قلق وحزن وعجز.. فلسطينيون غادروا غزة يتابعون الحرب من بعيد

الأحد 10 ديسمبر 2023 04:47 م

قبل شهرين من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، غادرت الفلسطينية ولاء العبسي (26 عاما) القطاع للمرة الأولى للحصول على درجة الماجستير في الطب من أيرلندا.

وبعد نحو أسبوع من القصف الإسرائيلي، تلقت ولاء اتصالا هاتفيا أيقظها في الثالثة صباحا، وعندما التقطت هاتفها ورأيت اسم شقيقتها سقط قلبها، فالاتصال في هذه الساعة لا يمكن إلا أن يعني وجود مأساة، بحسب تقرير بموقع "ذا إنترسبت" الأمريكي (The Intercept) ترجمه "الخليج الجديد".

وقالت ولاء: "كان الجميع يصرخون.. قالت لي: الله لا يدعك تعيشين رعبي أبدا، صلي من أجلنا، صلي من أجلنا. ثم انقطع الاتصال".

وبسبب الذعر والبكاء، أعادت ولاء الاتصال بشقيقتها مرارا  حتى نجحت في المحاولة العاشرة، فقالت شقيقتها إن غارة جوية إسرائيلية أصابت للتو المنزل المجاور لهم في مدينة غزة، واخترقت شظية معصم شقيقها الأصغر.

ولاء تابعت: "تحطمت جميع النوافذ وتطايرت الأبواب في وجوههم.. كان أخي ينزف، وكان الجميع يصرخون". ثم انقطع الاتصال مرة أخرى، وبقيت ولاء وحيدة ترتجف وتتعرق في غرفتها في السكن الجامعي على بعد آلاف الأميال.

ومنذ التفجير، تعاني ولاء من صداع لا يختفي وتكافح من أجل النوم وتتخلف عن واجباتها الدراسية، فكل ما يمكنها التفكير فيه هو ما قد يحدث لعائلتها.

وتقول إنها تستيقظ كل ليلة وتتصفح تطبيق "تليجرام" بحثا عن صور أو أسماء أفراد عائلتها.

وحتى مساء السبت، قتل الجيش الإسرائيل في غزة 17 ألفا و700 فلسطيني، وجرح 48 ألفا و780، معظمهم أطفال ونساء، كما خلّف دمارا هائلا في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية.

شعور بالذنب

وبينما يغمر الصحفيون وغيرهم وسائل التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع الفيديو من غزة، يحذر علماء النفس من الصدمة السلبية التي يمكن أن يتعرض لها الناس من استهلاك المحتوى المؤلم بانتظام.

وقالت إيمان فرج الله، وهي طبيبة نفسية تقيم في كاليفورنيا بالولايات المتحدة ونشأت في غزة، إن آثار الصحة العقلية بالنسبة للفلسطينيين من غزة تتفاقم بسبب شعور الناجين بالذنب.

وأوضحت: "سيكون لدينا قلق مفرط واكتئاب وإجهاد وإرهاق". وفي الشهرين الماضيين، قتلت إسرائيل 11 فردا من عائلة إيمان، ونزح والدها (85 عاما) بعد قصف منزله.

وأردفت إيمان: "ترى أمام عينيك أن عائلتك تعاني وقد تُقتل، لكن لا يمكنك فعل أي شيء حيال ذلك.. والفلسطينيون من غزة هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض العقلية، إذ يعيشون في ظل ظروف الصراع والحصار والاحتلال منذ أن فرضت إسرائيل الحصار قبل 16 عاما".

وفي غزة يعيش نحو 2.4 مليون فلسطيني يعانون حتى من قبل الحرب أوضاعا كارثية؛ جراء حصار إسرائيلي مستمر للقطاع منذ أن فازت حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية في عام 2006.

بلد بلا حصار 

وبسبب الظروف الصعبة في غزة، يبحث آلاف الفلسطينيين عن عمل أو تعليم خارج القطاع، بحسب الموقع.

محمد دواس (24 عاما)، من بين هؤلاء، قال للموقع: "كنت أقول إن إسرائيل مضاءة بينما غزة كانت في ظلام دامس. كنت أفكر دائما في مغادرة غزة إلى بلد بلا حصار".

وفي عام 2019، سافر بالفعل إلى كاليفورنيا وتزوج، لكن الحنين إلى الوطن دفعه إلى ترك وظيفته في مارس/ آذار الماضي والعودة إلى غزة، غير أنه عاد على مضض إلى الولايات المتحدة في مايو/ أيار الماضي.

وأضاف دواس: "لا يوجد شيء مثل غزة.. إنه المكان الأفضل رغم كل شيء".

وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استيقظ دواس على اتصال أبلغه بأن غارة جوية إسرائيلية قتلت 15 من أفراد عائلته، بينهم ابن عمه وصديقه يوسف وطفلاه. وقد ظلت جثث بعض أفراد أسرته تحت الأنقاض لمدة يومين، قبل أن يتمكن الجيران وعمال الإنقاذ من انتشالها.

وقال دواس: "ما زلت لا أصدق أنني لن أرى يوسف مرة أخرى.. فقدت متعة الحياة. وما زلت لا أستطيع التعبير عن هول الصدمة".

وبعد ساعات فقط، تم قصف منزله في مدينة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة. وبسبب عدم تمكنه من الوصول إلى والدته أو أي من أشقائه الستة، شعر دواس بالقلق من احتمال وفاتهم.

واتصل مرة أخرى بعد ساعات فأجابته والدته، وعلم أنهم فروا جميعا إلى منازل أقارب آخرين في بيت لاهيا، ونجوا من تفجيرين آخرين.

"لم أتوقع أن أسمع صوت أمي مرة أخرى.. أمضينا المكالمة بأكملها في البكاء، كان الأمر كما لو أنني ولدت من جديد، وكأنني سمعتها لأول مرة في حياتي"، كما أضاف دواس.

وشدد على أن الحرب أثارت الخوف والقلق والاكتئاب بداخله، وهي ردود أفعال عاطفية تراكمت من العيش في ظل ست هجمات إسرائيلية على غزة.

وفي 1 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، مع استئناف القتال بعد هدنة إنسانية استمرت 7 أيام، اتصلت بدواس شقيقته التي تعيش في مصر، وأخبرته أن غارة جوية إسرائيلية أصابت ملجأ في شمال غزة، حيث كان يقيم شقيقه صالح (32 عاما).

وفي اليوم التالي توفي صالح، وكان دواس يواجه صعوبة في الاتصال بغزة، لذلك اتصل به قريبه في عمان هو ووالدته.

وقال دواس: "قالت لي: إن الله اختاره شهيدا. الحمد لله أن منحنا قوة في قلوبنا".

المصدر | ذا إنترسبت- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قلق حزن عجز فلسطينيون غزة إسرائيل حرب