كسر الصمت.. جنود قدامى في جيش الاحتلال يكشفون جرائم إسرائيل

السبت 9 ديسمبر 2023 01:51 م

يصف جنود إسرائيليون قدامى خدموا في مدينة الخليل بالضفة الغربية، شوارع البلدة القديمة بأنها "مقسّمة حسب الجنسية"، وأنه "يتم فصل المنطقة المحيطة بالحرم الإبراهيمي على أساس الدين".

ويقول هؤلاء الجنود إن مهمتهم الأساسية، حين كانوا في الخدمة العسكرية، هي تأمين الممرات والطرق التي يستخدمها 850 مستوطنا يقطنون في تلك المدينة الفلسطينية.

حين أنهى الجنود خدمتهم في البلدة القديمة بالخليل، وشهدوا على واقع لم يسبق لهم أن عاشوه في مكان آخر، قرروا "كسر الصمت".

هؤلاء الجنود الإسرائيليون، ممن أنهوا الخدمة العسكرية في الخليل خلال الانتفاضة الثانية التي اندلعت في سبتمبر/أيلول 2000، قرروا العمل كنشطاء لإنهاء الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، فأسسوا منظمة "كسر الصمت"، في مارس/آذار عام 2004.

جاء ذلك في بيان للمنظمة التي قالت إنها تستهدف كشف جرائم الاحتلال وتعاملهم الطائفي مع الفلسطينيين.

ويسير السكان الفلسطينيون في أزقة وشوارع البلدة القديمة بمدينة الخليل بحذر شديد، فالنقاط العسكرية الإسرائيلية في كل مكان، وهناك مناطق يكون الدخول إليها مقيدا بأنظمة عسكرية، مثلا مسموحة للمستوطنين وممنوعة على الفلسطينيين، كما أن أي تحرك مشبوه يصدر عن فلسطيني قد يكلف صاحبه حياته.

وتخضع الخليل القديمة لرقابة وسيطرة أمنية مشددة من جنود إسرائيليين هدفهم الأساسي تأمين الحماية لحركة المستوطنين في البلدة القديمة ومستوطنة كريات أربع المُلاصِقة، وتأمين محيط الحرم الإبراهيمي.

العمل اليومي لهؤلاء الجنود يجعلهم منخرطين في الحياة اليومية للمدنيين، وفي كثير من الأحيان يتدخلون لفض مشادات بين الفلسطينيين والمستوطنين هناك، أو يضطرون لتفتيش النساء والأطفال والرجال وفحص هوياتهم والتحقيق معهم ميدانيا.

وقد اكتسبت المنظمة منذ ذلك الحين مكانة خاصة في نظر الجمهور الإسرائيلي، وفي وسائل الإعلام بسبب دورها الفريد في إعطاء صوت لتجربة الجنود هناك.

وأخذ هؤلاء الجنود على عاتقهم تعريف الجمهور بواقع الحياة اليومية في الأراضي المحتلة، من خلال شهاداتهم على سيطرة الجيش الإسرائيلي على كافة مناحي حياة المدنيين في الأراضي الفلسطينية.

ولم يقتصر عملهم على مدينة  الخليل ذات الطابع الأمني المعقد، بل امتد لكل مناطق التوتر في الضفة الغربية تحديدا.

وتقول المنظمة على موقعها الإلكتروني: "نحن نسعى إلى تحفيز النقاش العام حول الثمن المدفوع مقابل الواقع الذي يواجه فيه الجنود الشباب سكانا مدنيين يوميا، ويشاركون في السيطرة على الحياة اليومية لهؤلاء السكان.. إن عملنا يهدف إلى إنهاء الاحتلال".

وتصف المنظمة الجنود القدامى المنضوين في عضويتها بأنهم "خدموا في المناطق (مصطلح متعارف عليه في إسرائيل للإشارة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة) وكانوا يشهدون ويشاركون في العمليات العسكرية التي غيرتهم بشكل كبير".

وقال الجنود إن "حالات الاعتداء على الفلسطينيين وتدمير الممتلكات هي القاعدة منذ سنوات، لكن هذه الحوادث لا تزال توصف رسميا بأنها حالات متطرفة وفريدة من نوعها".

وترى المنظمة أن الواقع وما يجري في الضفة الغربية بالتحديد معروف لدى الجنود والقادة الإسرائيليين، "إلا أن المجتمع الإسرائيلي بشكل عام يواصل غض الطرف والإنكار لما يحدث باسمه".

وتشير المنظمة إلى أن الجنود المُسرَّحين العائدين إلى الحياة المدنية "يكتشفون الفجوة بين الواقع الذي واجهوه في (المناطق)"، و"الصمت الذي يجدونه في وطنهم إزاء هذا الواقع".

