إسرائيل تخضع تقارير سي إن إن لرقابتها قبل النشر.. إنترسبت تكشف التفاصيل

السبت 6 يناير 2024 01:50 م

تفرض شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، على مراسليها والصحفيين العاملين فيها، أن يقدموا تقاريرهم في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة للمراجعة من قبل مكتب المؤسسة الإخبارية في تل أبيب قبل النشر.

ولطالما كانت هذه سياسة "سي إن إن" المتبعة هناك، سواء كان الصحفي أو المراسل من الشرق الأوسط أم من الولايات المتحدة أم من أي مكان آخر في العالم، وفق تقرير نشره موقع "إنترسبت" الأمريكي، وترجمه "الخليج الجديد".

وعلى الرغم من أن "سي إن إن" تقول إن هذه السياسة ترمي إلى تحري الدقة في التقارير المعدَّة بشأن "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" الذي عادة ما يُوصف بأنه "استقطابي" ومثير للخلافات، فإن هذا يعني أن جزءاً كبيراً من التغطية الأخبارية للشبكة بشأن الحرب الجارية في غزة، وأصداء هذه التغطية في جميع أنحاء العالم، شكَّلها وصاغها صحفيون يعملون تحت ظلال الرقابة العسكرية الإسرائيلية، وفق التقرير.

ومثل جميع المؤسسات الإخبارية الأجنبية العاملة في إسرائيل، يخضع مكتب "سي إن إن" في القدس لقواعد رقابة الجيش الإسرائيلي، التي تملي مواضيع محظورة على المؤسسات الإخبارية تغطيتها، وتفرض رقابة على المقالات التي ترى أنها غير صالحة أو غير آمنة للنشر.

وسبق لموقع "إنترسبت"، أن أورد الشهر الماضي، أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية فرضت على المؤسسات الإخبارية في دولة الاحتلال، تقييد النشر في 8 موضوعات، منها اجتماعات مجلس الوزراء الأمني، والمعلومات حول الأسرى المحتجزين في غزة، والتقارير عن الأسلحة التي استولى عليها المقاتلون في غزة.

يذكر أن المراسلين الأجانب في إسرائيل لا يمكنهم الحصول على تصريح العمل الصحفي إلا بعد التوقيع على وثيقة يوافقون فيها على التزام إملاءات الرقابة.

ولا يعني ذلك أن الرقابة الإسرائيلية تُراجع كل تقرير تنشره شبكة "سي إن إن" مراجعة مباشرة، ومع ذلك فإن هذه السياسة تأتي على النقيض من السياسات التي كان من المعهود اتباعها في وسائل الإعلام الكبرى الأخرى، إذ كانت هذه المؤسسات تلجأ إلى نشر التقارير الحساسة من مكاتبها خارج إسرائيل، لتجنُّب التعرض لضغوط الرقابة الإسرائيلية.

إلا أن قيود شبكة "سي إن إن" في إسرائيل لم تقتصر على قواعد الرقابة الرسمية وغيرها من القيود غير المعلنة على نقل الأحداث من إسرائيل، وإنما أصدرت الشبكة مؤخراً توجيهات لموظفيها تتطلب منهم استخدام خطاب محدد وتجنب ألفاظ وتوصيفات معينة عند نقل أخبار العنف في قطاع غزة.

كما استأجرت الشبكة جندية سابقا من وحدة المتحدث العسكري للجيش الإسرائيلي للعمل كمراسل في بداية الحرب.

ففي أكتوبر/ تشرين الأول، عيّنت الشبكة أيضا جندية سابقة في جيش الاحتلال الإسرائيلي للمساهمة في الكتابة وإعداد التقارير لتغطية الحرب على الشبكة.

ويظهر اسم تمار ميخائيليس، على تقرير، لأول مرة، في 17 أكتوبر/تشرين الأول، بعد 10 أيام من عملية "حماس" على جنوب دولة الاحتلال الإسرائيلي.

منذ ذلك الحين، ظهر اسمها في عشرات المقالات نقلا عن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي ونقل معلومات حول عمليات جيش الاحتلال في قطاع غزة.

ووفقا لملفها الشخصي على "فيسبوك"، اشتغلت تمار ميخائيليس في وحدة المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو قسم من جيش الاحتلال، مكلف بتنفيذ علاقات عامة إيجابية في الداخل والخارج.

والعام الماضي، اضطرت وحدة المتحدث الرسمي إلى إصدار اعتذار علني لإجراء عمليات نفسية، أو "psyops" ضد المدنيين الإسرائيليين.

ومؤخرا أغلقت ميخائيليس ملفها الشخصي، الذي لا يشير إلى تواريخ خدمتها في جيش الاحتلال، ولم ترد على طلب للتعليق.

وكتب المتحدث باسم "سي إن إن": "عملت تامار ميخائيليس مع الشبكة على أساس مستقل، لبضعة أشهر في العام الماضي، وعملت بنفس الطريقة التي يعمل بها أي صحفي مستقل، ضمن إرشاداتنا العادية".

