توتر متصاعد بين السودان وتشاد.. والسبب إسناد الدعم السريع

الاثنين 18 ديسمبر 2023 07:41 م

نفق مظلم تدخله العلاقات السودانية التشادية على خلفية تداعيات الحرب في السودان بين الجيش، بقيادة رئيس مجلس السيادة، عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي"، بعد أنباء تداولتها دوائر الجيش عن إسناد لوجستي وتسليحي لقوات الدعم السريع، تقدمه تشاد والإمارات.

وفجر عضو مجلس السيادة السوداني، مساعد قائد الجيش، الفريق ياسر العطا، الأزمة إعلاميا بتوجيهه الاتهام مباشرة لتشاد، قبل أيام، بتجهيز مطار أم جرس، على الحدود الشرقية مع السودان، لتوصيل العتاد العسكري الإماراتي لقوات الدعم السريع داخل الأراضي السودانية، مؤكدا استخدام مطار العاصمة أنجمينا للغرض ذاته، ما يزعزع أمن واستقرار السودان، وفقا لما أورده موقع "العربي الجديد".

ونفت تشاد الاتهام، واستدعت السفير السوداني في أنجمينا، وقدمت طلبا عبره للحكومة السودانية تشدد فيه على المطالبة بتوضيحات تصريحات الفريق العطا، وتقديم اعتذار علني عنها، وهو ما رفضته الخرطوم على لسان وزير الخارجية السفير، علي الصادق، الذي خرج عبر التلفزيون الرسمي ليؤكد أن تصريحات العطا كانت مبررة، وأن أنجمينا تسلمت من الخرطوم صور أقمار صناعية تثبت توفيرها ممرات لوجستية لإمداد الدعم السريع بالسلاح.

وإزاء ذلك، قررت تشاد، يوم الجمعة الماضي، طرد 4 من دبلوماسي السفارة السودانية في أنجمينا، وطلبت منهم مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، ليرد السودان، السبت، بالمثل ويخطر الخارجية التشادية بطرد 3 دبلوماسيين يعملون في سفارة إثيوبيا في الخرطوم، باعتبارهم أشخاصا غير مرغوب فيهم.

خطوات مبررة

ويرى رئيس حزب منبر السلام العادل، محمد أبوزيد كروم، أن الخطوات التي قام بها السودان تجاه تشاد "مبررة تماما لأن تشاد وفرت كل الدعم لمتمردي الدعم السريع، على العكس من موقفها في الأسابيع الأولى من الحرب، وهو موقف إيجابي وجد إشادة من السودان دولة وشعبا".

وأضاف أن "زيارة المسئولين الإماراتيين لتشاد والتوقيع على اتفاقيات ثنائية غيّرت كل شيء، فأعدت مطار أم جرس لتمرير السلاح الإماراتي للدعم السريع".

وتابع: "فجّر الفريق ياسر العطا المواجهة الإعلامية وكشف عن الحقائق، وبدلا من أن ترد أنجمينا على الأدلة التي قدمها السودان سارعت لطرد الدبلوماسيين السودانيين، ورد السودان بالمثل كإجراء طبيعي وردة فعل متوقعة"

ويؤكد كروم أن "تشاد ستخسر كثيرا وتدفع ثمن ما قامت به طال الزمن أم قصر، لأن السودان، وبسبب تصرفات تشاد، يعيش منذ أشهر حالة الحرب حتى في الخرطوم وأجزاء واسعة من دارفور".

وأشار إلى أن السودان "له خبرات كبيرة في التأثير على المسرح التشادي المعروف بهشاشته السياسية والأمنية، ذلك لأن تشاد وضعت نفسها كوكيل في حرب ليس لها فيها مصلحة، ومن المتوقع أن يصعد السودان في الوقت الحالي عملا دبلوماسيا ضد تشاد التي ستواجه في المحافل الدولية دولا تساند السودان".

صراع بلا جدوى

أما الخبير في شؤون النزاعات، عبد الله آدم خاطر، فيرى أن التصعيد بين السودان وتشاد "لا جدوى له ولن تسفيد منه الدولتان، وأتى في ظل مناخ حرب ونزاع وعدم استقرار في منطقة غرب أفريقيا"، مبينا أن ما حدث "كان متوقعا، وفي الوقت نفسه لن يكون له آثار عميقة، لأن الشعب السوداني ومعه الشعب التشادي يدركان أهمية العلاقة التاريخية بين البلدين".

وأوضح أن "الشعب السوداني يعلم أن العلاقة مع تشاد هي مدخل للعلاقة مع دول غرب أفريقيا، وهي المجال لتأمين الحدود بين البلدين وتبادل المصالح بينهما".

وأضاف أن الحرب في السودان "مهما طال أمدها، فإنها إلى زوال بالتوقيع على اتفاق سلام شامل لكل السودانيين، مؤكدا أن هذا "السلام بحاجة إلى علاقة ممتازة مع كل دول الجوار، وأي خلل في العلاقة مع تشاد أو جنوب السودان أو مصر أو بقية دول الجوار فلن يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار".

وحذر خاطر من تطور القطيعة بين البلدين "لأنها ستضاعف مخاطر دخول مجموعات غير سودانية للحدود المفتوحة والهجرات غير الشرعية، وتهريب السلاح وثروات البلاد".

