استثمارات الصندوق السيادي.. توسع كبير بالسوق المحلية بـ "مخاطرة أعلى"

الأربعاء 13 ديسمبر 2023 06:01 م

سلط الزميل الزائر في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، تيم كالين، الضوء على التوسع الكبير باستثمارات الصندوق السيادي السعودي، واصفا إياه بأنه "أصبح مرادفاً للاستثمارات الكبيرة والجريئة في الداخل والخارج".

وذكر كالين، في تحليل نشره بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن الصندوق اتجه مؤخرا إلى ضخ استثمارات كبيرة في قطاعات رئيسية من سوق الرياضة العالمية، عبر شرائه فريق الدوري الإنجليزي الممتاز "نيوكاسل يونايتد"، واستحواذه على 4 أندية كرة قدم سعودية، وعرضه رواتب كبيرة نجوم عالميين إلى الدوري السعودي للمحترفين، على رأسهم كريستيانو رونالدو، ومع ذلك تظل الرياضة جزءًا صغيرًا من محفظة الصندوق.

وأضاف أن الصندوق ينفق بشكل مكثف أيضا على تطوير مدينة نيوم المستقبلية، وتأسيس شركات في قطاعات جديدة وناشئة في الاقتصاد المحلي، مثل السياحة والدفاع والطاقة البديلة، والاستثمار في الاقتصاد العالمي، خاصة قطاع التكنولوجيا، من خلال صندوق "رؤية سوفت بنك" وشركات مثل: "لوسيد موتورز" و"ماجيك ليب".

ومع نمو بصمته العالمية والمحلية، ارتفعت أصول صندوق الاستثمارات العامة (السيادي)، بسرعة، وهو حاليًا سابع أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم.

وبالنظر إلى المستقبل، يهدف صندوق الاستثمارات العامة إلى الوصول لـ 4 تريليون ريال (1.1 تريليون دولار) من الأصول الخاضعة لإدارته بحلول عام 2025، و7.5 تريليون ريال (2 تريليون دولار) بحلول عام 2030.

ونظرًا للثروة المتاحة للحكومة السعودية، فمن المرجح أن يصل صندوق الاستثمارات العامة إلى أهدافه من الأصول، ليصبح أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، بحلول نهاية العقد.

ومع أن تحقيق هذا الهدف قد يكون مهما لأسباب سياسية، إلا أنه غير مهم اقتصاديا، "لأن يمكن تحقيقه ببساطة عبر نقل الأصول إلى الصندوق من كيانات عامة أخرى، وهي معاملة محاسبية ذات قيمة اقتصادية ضئيلة"، بحسب كالين.

فما يهم بالنسبة لنمو الاقتصاد السعودي هو ما إذا كان صندوق الاستثمارات العامة قادراً على القيام باستثمارات كبيرة وفعالة تساعد في تنويع اقتصاد المملكة، ولذا فإن هدف الصندوق، المتمثل في استثمار ما لا يقل عن 150 مليار ريال (40 مليار دولار) سنويًا في الاقتصاد المحلي بحلول عام 2025 "ذو أهمية أكبر"، حسبما يرى كالين.

وأضاف أن الصندوق كثف استثماراته المحلية في السنوات الأخيرة، وعلى نطاق أوسع، تم إحراز بعض التقدم نحو التنويع الاقتصادي، لكن التحدي أمام ذلك يتمثل في تمويل برنامج الاستثمار المحلي متعدد السنوات دون زيادة المخاطر الاقتصادية والمالية التي تواجه المملكة.

نمو سريع

وارتفعت الأصول الخاضعة لإدارة الصندوق من 835 مليار ريال (223 مليار دولار) في نهاية عام 2017 إلى 2.7 تريليون ريال (720 مليار دولار) في نهاية يونيو/حزيران 2023.

وفي الشهر ذاته، شكلت الأصول الدولية 22% من إجمال أصول الصندوق السيادي السعودي، صعودا من 9% في عام 2017، فيما مثلت الأصول المحلية 78%.

وتشمل الاستثمارات الدولية حصصًا في حوالي 50 شركة مدرجة في الولايات المتحدة بقيمة سوقية بلغت 36 مليار دولار في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، و23 مليار دولار في صندوق "رؤية سوفت بنك"، و10 مليارات دولار في صندوق "بلاكستون" للبنية التحتية الأمريكية.

