حرب غزة تضغط على قادة عمان.. وعلاقات مسقط بواشنطن قد تتدهور

الأحد 7 يناير 2024 08:48 ص

لم يؤد العدوان الوحشي للاحتلال الإسرائيلي على غزة إلى توتير العلاقات بين تل أبيب وحلفاء أمريكا بالمنطقة، وأبرزهم دول الخليج، لكنها تهدد أيضا بجعل علاقات واشنطن مع تلك الدول على المحك، وأبرزها سلطنة عمان التي تجد نفسها مضطرة الآن لعدم الحفاظ على موقفها التاريخي المتوازن من الصراعات أمام الغضب الشعبي لديها مما يحدث في غزة.

ما سبق كان خلاصة تحليل كتبه جورجيو كافييرو، المدير التنفيذي لمركز تحليلات دول الخليج العربي، ونشره "المركز العربي واشنطن دي سي"، حيث يرى أن سلطنة عمان تجنبت على مدار تاريخها توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة، والحفاظ على دورها كـ"محايد نشط"، لكن ذلك بدأ يتغير.

ويضيف الكاتب، في التحليل الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن الدعم الشعبي العماني الجارف للفلسطينيين و"حماس" والمقاومة أجبر مسقط على إدانة واشنطن بلغة قد تكون قاسية، لدعمها الأعمى للحرب الإسرائيلية في غزة.

الحفاظ على العلاقات مع واشنطن

وعلى الرغم من تزايد المشاعر المعادية للولايات المتحدة وانزعاج القيادة العمانية من موقف واشنطن تجاه إسرائيل، فإن عمان ليس لديها نية للتخلي عن علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، يقول الكاتب.

ويتابع: ستواصل السلطنة العمل بشكل وثيق مع إدارة بايدن - التي تقدر بشدة دور مسقط كمحاور مع خصوم الولايات المتحدة الإقليميين - لمنع انتشار الصراع في غزة وخروجه عن السيطرة.

ويشير رفض سلطنة عمان المشاركة في التحالف البحري "حارس الازدهار" الذي شكلته أمريكا في البحر الأحمر لمكافحة هجمات الحوثيين على السفن المتوجهة للاحتلال، إلى نيتها عدم الإضرار بعلاقاتها مع إيران، حيث تمتلك مسقط نفوذا استثنائيا في طهران أهلها للعب دور وساطة فاعل بعدد من الملفات الإقليمية المرتبطة بإيران.

وكانت عمان جزءا من الإجماع العربي تجاه الصراع مع إسرائيل، حيث رفضت حتى الآن تطبيع العلاقات رسميا مع تل أبيب، حتى تستجيب الأخيرة للمبادرة العربية 2002 والتي تطالب بحل الدولتين.

سياسة عمان الجديدة إزاء إسرائيل

ورغم أن سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد تقارب مع تل أبيب، وسط أجواء متفاؤلة بإمكانية التوصل إلى اتفاق تاريخي إسرائيلي فلسطيني بوساطة أمريكية، إلا أن ذلك لم يحدث، وبدأ سلفه هيثم بن طارق بانتهاج سياسات أكثر واقعية إزاء ذلك الملف، بحسب كافييرو.

وبعد وصول حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة إلى السلطة في عام 2022، لم تعد القيادة العمانية الحالية تنظر إلى تعاملها مع إسرائيل على أنه يحتمل أن يجني فوائد للمنطقة.

ورغم أن عمان وافقت في فبراير/شباط من العام الماضي على السماح للرحلات الجوية الإسرائيلية بدخول مجالها الجوي (بعد أن اتخذت السعودية هذه الخطوة في يوليو/تموز 2022)، إلا أن المسؤولين العمانيين لم يشروا إلى أن هذه الخطوة كانت خطوة نحو الانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام"، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والبحرين، والإمارات، والمغرب.

ويقول الكاتب: في الواقع، قبل شهرين، صوت مجلس الشورى، الهيئة التشريعية المنتخبة في عمان، لصالح منع العمانيين من التفاعل مع الإسرائيليين شخصيا وعلى الإنترنت ومن الاتصال في مجالات الاقتصاد والثقافة والرياضة.

عمان و"حماس"

ويشير الكاتب إلى أنه في حين لم تقدم سلطنة عمان قط دعمًا ماديًا لـ"حماس"، فإن مسقط لم تصنف "حماس" منظمة إرهابية.

والجدير بالذكر أن عمان هي واحدة من الدول العربية القليلة التي استضافت الزعيم السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، الذي حضر جنازة السلطان قابوس في يناير/كانون الثاني 2020 والتقى بخليفته السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، مشيدا بقيادة قابوس ودفاعه عن النضال الفلسطيني لتحقيق الدولة.