مكونات متداخلة

ويلفت اللواء السوداني المتقاعد، مازن إسماعيل، إلى أن كلا الطرفين "سيخسران من التوتر الحالي، وأن السودان خسارته الآنية واضحة وجلية، بينما ستظهر خسائر تشاد في المستقبل، لأنها استوردت لنفسها أزمة من السودان، وخسر نظام محمد كاكا في أنجمينا مكونات اجتماعية متداخلة بين السودان وتشاد، بدعم مكونات أخرى على عداء تاريخي معها".

وأوضح أن الرئيس التشادي، محمد كاكا، يواجه بمنافسة انتخابية من لاعبين كبار و"ستؤثر خسارته تلك في نتائج الانتخابات، خاصة من قبيلة الزغاوة التي لن تكون له سندا بعد تورطه في حرب استهدفتها في السودان، بمثل ما استهدفت كل السودانيين، كما سيصعب عليه حفظ الأمن والاستقرار في بلاده"، حسب قوله.

وأضاف: "ربما تلحق تشاد بدول في غرب أفريقيا خرجت من دائرة النفوذ الفرنسي، وهو ما خلق الأزمة لفرنسا مع الولايات المتحدة، ومنعت سابقا الدعم السريع من الهجوم على مدينة الفاشر غرب السودان، لعلمها أن ذلك لو حدث يعني سقوط أنجمينا".

 وأكد إسماعيل أن السودان يحتاج للرد على تشاد، ومواجهة كل أزماته الحالية لعمل دؤوب ومخطط ومدروس، يبدأ بسد الفراغ الحكومي، وتشكيل حكومة حرب تدير الأزمات سياسيا وعسكريا واقتصاديا، موجها انتقادات حادة للوضع القائم حاليا في "غياب الدولة كليا"، حسب تعبيره.

الحلول الدبلوماسية

أما السفير السابق في الخارجية السودانية، الطريفي كرمنو، فيرى أن المجال "ما زال مفتوحا للدبلوماسية في البلدين لتدارك ما يمكن تداركه، خصوصا أن أمر الطرد لم يصل بعد للسفراء".

وحمل كرمنو المسؤولية عن تدهور العلاقة بين الخرطوم وأنجمينا للجانب التشادي، لأنها "فعلت كل ما يمكن فعله لإجبار السودان على كشف الحقائق الخاصة بدعم تشاد للمتمردين في السودان مقابل تمويل إماراتي لها"، وأكد أن التصعيد بين السودان وتشاد ليس هو الأول من نوعه، لكن الأسوأ "وجود طرف ثالث وهو ما لم تتحسب له الحكومة التشادية، واتخذت خطوات غير موضوعية".

ويعيد التوتر بين الخرطوم وأنجمينا، تاريخا طويلا من الشد والجذب بين البلدين، واتهامات متبادلة لعقود بدعم حركات متمردة هنا وهناك، ومحاولات لتغيير نظام الحكم، آخرها في عام 2008 حينما نفذت حركة العدل والمساواة السودانية عملية عسكرية أطلقت عليها اسم "الذراع الطويل"، وصلت إلى مدينة أم درمان لتغيير نظام الرئيس عمر البشير، الذي تمكن من صد الهجوم ليوجه الاتهام لنظام الرئيس التشادي السابق، إدريس ديبي، بتبني ودعم العملية.

ورد النظام السوداني في حينه بالمثل، ودعم، بحسب أنجمينا، عملية مماثلة وصلت للعاصمة التشادية قبيل أن يدحرها الحيش التشادي.

وبعد عامين من الحدثين، توافق البلدان على إعادة علاقتهما وفتح صفحة جديدة لتبادل المصالح، والاتفاق على عدم دعم أي طرف لأي مجموعات متمردة، ومضيا في عام 2010 نحو تكوين قوات مشتركة قوامها آلاف الجنود، لضبط الحدود المشتركة ومحاربة التمرد، ومكافحة الجريمة والتهريب والهجرة غير الشرعية.

 ولم تتأثر العلاقة بين البلدين لاحقا حتى بعد سقوط نظام البشير في السودان، ومقتل الرئيس إدريس ديبي في تشاد، وإن بدت توترات مكتومة، خصوصا بعد زيادة نشاط شركة "فاجنر" الروسية في منطقة غرب أفريقيا.

وفي 15 أبريل/ نيسان الماضي، اندلعت الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وتوسعت لتصل إلى كبرى المدن في إقليم دارفور، غرب البلاد، وهو الإقليم المتاخم لتشاد على حدود السودان الغربية، وأغلقت أنجمينا حدودها مع السودان، وسمحت بدخول آلاف اللاجئين السودانيين، وأكدت عدم رغبتها في التورط في الحرب بدعم أي طرف، وحثت الطرفين على للعودة إلى طاولة التفاوض، وشاركت في مؤتمر لدول الجوار دعت إليه، واستضافت اجتماعاته التي شارك فيها وزراء الخارجية.

لكن لم يمض وقت طويل حتى برزت الاتهامات السودانية لتشاد بالوقوف إلى جانب "الدعم السريع"، وتوفير خطوط إمداد له، تمتد إلى مدن دارفور حتى العاصمة الخرطوم، حتى وصلت العلاقة لما وصلت إليه من تبادل لطرد الدبلوماسيين.

المصدر | الخليج الجديد + العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان تشاد الخرطوم أنجمينا الدعم السريع حميدتي محمد حمدان دقلو الإمارات