للمقرات الأممية والمستشفيات ومقتل آلاف الأطفال والنساء، كما حظيت بدعم سياسي كبير من أطراف دولية قوية، بينها روسيا والصين.

ومن مكاسب حماس أيضا من الهدنة، أنها "كسرت خطاب ربطها بالإرهاب والقضاء عليها، وكذلك تثبيت قاعدة أسرى مقابل أسرى"، حسبما نقلت شبكة "الجزيرة" عن الأكاديمي والباحث في العلوم السياسية، إبراهيم ربايعة.

كما ربحت حماس من الهدنة فرصة لإعادة تجميع صفوفها وإعادة التمركز وإعادة دراسة استراتيجيتها، وهو ما لن ينفع القوات الإسرائيلية بنفس الطريقة التي ستستفيد بها المقاومة الفلسطينية، حسبما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المحلل السياسي، كلايف جونز.

جمع المعلومات

ويرى الباحث السياسي، معين مناع، أن مكسب الاحتلال الإسرائيلي من الهدنة يتمثل في "استغلالها في جمع معلومات تتعلق بالمقاومة والأنفاق، وتحريك قواته بطريقة تكون قادرة على استئناف القتال"، حسبما أورد "الجزيرة نت".

لكن أمين الدين، يشير في المقابل إلى أن إسرائيل خسرت مكانتها لدى الظهير الشعبي الأوروبي، المتضامن معها منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي، فضلا وجود "ضجر غربي رسمي" من فاتورة دعمها المرهقة، في ظل أزمة اقتصادية فاقمتها حرب أوكرانيا وأزمتا الطاقة والإنتاج بأوروبا.

كما يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، خليل العناني، أن الاحتلال "فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض خلال 6 أسابيع من الحرب"، وأن التوصل إلى اتفاق كهذا يمثل "اختراقا مهما للتصعيد الإسرائيلي عقب عملية طوفان الأقصى"، حسبما أورد "الجزيرة نت".

وبحسب أستاذ الشؤون الدولية في جامعة قطر، أحمد جميل العزم، فإن إسرائيل خسرت "انكسار خطابها، الذي كان يتحدث عن معركة بلا توقف، ويتبنى خطاب إبادة بامتياز، مقتبسا نصوصا من التوراة تدعو إلى إبادة "العماليق"، ويعلن رفضه لوقف إطلاق نار لأنه سيؤدي إلى فرصة ذهبية لحماس لإعادة ترتيب صفوفها".

أما ربايعة، فيرى أن الهدنة تمثل انتكاسة إسرائيلية لمشروع تهجير سكان غزة بسبب الضغط الإقليمي والدولي المعاكس، إلى جانب غياب أي إنجاز عملياتي على الأرض.

الإمدادات العسكرية

بينما يرى جميل العزم، في المقابل، أن إسرائيل هي الرابح الأكبر من القدرة على جلب "الإمدادات العسكرية" خلال الهدنة، فهي الطرف صاحب الحدود المفتوحة مع العالم، وصاحب القدرة على ترتيب صفوفه أكثر بكثير من المقاومة المحاصرة أصلا.

فيما يعتبر العناني الهدنة بمثابة "أول اعتراف إسرائيلي غير مباشر بفشل العملية العسكرية البرية التي كانت تهدف إلى محاولة تخليص الرهائن بالقوة العسكرية"، ولذا فإن ما يتعلق بالإمدادات لن يكون مؤثرا طالما أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على إخضاع المقاومة على الأرض.

ويعزز طرح العناني عديد من المؤشرات على أن كتائب القسام لم تستخدم كل ما في جعبتها من إمكانيات عسكرية، ومنها صواريخ الكورنيت الروسية، ذات القدرة التدميرية الكبيرة، والمضادة للدروع، وهي أكثر قدرة على تدمير الآليات الإسرائيلية من قذائف الياسين 105 أو التاندوم، التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية خلال الأيام الماضية.

ولذا أكد الناطق العسكري باسم كتائب القسام، في خطابه الأخير، أن المقاومة مستعدة لحرب طويلة، وأن نسبة كبيرة من مقاتليها لازالوا في حالة "انتظار" للدخول في المعركة لأول مرة.  

نزيف اقتصادي

غير أن أكبر خسائر إسرائيل على الإطلاق من قبول الهدنة دون تحقيق للأهداف العسكرية المعلنة، خاصة القضاء على حماس وتحرير كل الأسرى، بعد أعداد القتلى غير المسبوقة من الإسرائيليين، والتي بلغت 1200، فضلا عن أكثر من 5 آلاف مصاب، هو النزيف الاقتصادي الذي أصاب دولة الاحتلال.

فإلى جانب كلفة الحرب الأولية التي تقدر بنحو 50 مليار دولار، ألقت الحرب تداعيات وتأثيرات على مختلف القطاعات الاقتصادية بالسوق الإسرائيلي، وهي تأثيرات أسهمت بتعطيل عديد المرافق بدرجات مختلفة، وأبرزها، فروع البناء، والسياحة، والضيافة، والترفيه، والمقاهي والمطاعم، الأمر الذي انعكس بتعطيل مئات الآلاف من القوى العاملة.

ولذا اعتبر كبير الاقتصاديين في وزارة المالية الإسرائيلية، شموئيل أبرامسون، أن تأثير الحرب على الاقتصاد يتجاوز أي حادث أمني شهدته الدولة خلال العقدين الأخيرين على الأقل، حسبما أورد موقع "واي نت" العبري.

وبحسب الموقع الإسرائيلي فإن الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي تبلغ حتى الآن 24 مليار شيكل (6.4 مليارات دولار أمريكي)، ما يعني أن قبول الهدنة ربما يكون بضاغط اقتصادي، وأن استئناف القتال سيعني مزيدا من نزيف مالي غير مسبوق.

المصدر | الخليج الجديد + مواقع ووكالات

  كلمات مفتاحية

حماس إسرائيل غزة الهدنة طوفان الأقصى المقاومة الفلسطينية هدنة غزة

قطر وحماس والاحتلال يعلنون تمديد هدنة غزة ليوم واحد