موقف أكثر صرامة

ويقول كافييرو إن حرب إسرائيل على غزة جعلت موقف مسقط الحالي أكثر صرامة إزاء تل أبيب، وحتى واشنطن، كما يتضح من الإدانة الواضحة التي وجهها وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي للولايات المتحدة بسبب استخدامها حق "الفيتو" ضد مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة.

وعلى حد تعبير البوسعيدي، فإن حق النقض الذي استخدمته واشنطن كان "إهانة مخزية للمعايير الإنسانية" التي سلطت الضوء على استعداد الولايات المتحدة "للتضحية بحياة المدنيين الأبرياء من أجل قضية الصهيونية".

لم تدن "حماس"

ويلفت الكاتب إلى أن سلطنة عمان لم تدن "حماس" وهجومها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم تصفها بـ"العمل الإرهابي"، بل إن مندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية عبدالله الرحبي وصف هجوم "حماس" بأنه عمل مقاومة لعقود من الاحتلال الإسرائيلي، في حين أكد البوسعيدي أن للفلسطينيين الحق في مقاومة إسرائيل وأن الحملة الإسرائيلية لتهجير سكان غزة هي "حملة تهجير إسرائيلية" و"مقدمة للإبادة الجماعية".

الرأي العام العماني

ويرى كافييرو أن البطل الأبرز في صرامة مسقط الآن هو الرأي العام العماني، حيث يسيطر الغضب على الشارع من وحشية الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وبات التعبير عن الغضب إزاء ما يحدث يتم بصورة غير مسبوقة في عمان.

على سبيل المثال، أظهر مقطع فيديو نُشر في 16 أكتوبر/تشرين الأول على موقع X مواطنًا عمانيًا يقترب من مجموعة من ضباط الجيش البريطاني في مدينة الدقم الساحلية ويطالبهم بمغادرة البلاد بسبب دعم المملكة المتحدة لإسرائيل.

ودشن العمانيون أيضا حملات قوية لمقاطعة الشركات الأمريكية أو تلك التي تدعم إسرائيل، مثل "ستاربكس" و"ماكدونالدز"، وكذلك المنتجات الإسرائيلية التي دخلت عمان عبر ميناء جبل علي في دبي.

وعلى الرغم من عدم تأييدها رسميًا لمثل هذه المقاطعة، إلا أن الحكومة العمانية قالت إنها تحترم حق المواطنين الأفراد في عدم شراء منتجات محددة مرتبطة بقضايا سياسية دولية.

ويشير الكاتب إلى أن الرأي العام العماني متفق على أن حماس تمارس أعمال المقاومة المشروعة وليس الإرهاب، وأن العديد من العمانيين يعتقدون أن عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها "حماس" كانت نتيجة متوقعة لسياسات إسرائيل التي حرمت الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية وحريتهم وكرامتهم لعقود من الزمن.

وقد شارك المواطنون العمانيون في الاحتجاجات ضد الحرب في غزة، بما في ذلك البعض لدعم "حماس"، وكان أبرز مظاهر الحراك مسيرة جرت في محيط السفارة الأمريكية بمسقط بعد 11 يوما من 7 أكتوبر، وهي المسيرة التي دفعت واشنطن لتحذير رعاياها من الاقتراب من المنطقة.

المسؤولون تحت ضغط

ويخلص كافييرو إلى أنه مع بقاء الرأي العام ثابتًا إلى جانب فلسطين، سيظل المسؤولون العمانيون تحت الضغط للتعبير علنًا عن عدم موافقتهم على سياسة واشنطن الخارجية تجاه إسرائيل وفلسطين.

ومن المرجح أن يساعد هذا في عزل الولايات المتحدة على الساحة الدولية.

وبما أن سياسة إدارة بايدن في الشرق الأوسط تترك العديد من الدول العربية غير مستقرة بشكل متزايد بشأن اعتمادها على واشنطن، فقد تسعى عمان والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى لاحقًا إلى إقامة علاقات أعمق مع الصين وإيران وروسيا، حيث يحذر الكاتب من هذا الاحتمال.

ويختم بالقول: ستظل الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً من هذا القبيل، لكن شراكتها مع عمان يمكن أن تصبح أكثر حساسية من الناحية السياسية بالنسبة للسلطنة، خاصة إذا استمرت المذبحة والكارثة الإنسانية في غزة بالتفاقم.

المصدر | جورجيو كافييرو / المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات العمانية الأمريكية سلطنة عمان غزة طوفان الأقصى تطبيع عمان مظاهرات عمان

عُمان تقدم 3 ملايين دولار للأونروا لدعم إغاثة غزة