وتمثل حيازات الأسهم السعودية ثلث الأصول الخاضعة لإدارة الصندوق السيادي، في حين تنمو حصة متزايدة من الاستثمارات المحلية في شركات بقطاعات جديدة وناشئة من الاقتصاد السعودي.

وعلى عكس صناديق الثروة السيادية في بعض البلدان الأخرى المصدرة للنفط، لا يتلقى صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصة من عائدات تصدير النفط بشكل مباشر، إذ تذهب كل عائدات النفط في المملكة تقريباً إلى ميزانية الحكومة، ولا يتلقى صندوق الاستثمارات العامة منها سوى أرباح من حصته في شركة "أرامكو".

ويجري تمويل توسيع استثمارات الصندوق من مصادر أخرى على النحو المنشود في استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة للفترة 2021-2025.

وجاء جزء كبير من نمو استثمارات الصندوق السيادي السعودي من تحويلات الأصول وضخ رأس المال من الحكومة والبنك المركزي. وشكل تحويل الحكومة لصندوق الاستثمارات العامة 8% من أسهم أرامكو نحو 32% من النمو في أصوله بين نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017 ونهاية يونيو/حزيران 2023.

وجاءت نسبة 17% أخرى من ضخ أموال الطرح العام الأولي لشركة أرامكو لعام 2019 واحتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي، فيما بلغت نسبة عوائد المحفظة الاستثمارية للصندوق 31% من زيادة أصوله، بينما مثل الاقتراض نسبة 5%.

وهنا يشير كالين إلى نسبة 15% من أصول الصندوق السيادي السعودي، وصفها بأنها "غير مفسرة" في تقارير الإفصاح، و"من المحتمل أن تكون ناتجة عن استبعاد بعض عمليات نقل الأصول التي ربما لم يتم الكشف عنها علنًا".

وعليه فإن نحو نصف نمو صندوق الاستثمارات العامة جاء على حساب انخفاض الأصول المحتفظ بها في قطاعات أخرى من القطاع العام السعودي، ولن يكون وضع صافي أصول القطاع العام والاقتصاد الأوسع في وضع أفضل إلا إذا تمكن الصندوق السيادي من إدارة الأصول المحولة بشكل أكثر كفاءة على أساس المخاطر/العائد.

فبينما وفر ضخ رأس المال الأصول التي يمكن لصندوق الاستثمارات العامة إعادة استثمارها في أصول ذات عائد أعلى، إلا أنه من الصعب للغاية تسييل أسهم "أرامكو"، بحسب كالين، الذي أشار إلى أن حصة أسهم أرامكو مهمة للصندوق السيادي السعودي، إذ يحصل منها على أرباح ومكاسب رأسمالية محتملة، وربما زيادة القدرة على الاقتراض، لكن مرونتها الاستثمارية قليلة.

الاقتصاد المحلي

ويشي كالين إلى أن الصندوق يخطط لاستثمار ما لا يقل عن 150 مليار ريال (40 مليار دولار) في الاقتصاد المحلي سنويًا بحلول عام 2025 وهو في طريقه لتحقيق ذلك، إذ استثمر بالفعل 120 مليار ريال (32 مليار دولار) في عام 2022، مقارنة بـ 32 مليار ريال (8.5 مليار دولار) من عام 2018 إلى الربع الأول من عام 2019.

وكان الإنفاق المحلي لصندوق الاستثمارات العامة في عام 2022 يعادل 10% من إنفاق الحكومة السعودية، و11% من إجمالي الاستثمار.

((4))

وكان بيع الأصول القائمة، أو ما يسمى بإعادة تدوير رأس المال، مصدراً رئيسياً لتمويل الاستثمارات الجديدة بالصندوق، وهي لا تؤثر في حجم أصول الصندوق، طالما لا يوجد فرق بين سعر البيع وقيمة الأصل في حسابات صندوق الاستثمار العام، لكنها تحرر الأموال اللازمة لاستثمارات جديدة.

