الكاتبة العمانية «هدى حمد».. قاصة تحول يوميات الحياة إلى مادة جذابة

الاثنين 15 سبتمبر 2014 05:09 ص

في رواية «التي تعد السلالم» للكاتبة العمانية «هدى حمد» تثبت الكاتبة أنها قاصة مدهشة تكتب بطريقة سردية مميزة إذ أنها تحول كل ما تتناوله ولو من يوميات الحياة العادية إلى مادة جذابة تشد القارئ إليها لتبدو له في أهمية الأمور المصيرية أو بعضا منها.

قدرة «هدى حمد» على وصف الحوار مع خادمتها والأحداث التي تدور في علاقتهما اليومية وعلى تحويل كل ذلك إلى أمور مهمة وجذابة تبدو قدرة لا نجد ما يماثلها إلا في القليل من الأعمال السردية العربية حاليا.

ولعل رواية «هدى حمد» الأخيرة هذه من الأعمال القليلة التي تتناول بعمق وجاذبية وإيحاء العلاقة بين العمالة الأجنبية -وهي هنا الخدم- وبين أهل البلدان التي يعملون فيها -وهي في الرواية تتراوح بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان- وتركز على حياتهم في السلطنة، وهي تمثل كذلك غورا في النفس البشرية من حيث علاقة الإنسان مع الآخرين وهم هنا هؤلاء الذين صنفوا بأنهم حضاريا أو عرقيا في درجة اقل من درجته.

والرواية أيضا تلقي ضوءا على مسألة قديمة ترقد في الذاكرة والوجدان هي مسألة العبودية وتجارة الرقيق والعلاقات القديمة بين سلطنة عمان وزنجبار وتحول الأمر إلى ثورة وقتل وتهجير للعمانيين.

وتركز الكاتبة على مسألة ما سماه البعض صفاء العرق ومحاولتهم الحفاظ على هذا الصفاء وذلك من خلال قصة حياة «عامر» زوج بطلة الرواية وهو من أب عماني وأم افريقية خطفه جده طفلا ورباه بعيدا عن أمه التي لم يعرفها.

جاءت الرواية في 271 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار الآداب في بيروت.

تتناول الرواية علاقة «زهية» زوجة «عامر» الفنانة التشكيلية التي درست في كلية الفنون الجميلة في القاهرة بالخادمات الأجنبيات اللواتي عملن لديها، «عامر» مهندس في شركة للنفط وهو يكتب قصصا قصيرة ويعمل منذ صغره على كتابة رواية استمر في تجميع موادها، إنه يحن إلى معرفة والدته.

أما «زهية» فهي ذات نظرة متعالية إلى الخادمات الأجنبيات لا تدخلهن في عالمها ولا تريد أن تعرف شيئا عن عالمهن وهمومهن ومشكلاتهن، واستخدمت العديد منهن وبينهن الفلبينية والاندونيسية والسريلانكية، آخرهن السريلانكية التي تركت العمل لديها بعد سنوات من الخدمة بسبب برودة علاقتها بها.

تقول «زهية» مثلا «الخدم هم الخدم. لا يمكننا أبدا أن نستأصل رغبتهم في زوال نعمنا أو انتقالها إليهم شئنا أم أبينا، حتى وان انحنوا لنا وابتسموا وابدوا الاحترام العارم؛ «عامر» لا يصدقني، يفرح قلوبهن الصغيرة بكلامه المهذب.. ببعض المال في جيوبهن.. يستمع إليهن.. يحكين له عن قرف حياتهن و«عامر» طفلي الصغير الذي لم يكبر بعد يصدقهن ويقلق عليهن».

الخادمة الأخيرة كانت «فانيش» الأثيوبية بقصة حياة فقر أهلها الحزينة وما تعرضت له من عذاب حين جاؤوا بها إلى الخليج كأنها واحدة في قطيع من المواشي، اضطرت إلى ترك دراستها الجامعية لان أزمة حلت بوالدها فأفقرته، كانت مهذبة ونظيفة ومثالية في تصرفها ولديها احترام لنفسها ولكن كل ذلك وصفته «زهية» بأنه خدعة وتمثيل واستمرت العلاقة قاسية باردة مع الخادمة.

يدخل في جو القصة ما يبدو قادما من فانتازيا خيالية غريبة، الخادمة باكية تشكو لسيدتها -التي ترفض في البداية الاستماع إليها- من إنها تحلم أكثر من مرة بامرأة تنتحر في هذا البيت، تستخف سيدتها بالحلم وتزجرها، لكن الغريب في الأمر هو أن «زهية» نفسها بدأت تشاهد هذه المرأة المنتحرة في أحلامها، لم تخبر خادمتها بالأمر، قامت بالتدريج برسم صورة المرأة المنتحرة في لوحة جدارية رسمتها في غرفة بالمنزل، صدفة رأتها الخادمة فاستغربت وخافت لأنها عرفت فيها المرأة المنتحرة.

هنا نعيش في عالم بذكرنا برواية «صورة دوريان جراي» للكاتب الانجليزي الشهير «أوسكار وايلد»، في الرواية يبقى البطل شابا جميلا لا يشيخ أما رسمه المعلق في غرفة مقفلة فهو الذي يخضع لتقلبات الزمن ويحمل بدلا منه بصمات الأيام والسنين.

عندما أكملت زهية رسم صورة المرأة صارت ترى فيها شيئا من قساوة وجهها هي وتعابيره. وبعد ذلك رأت فيها بعض قسمات أمها الصارمة التي كانت تؤنبها وتسكت عن ضرب أبيها لها وهي طفلة، شكها في الخادمة جعلها تسرق دفتر مذكراتها لتعرف أسرارها منذ صغرها، إلا أنها لم تجد في المذكرات إلا كل ما هو خير ونبيل.

بدأت محاكمة الذات هنا، في غور نفسي جميل مؤثر يبدو لنا أن تلك الشخصية الباردة القاسية أي شخصية «زهية» هي التي «انتحرت» إذا صح التعبير لتحل محلها شخصية تحولت بعد محاكمة للذات إلى إنسان طيب نبيل، ولعلها لم تتحول بل كشفت عن الإنسان الطيب النبيل الذي كان راقدا في أعماقها فجاء من يوقظه.

بعد البرودة والقسوة في المشاعر ووضع الخامة في مكان «بعيد عنا» يجب ألا تتجاوزه لتصل إلى «حدودنا» تحولت الفتاة الأثيوبية المحاصرة إلى منقذة لسيدتها.

صادقتها السيدة وصارت تخرج معها إلى المطاعم ودور السينما وتستمع إلى كل أمورها وتشتري لها الهدايا، لقد نشأت بينهما صداقة عميقة.

ونتيجة ذلك عادت الحرارة والبهجة إلى حياة الزوجين «عامر» و«زهية» بعد هذا «الإنقاذ».

إنها رواية آسرة وممتعة وعمل سردي نادر في هذه الأيام.

المصدر | رويترز

  كلمات مفتاحية