استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

القيمة المضافة في حكم "محكمة العدل الدولية"

الثلاثاء 30 يناير 2024 03:02 ص

القيمة المضافة في حكم "العدل الدولية"

جرّدت تهمة الإبادة الجماعية إسرائيل من المبادئ والتماثل مع الغرب في قيمه العليا وأسقطت قوتها الناعمة، وهي القيمة النوعية المضافة في حكم المحكمة.

قوة دولة الاحتلال ليست في عسكرها ودبّاباتها وطائراتها وتحالفها مع أميركا فقط، بل في تفوّقها على محيطها، بفعل ما روّجته عن نفسها، كديمقراطية وحيدة في الإقليم.

بمجرّد قبولها الدعوى، فضّت محكمة العدل الدولية بنيان الرواية الإسرائيلية، القائمة على التفوّق العرقي والأحقية، ناهيك عن المظلومية الأبدية، ونقلتها إلى هامش الدونية الأخلاقية.

* * *

بعيداً عن المغزى القانوني الذي أشبعه الحقوقيون شرحاً وتأويلاً في الأيام القليلة الماضية، وبمنأى عن السجال السياسي بين قلة قليلة من خائبي الأمل وكثرة كاثرة من المستبشرين بحكم محكمة العدل الدولية، تودّ هذه المقاربة المتواضعة الإضاءة على القيمة المضافة في هذا الحكم المتعلّق بجريمة الإبادة الجماعية، التي ترتكبها دولة الاحتلال، في قطاع غزّة، على مدى أربعة أشهر طافحاتٍ بالدم والدمار والتهجير، لعلنا نتمكّن من الإسهام بقسطٍ متواضعٍ في النقاش المحتدم بشأن مآلات التدابير المتخذة، من وجهة نظر مغايرة.

ومن غير أي تقليلٍ أو تبخيس بهذه القرارات الصادرة بأغلبية ساحقة من حكّام أرفع مرجعية قضائية دولية، أو الاستهانة بفاعلية ما سيترتّب على تدابيرها الاحترازية المؤقتة من نتائج محتملة، حتى وإن امتنعت حكومة بنيامين نتنياهو عن تنفيذها في المدى القريب، تظلّ هذه القرارات الإلزامية، بحكم نصّ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، ذات جدوى بالغة الأهمية، سيّما في البعد القيمي، الغائب عن حوارات معظم المعلّقين المنخرطين في النقاش السياسي العام، أو ذوي الاختصاص، المتبارزين في لفت الانتباه حول قصور المحكمة في الاستجابة لطلب إصدار قرار احترازي واضح بوقف إطلاق النار.

تنبني هذه المقاربة على فرضية أن قوة دولة الاحتلال ليست في عديد عسكرها وأعداد دبّاباتها وطائراتها فقط، ولم تكن كفّة ميزانها راجحة ذات يوم، بفعل تقدّمها التكنولوجي والاقتصادي فحسب، أو بفضل تحالفاتها الواسعة، سيما مع أميركا، وإنما كانت فوق ذلك كله متفوّقة على محيطها كله، بفعل ما روّجته عن نفسها، بنجاح، دولة ديمقراطية وحيدة في صحراء الشرق الأوسط، وأنها نبتٌ حضاريٌّ متفتحٌ وسط بيئة متوحّشة من الأشرار والإرهابيين وأحفاد تجار العبيد، فيلّا فاخرة في قلب غابة مليئة بالضباع والذئاب و"الوحوش الآدمية". فقد قدمت دولة الاحتلال نفسها طوال الوقت الطويل أنها الضحية الأبدية وصاحبة المظلومية التاريخية، دولة الناجين من المحرقة النازية، وسوّقت صورتها معجزةً تفيض بالتقدّم والحيوية، وأنها جزءٌ من المركزية الأوروبية، تشارك الغرب قيمه العليا، مبادئه السامية ومثُله الحضارية، وكل مفرداته الثقافية، فيما ظلت صورة العرب في المقابل عدمية، مظلّلة بالآراء المسبقة والتقييمات الظالمة عن خاصيات التعصّب والكراهة والأصولية، التخلف والفساد والميول الاستبدادية، الأمر الذي أحدث كل هذا التسامح المديد مع فظائع الاحتلال من دون أي مساءلة، وسوّغ غضّ البصر والتغاضي عن جرائمه المروّعة.

عقب "طوفان الأقصى" وعلى وقع هزيمتها المدوّية، حاولت دولة الاحتلال أن تجدّد صورتها التي تحطّمت على غلاف غزّة، استعادة هيبتها ومضاء سيفها وقوة ردعها، واسترداد روحها الممزّقة، ومن ثمّ إعادة بناء مظلوميّتها الملفقة، بالحديث الكاذب عن قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء، غير أن الاحتلال تخطّى حدود القوة، أفرط كثيراً في استخدام آلة قتله المدمّرة، وقارف كل جريمة أخلاقية ممكنة، الأمر الذي قلب عليه الرأي العام في المطرح الأكثر أهمية له، أوروبا وأميركا.

على هذه الخلفية الدامية، المتشكّلة في غزّة، جاءت المحكمة الدولية، بحكمها غير المثالي ربما، لتضع دولة الاحتلال في قفص الاتهام باقتراف أم الجرائم، الإبادة الجماعية، ولتستكمل بهذه السابقة غير المسبوقة عملية جلاء صورة الدولة المارقة، القلعة الباغية المحصّنة ضد كل مساءلة، كما أتت لائحة الشبهات والتهم المُحكمة، بما في ذلك إلزام دولة الاحتلال بالامتناع عن التجويع والتقتيل للغزّيين، وبتقديم تقرير مفصّل عما طلبته الهيئة القضائية من أجوبة عن جملة من الأسئلة المحدّدة، في غضون شهر، كعملية إخضاع لا مراء فيها، لتلك الغطرسة ونهج الغرور، اللذيْن اتّسمت بهما تصرّفات آخر دولة احتلال.

بكلام آخر، فضّت محكمة العدل الدولية، بمجرّد قبولها الدعوى، بنيان الرواية الكلاسيكية الإسرائيلية، القائمة على الحسّ بالتفوّق العرقي والعدالة والأحقية، ناهيك عن المظلومية الأبدية، ونقلتها من موضع الزعم بالغلبة والتميّز والفرادة إلى هامش الهامش وحضيض الدونية الأخلاقية، وأهم من ذلك كله، جرّدتها شبهة تهمة الإبادة الجماعية من كل مُثل ومبادئ مزعومة، بما في ذلك الزعم بالتماثل مع الغرب في قيمه العليا، كما أسقطت من بين يديها درّة تاج قوتها الناعمة، ولعلّ هذه هي القيمة النوعية المضافة في حكم محكمة العدل الدولية.

*عيسى الشعيبي كاتب وصحفي من الأردن

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل حكومة نتنياهو القيمة المضافة الإبادة الجماعية القوة الناعمة طوفان الأقصى محكمة العدل الدولية الدونية الأخلاقية الرواية الإسرائيلية