وفي هذا الإطار، باع صندوق الاستثمارات العامة حصته في الشركة السعودية للصناعات الأساسية وشركة الغاز والتصنيع الأهلية، وباع جزءًا من حصته في شركة الاتصالات السعودية، وقام بجمع الأموال من خلال الاكتتابات العامة الأولية لشركتي تداول وأكوا باور.

وجمع الصندوق من بيع شركة سابك 259 مليار ريال (69 مليار دولار)، بينما أضافت المعاملات الأخرى مبالغ أقل، بحسب كالين، الذي لاحظ استخدام هذه العائدات لتمويل استثمارات جديدة في سحب الأصول في مجمع "الخزانة" التابع لصندوق الاستثمارات العامة، والذي يحتوي على المزيد من الاستثمارات السائلة.

وتعد جودة الاستثمار المحلي لصندوق الاستثمارات العامة أمرًا بالغ الأهمية لتحفيز النمو وتنويع الاقتصاد السعودي، خاصة أن تقدير صندوق النقد الدولي أشار إلى أن عوائد النمو المتعلقة بالاستثمارات الحكومية السابقة في منطقة الخليج كانت ضئيلة للغاية.

أهداف الصندوق

ويرى كالين أنه "ليس هناك شك في أن صندوق الاستثمارات العامة يمكنه تحقيق أهدافه فيما يتعلق بالأصول الخاضعة لإدارته"، مشيرا إلى أنه "يمكن الوصول إليها بين عشية وضحاها من خلال تحويل أسهم إضافية في أرامكو إلى صندوق الاستثمارات العامة بنسبة 10% إلى 12% لتلبية هدف الأصول لعام 2025، وبنسبة 40% إلى 45% لتحقيق هدف 2030.

كما يمكن للصندوق أيضًا أن يعيد تقييم الأراضي التي حصل عليها من الحكومة، وبعضها محتفظ به في دفاتره بقيمة اسمية قدرها ريال واحد، ومع نضوج مشاريع تطوير نيوم والقدية والبحر الأحمر، سيكون من المعقول جدًا أن يعيد صندوق الاستثمارات العامة تقييم هذه الأراضي، حسبما يرى كالين.

وفي حين أن هذه المعاملات من شأنها أن تساعد الصندوق على تحقيق أهدافه فيما يتعلق بالأصول الخاضعة لإدارته، إلا أنها لن تساعده في تمويل استثمارات جديدة في الاقتصاد المحلي.

ولتحقيق هذه الغاية، يرى كالين أن هناك حاجة إلى ضخ رأسمال جديد كبير بنحو تريليون ريال (270 مليار دولار) بحلول عام 2030، لافتا إلى أن الحسابات التقريبية تؤشر إلى أنه "قد يكون ممكنا جمع هذا المبلغ من احتياطيات النقد الأجنبي والودائع الاحتياطية الحكومية، وعائدات الاكتتاب العام الأولي في أرامكو والاقتراض، ولكن القيام بذلك يستلزم قبول مخاطر اقتصادية ومالية أعلى على الأرجح.

ووفق مخطط الصندوق، من المفترض أن يبلغ متوسط ​​استثماراته في الاقتصاد المحلي 150 مليار ريال سنويا خلال 2023-2025 ثم يرتفع تدريجيا إلى 200 مليار ريال سنويا بحلول عام 2030، على أن تبلغ حصة الاستثمار الأجنبي في محفظة الصندوق 24%، وأن يكون العائد بمعدل سنوي مركب قدره 8.4%.

ويفترض كذلك أن توفر توزيعات الأرباح، وإعادة تدوير رأس المال، وتخفيض أصول "الخزينة" 75 مليار ريال سنويا لتمويل استثمارات جديدة، وتأتي بقية الموارد اللازمة من ضخ رأس المال أو الاقتراض.

ووفق هكذا سيناريو، سيحتاج صندوق الاستثمارات العامة إلى ضخ رأس مال يزيد قليلاً على تريليون ريال بحلول عام 2030. ومن المفترض أن يصل صافي اقتراض الصندوق إلى 30 مليار ريال سنويًا خلال الفترة 2024-2030، وأن تبلغ عائدات البيع الثاني لأسهم أرامكو 150 مليار ريال.