بدوره، قال متحدث باسم الشبكة في رسالة بالبريد الإلكتروني، إن "السياسة المتبعة في نشر التقارير عن إسرائيل والفلسطينيين خارج مكتب (القدس) مطبقة منذ سنوات".

وأضاف: "خلاصة الأمر أن هناك كثيراً من الفروق الدقيقة والفريدة والمعقدة التي يقتضيها السياق المحلي، ومن ثم يتطلب النشر مزيداً من التدقيق للتيقن من أن تقاريرنا مضبوطة ودقيقة قدر الإمكان".

وزعم المتحدث باسم الشبكة الأمريكية، أن هذه القواعد "ليس لها أي تأثير على تفاعلاتنا (المحدودة) مع الرقابة العسكرية الإسرائيلية، ونحن لا نُطلع الرقابة (ولا أي هيئة حكومية) على تقاريرنا مقدماً".

وتابع: "نحن نطلب التعليق من المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم من المسؤولين المعنيين قبل نشر التقارير، وهذا ما يقتضيه منا العمل الصحفي الجيد".

إلا أن أحد العاملين بطاقم "سي إن إن" في إسرائيل، تحدث لموقع "إنترسبت"، بشرط إخفاء هويته خوفاً من العواقب المهنية، وقال إن سياسة المراجعة الداخلية كان لها تأثير واضح في نقل الأخبار عن حرب غزة الأخيرة.

أضاف: "كل سطر متعلِّق بإسرائيل وفلسطين في تقاريرنا يجب أن يحصل على الموافقة من مكتب الشبكة (في تل أبيب).. وإن لم يكن هناك موظفون بالمكتب، نلجأ إلى حفنة معدودة من الموظفين الذين اختارهم مكتب الشبكة والإدارة العليا.. وغالباً ما يتولى هؤلاء تعديل الأخبار وتحريرها بفروقٍ يسيرة، يتحرون فيها الميل إلى الرواية الإسرائيلية".

وتابع: "كان هناك ترتيب هش منذ فترة طويلة بين رقابة الجيش الإسرائيلي والصحافة المحلية والأجنبية، ما أجبر الصحفيين على فرض رقابة ذاتية في كثير من الأحيان على تقاريرهم خوفا من التعرض لمواضيع محظورة، وفقدان أوراق اعتمادهم الصحفية، واحتمال إجبارهم على تقديم اعتذار علني".

ووصف موظف "سي إن إن" كيفية عمل السياسة عمليا، بالقول إن "مصطلحي (جريمة الحرب) و(الإبادة الجماعية) محظوران، والقصف الإسرائيلي في غزة يشار إليه على أنه (تفجيرات) لا تُنسب إلى أحد، حتى يقرر الجيش الإسرائيلي قبول المسؤولية أو إنكارها".

وتابع: "تميل الاقتباسات والمعلومات المقدمة من الجيش الإسرائيلي والمسؤولين الحكوميين إلى الموافقة عليها بسرعة، في حين أن تلك الواردة من الفلسطينيين تخضع للتدقيق الشديد والمعالجة ببطء".

علاوة على ذلك، وافقت "سي إن إن"، مثل غيرها من محطات البث الأمريكية، مراراً على تقديم لقطاتها المسجلة في غزة إلى الرقابة العسكرية الإسرائيلية قبل بثِّها، مقابل السماح للشبكة بدخولٍ محدود إلى القطاع.

وقد أثار ذلك انتقادات ممن يقولون إن الرقابة الإسرائيلية تقدم رؤية منقحة عن الأحداث الجارية على الأرض.

من جانبه، يقول محرر مجموعة المراقبة المدعوة "العدالة والدقة في إعداد التقارير جيم نوريكاس: "عندما يكون لديك بروتوكول يقوم بتوجيه جميع التقارير عبر نقطة تفتيش واحدة، فأنت مهتم بالتحكم، والسؤال هو من الذي يتحكم في الرواية؟".

ويضيف، أن "فريق (سي إن إن) في القدس هم الأشخاص الأقرب إلى الحكومة الإسرائيلية، وفي موقف تُتهم فيه حكومة بمصداقية باستهداف الصحفيين بهجمات عنيفة من أجل التعتيم على المعلومات، فإن منح تلك الحكومة دورا أكبر في تحديد ما هو خبر وما هو ليس خبرا هو أمر مثير للقلق حقا".

ويتابع نوريكاس: "في حين استخدمت (سي إن إن) مكانتها للحصول على لقطات أولية للمعاناة الإنسانية داخل غزة، فقد قامت أيضا بنشر تحديثات شبه يومية يتم تسليمها مباشرة من الجيش الإسرائيلي إلى مشاهديها الأمريكيين والدوليين والمراسلين المرافقين للجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون في الحرب".

ويكشف أنه "في وقت مبكر من الحرب، في 26 أكتوبر/تشرين الأول، أرسل قسم المعايير والممارسات الإخبارية في (سي إن إن) بريدا إلكترونيا إلى الموظفين يوضح كيفية الكتابة عن الحرب".