وتسعى المنظمة بأنشطتها إلى إيصال أصوات هؤلاء الجنود، ودفع المجتمع الإسرائيلي لمواجهة الواقع الذي خلقه الاحتلال.

وتجمع المنظمة شهادات من جنود خدموا في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، منذ سبتمبر عام 2000، وتنشرها لرفع مستوى الوعي بواقع ما يجري على الأرض.

وتتركّز أنشطة أعضاء المنظمة على تعزيز الوعي العام، عبر عقد محاضرات واجتماعات منزلية وفعاليات عامة أخرى تسلط الضوء على الواقع من خلال أصوات الجنود السابقين.

وتنظم المنظمة جولات في الخليل وجنوب تلال الخليل في الضفة الغربية، بهدف تمكين الجمهور من الوصول إلى الواقع المتواجد على بعد دقائق فقط من منازلهم.

وحتى الآن، جمعت المنظمة شهادات من أكثر من 1400 جندي يمثلون جميع طبقات المجتمع الإسرائيلي ويغطون جميع الوحدات العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية تقريبا.

ولتقديم رواية موثقة، تعمل المنظمة على فحص الشهادات التي يدلي بها الجنود عن تجاربهم، ليتسنى نشرها بدقة، إذ يتم التحقق من جميع الحقائق مع شهود عيان إضافيين وأرشيفات منظمات حقوق الإنسان الأخرى النشطة في هذا المجال.

وتؤكد المنظمة على أولوية حماية الجنود الذين يختارون الإدلاء بشهادتهم أمام الجمهور حول خدمتهم العسكرية، حيث يختار معظم الجنود عدم الكشف عن هويتهم، بسبب الضغوط المختلفة من المسؤولين العسكريين والمجتمع الإسرائيلي ككل.

وأثارت أنشطة المنظمة اهتمام وسائل الإعلام الغربية والمحلية، ونقلت أفلام وثائقية تجارب وشهادات هؤلاء الجنود القدامى، رغم انتقادات من بعض الإسرائيليين، ومهاجمة رواياتهم التي تدافع عن حقوق الفلسطينيين.

وفي نظر البعض يصل الأمر لاعتبار أن عمل هؤلاء الجنود الناشطين في مجال حقوق الإنسان وإنهاء الاحتلال في الأراضي الفلسطينية يندرج ضمن "الخيانة" لدولة إسرائيل، وهو ما يعرضهم في بعض الفعاليات الميدانية التي يقيمونها في الضفة الغربية لاعتداءات يرتكبها الجنود الذين يخدمون هناك، أو مستوطنون متطرفون.

وتؤكد المنظمة على مطلب عودة الأسرى الإسرائيليين في غزة فورا، لكنها تعارض بعض الإجراءات العسكرية التي ترى المنظمة أنها تعقّد المشهد.

ونشرت المنظمة بيانا مع عدد من شركائها الإسرائيليين في مجال حقوق الإنسان، دعت فيه المجتمع الدولي إلى "التحرك لوقف الترحيل القسري الذي يحدث حاليا في الضفة الغربية"، مؤكدة أنه "لا يجب السماح لهذا الجنون بالاستمرار، ومن الواضح أن حكومتنا ليس لديها أي نية لوقفه".

وترى المنظمة أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، "ضاعف السياسيون والصحفيون والمعلّقون الإسرائيليون ادعاءاتهم للجمهور الإسرائيلي بأنه لا يوجد أبرياء في غزة. وهم يتجاهلون عن طيب خاطر حقيقة مفادها أن عدد سكان غزة يبلغ 2.3 مليون نسمة، 40% منهم تحت سن الـ15 عاما".

وتقول المنظمة إنه منذ "7 أكتوبر/تشرين الأول، والضفة الغربية مشتعلة، وقُتل عدد من الفلسطينيين في الضفة الغربية أكثر من أي عام آخر".

وتشهد الضفة الغربية أوضاعا متوترة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قبل شهرين، إذ كثّف الجيش الإسرائيلي خلالها من حملات مداهمة واقتحام قرى وبلدات الضفة الغربية والقدس، صاحبها مواجهات واعتقالات وإطلاق للرصاص وقنابل الغاز، اعتقل خلالها نحو 3700 فلسطينيا، وفق أحدث إحصائية لمؤسسات مختصة بشؤون الأسرى.

في وقت استشهد برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة إلى 274، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كسر الصمت جرائم جرائم إسرائيل الحرم الإبراهيمي غزة الضفة

صحة الاحتلال توثق دخول 10 آلاف و584 إسرائيليا مصابا للمستشفيات