ورغم أن الاحتياطيات السعودية تقدر بحوالي 560 مليار ريال (150 مليار دولار)، وهي أعلى من المستوى الذي تشير إليه مقاييس صندوق النقد الدولي للكفاية، إلا أن المملكة تواجه تقلبات شديدة في عائدات صادراتها بسبب اعتمادها على النفط، ولذا يرى كالين أنه "من الحكمة الاحتفاظ بمستوى أعلى من الاحتياطيات للحماية من احتمال حدوث تراجع حاد وطويل الأمد في سوق النفط العالمية".

ويقترح كالين بيع حصة أخرى في أرامكو، على الرغم من أن الحرب في قطاع غزة والمخاوف المتزايدة بشأن تغير المناخ والعقبات المحتملة أمام الإصدار الدولي تجعل من المرجح حدوث ذلك في السوق المحلية، ما يمكن أن يحد من حجم أي إصدار نظرا لأن السوق المحلية أصغر من تلك الموجودة في لندن أو نيويورك.

أموال الاقتراض

وجمع إصدار السندات الإسلامية لصندوق الاستثمارات العامة في أكتوبر/تشرين الأول ما يزيد قليلاً عن 13 مليار ريال (3.5 مليار دولار)، وتجاوز الطلب العرض بشكل كبير. ونظرًا لانخفاض ديون صندوق الاستثمارات العامة، فهناك مجال كبير للاقتراض الإضافي، على الرغم من أن السلطات ستحتاج إلى إدارة مجمل اقتراض القطاع العام بعناية نظرًا لطلبات الإنفاق المستقبلية المحتملة من الحكومة المركزية وكيانات القطاع العام الأخرى.

وهنا يشير كالين إلى أن الاستثمار الممول عن طريق الاقتراض "يزيد من أصول والتزامات الصندوق السيادي السعودي، وسيؤدي إلى زيادة في صافي الأصول فقط إذا تجاوز معدل العائد على الاستثمار تكلفة الدين".

وينوه كالين إلى مصادر أخرى لرأس المال يمكن للصندوق السعودي الوصول إليها، مشيرا إلى اقتراح وزير المالية، محمد الجدعان، بتحويل الفوائض المالية إلى صندوق الاستثمارات العامة، على الرغم من أن احتمالات تحقيق تلك الفوائض ضئيلة في ميزانية 2024. بل إن وزارة المالية السعودية تتوقع عجزا ماليا في كل سنة من السنوات الثلاث المقبلة.

كما ينوه كالين إلى امتلاك المؤسسة العامة السعودية للتأمينات الاجتماعية أصولاً أجنبية ومحلية كبيرة يمكن استثمارها للوفاء بالتزامات التقاعد الحالية والمستقبلية، مشددا على أهمية أن تظل هذه الأصول منفصلة عن صندوق الاستثمارات العامة وأن تظل القرارات الاستثمارية لصندوق التقاعد مستقلة.

ويخلص كالين إلى أن قدرة صندوق الاستثمارات العامة السعودي على تحقيق أهداف الأصول لعامي 2025 و2030 ليست محل شك، وما يهم لنجاح أجندة التحول الاقتصادي لرؤية 2030 هو الاستثمار في الاقتصاد المحلي، مؤكدا على ضرورة إعطاء الأولوية لهدف الصندوق الخاص بالاستثمار السنوي على هدفه الخاص بالأصول الخاضعة لإدارته.

ويشير الزميل الزائر في معهد دول الخليج العربية بواشنطن إلى أن العثور على رأس المال لتمويل خطط الاستثمار المحلية الخاصة بالصندوق السعودي "قد يكون أمرًا صعبًا وقد يستلزم قبول درجة أعلى من المخاطر الاقتصادية والمالية. ولابد من تقييم تكاليف وفوائد ضخ رأس المال الجديد والاقتراض الإضافي بعناية لضمان تجنب المخاطر غير الضرورية في السعي إلى تحقيق النمو".

المصدر | تيم كالين/معهد دول الخليج العربي بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية صندوق الاستثمارات العامة نيوم نيوكاسل يونايتد

بينها أرامكو.. صندوق نرويجي يدرج عشرات الشركات الخليجية بقائمته السوداء