وقالت الرسالة، وفق نوريكاس: "تسيطر حماس على الحكومة في غزة، ويجب أن نصف وزارة الصحة بأنها (تسيطر عليها حماس) عندما نشير إلى إحصاءات الضحايا أو غيرها من الادعاءات المتعلقة بالنزاع الحالي".

وأضافت الرسالة: "إذا كانت الإحصائيات الأساسية مستمدة من وزارة الصحة في غزة، فيجب أن نشير إلى هذه الحقيقة، وأن هذا الجزء من الوزارة (تسيطر عليه حماس) حتى لو كانت الإحصائيات صادرة عن الوزارة في الضفة الغربية أو أي مكان آخر".

ومضت رسالة البريد الإلكتروني إلى الإقرار بمسؤولية "سي إن إن" عن تغطية التكلفة البشرية للحرب، لكنها توضح أن هذه المسؤولية بحاجة إلى "تغطية السياق الجيوسياسي والتاريخي الأوسع الحالي للقصة، مع الاستمرار في تذكير جمهورنا بالسبب المباشر لهذا الصراع الحالي، وتحديدا هجوم حماس والقتل الجماعي واختطاف المدنيين الإسرائيليين".

كذلك، طلبت الرسالة الإلكترونية من المراسلين والمحررين في "سي إن إن"، أن "يوضحوا لجمهورنا ما إذا كان أحد الجانبين أو كلاهما قد قدم أدلة يمكن التحقق منها لدعم ادعاءاتهم".

وفي توجيه منفصل، بتاريخ 2 نوفمبر/تشرين الثاني، حذّر المدير الأول للمعايير والممارسات الإخبارية ديفيد ليندسي، المراسلين من نقل تصريحات "حماس"، بالقول: "مع استمرار الحرب بين إسرائيل وغزة، ينخرط ممثلو حماس في الخطابات والدعاية التحريضية. لقد قيل معظمها مرات عديدة من قبل ولا تستحق النشر، يجب أن نكون حريصين على عدم منحها منصة".

وأضاف التوجيه: "مع ذلك، أنه إذا قام مسؤول كبير في حماس بتقديم ادعاء أو تهديد ذي صلة من الناحية التحريرية، مثل تغيير رسائله أو محاولة إعادة كتابة الأحداث، فيمكننا استخدامه إذا كان مصحوبا بسياق أكبر".

ووفق "إنترسبت"، فإن لغة التوجيهات تعكس أوامر مماثلة من إدارة "سي إن إن" في بداية الحرب في أفغانستان عام 2001، عندما أمر رئيس المراسلين الأجانب في الشبكة والتر إيزاكسون، بالتقليل من شأن الوفيات بين المدنيين، وتَذكير القراء بأن العنف الذي كانوا يشاهدونه كان نتيجة مباشرة لهجمات 11 سبتمبر/أيلول.

وخضعت تغطية "سي إن إن" لحرب غزة، بغض النظر عن مصدرها، لعملية المراجعة الداخلية للمؤسسة الإخبارية لإعداد التقارير عن دولة الاحتلال الإسرائيلي وفلسطين.

ووفقا لرسالة بريد إلكتروني اطلع عليها موقع "ذي انترسبت"، قامت "سي إن إن" بتوسيع فريق المراجعة الخاص بها خلال الصيف، مع عرض الإصلاح الشامل المثير للجدل للنظام القضائي للاحتلال على البرلمان، ليشمل حفنة من المحررين من خارج الاحتلال، في محاولة لتسهيل العملية.

وفي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى موظفي شبكة "سي إن إن" في يوليو/تموز، كتب رئيس مكتب القدس ريتشارد غرين، أن "هذه السياسة موجودة لأن كل ما نكتبه أو نبثه عن إسرائيل أو الفلسطينيين يخضع للتدقيق من قبل الحزبيين من جميع الأطراف".

وأضاف: "يهدف مكتب القدس إلى أن يكون شبكة أمان؛ حتى لا نستخدم لغة أو كلمات غير دقيقة قد تبدو محايدة، ولكن يمكن أن يكون لها معاني مشفرة هنا".

ولكن لأن البروتوكول قد يبطئ عملية النشر، حيث كتب غرين: "لقد أنشأنا ما أسميناه عيون القدس الثانية".

فيما قال المتحدث باسم الشبكة إن "برنامج "عيون القدس الثانية" تم إنشاؤه لجعل هذه العملية سريعة قدر الإمكان، بالإضافة إلى جلب المزيد من الخبراء لتوظيفها على مدار اليوم، خاصة عندما تكون القدس مظلمة".

ولم يرد المتحدث الرسمي على سؤال حول ما إذا كانت "سي إن إن" لديها عملية مراجعة مماثلة مطبقة في مجالات التغطية الأخرى.

المصدر | إنترسبت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سي إن إن رقابة رقابة عسكرية شبكة أمريكية إسرائيل حرب غزة

موظفو سي إن إن ينتقدون سوء الممارسة الصحفية في حرب غزة