متلازمة حرب غزة.. خطأ استراتيجي يسرع من تراجع صدارة القوة الأمريكية

الخميس 8 فبراير 2024 11:04 ص

سلط الزميل الزائر بكلية جولدسميث في جامعة لندن، والمؤسس المشارك لتحالف "أوقفوا الحرب"، جون ريس، الضوء على نتائج العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مشيرا إلى أنه يكشف فصلا جديدا لخطأ استراتيجي فادح للولايات المتحدة، يتمثل في تكرارها التركيز على خوض صراعات عسكرية ليست بحاجة لها.

وذكر ريس، في تحليل نشره موقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الخسائر المروعة للحرب، من حيث القتلى والجرحى والنازحين الفلسطينيين، لم يسبق لها مثيل في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ 75 عامًا، بما في ذلك نكبة 1948 التي لم تشهد هذا المستوى من الموت والدمار.

ويرى ريس أن الأكثر وضوحاً في هذه الحرب هي أن الإسرائيليين لن يتعرضوا لهزيمة عسكرية صريحة، وهذا ليس بالأمر المستغرب، فهم ينشرون قوات عسكرية حديثة ضد شعب غير مسلح إلى حد كبير، أو في أفضل تقدير يفتقر إلى التسليح؛ لذا فإن الهزيمة العسكرية بأي معنى تقليدي لم تكن أبداً نتيجة محتملة لإسرائيل.

لكن إسرائيل تكبدت خسائر عسكرية كبيرة، ولم تنجح، وليس من المرجح أن تنجح، في تدمير حماس أو قطع رأس قيادتها، ولم تقتل سوى زعيم واحد من الحركة الفلسطينية حتى اليوم، وستضمن الطبيعة والوحشية للعدوان الذي تشنه استمرار حماس في تجنيد الأفراد لعقود قادمة، بحسب ريس.

كما أن الحساب العمومي ليس في صالح الإسرائيليين، فقد فقدوا الدعم في جميع أنحاء العالم، وهي حقيقة تبلورت من خلال التحقيق الذي تجريه محكمة العدل الدولية بشأن اتهام الدولة العبرية بالإبادة الجماعية.

ويصف ريس هذا الوضع بأنه "مفارقة فلسطينية" تعبر عن "هزيمة عسكرية ونصر سياسي"، وهي مفارقة "ليست غريبة في تاريخ النضال التحرري"، إذ كان هجوم تيت الفيتنامي عام 1968 بمثابة فشل عسكري، ولكن من المتفق عليه أنه كان نقطة تحول سياسية جعلت الولايات المتحدة غير قادرة على حشد الدعم للحرب كما فعلت من قبل.

وفي كفاح جنوب أفريقيا الطويل ضد الفصل العنصري، تعرضت لهزيمتين على الأقل، هما: مذبحة شاربفيل في عام 1960 وانتفاضة سويتو في عام 1976، لكن كلا منهما كشف النظام القومي الأبيض إلى درجة أنه لم يتمكن من إعادة بناء مستويات الدعم التي كان يتمتع بها من قبل.

ولم تكن أي من هذه الحالات انتصارات نهائية، واستغرق تحقيق أهداف التحرر وقتا أطول، وأريقت في سبيله الكثير من الدماء، فقد خسر الفيتناميون 3 ملايين روح مقارنة بـ 55 ألف قتيل أمريكي قبل انتهاء الحرب.

ويرى ريس أن الرواية التي تقول إنك إذا انتقدت إسرائيل فلا بد أنك معاد للسامية قد أصبحت في "حالة من الفوضى"، ولذا فقد كان قرار جنوب أفريقيا، عام 2023، بإحالة قضية الإبادة الجماعية إلى محكمة العدل الدولية تاريخيًا في حد ذاته.

فقد اشتكت الدول الأفريقية، منذ فترة طويلة، من أن المحاكم الدولية تدين أعداء الغرب فقط، وليس قادة الغرب نفسه، وكان هذا اتهاماً موجهاً بشكل خاص حول الفشل في محاكمة جورج دبليو بوش وتوني بلير بعد حربهما غير الشرعية في العراق.

ولذا فإن حكم محكمة العدل الدولية الأخير يمثل "عزلة" لدولة إسرائيل وحلفائها، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، حتى أصبحت إسرائيل وأنصارها أقلية صغيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. بل إن التطهير العرقي الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي في غزة أدى إلى دفع حتى الاتحاد الأوروبي إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار، في تراجع لافت لإسرائيل وحلفائها الغربيين، تواكبا مع اتجاه تنحسر فيه القوة من الولايات المتحدة، حسبما يرى ريس.

العراق وأفغانستان

وهنا يشير المؤسس المشارك لتحالف "أوقفوا الحرب" إلى ما وصفه بـ "الخطأ الاستراتيجي الأمريكي"، فالولايات المتحدة لاتزال هي الدولة الأكثر إنفاقًا على الأسلحة في العالم بفارق كبير جدًا، حيث تنفق أكثر من الدول العشرة الأكثر إنفاقًا على الأسلحة مجتمعة، بما فيها الصين، وجيشها هو الأفضل تجهيزا في العالم، وقدراتها على إسقاط القوة لا مثيل لها، لكن تفوقها العسكري لم يعد مصحوبا، كما كان الحال في القسم الأعظم من القرن العشرين، بهيمنة اقتصادية ساحقة.

صحيح أن اقتصاد الولايات المتحدة لايزال هو الأكبر، لكنها تواجه تحديًا مستمرًا من الصين، ومن المقرر أن تتخلف عن منافستها بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، كما أصبحت الاقتصادات في آسيا، وأبرزها الهند، وأمريكا اللاتينية، مراكز مستقلة لتراكم رأس المال، ولم تعد تعتمد بشكل مباشر على الروابط مع الولايات المتحدة.

ويؤشر ذلك إلى نشوء نظام عالمي جديد من رماد التفوق الأمريكي، بحسب ريس، مشيرا إلى أن التناقض بين القوة العسكرية الساحقة وتراجع الهيمنة الاقتصادية يشكل السبب الأكثر أهمية وراء عدوانية الولايات المتحدة المتزايدة في عالم ما بعد الحرب الباردة.

ويلفت ريس، إلى أن مشروع القرن الأمريكي الجديد كان يهدف إلى استخدام القوة العسكرية لإعادة ضبط الملعب الاقتصادي لصالح الولايات المتحدة، وهو الهدف الذي كان وقف وراء الحرب في العراق وأفغانستان.

 لكن ما جرى في العراق وأفغانستان تحول إلى كارثة سيئة السمعة، فبعد إنفاق الكثير من الدماء والأموال، عادت أفغانستان إلى ما لم يكن من المفترض أن تكون عليه: دولة تحكمها حركة طالبان، وكانت النتيجة في العراق أسوأ من ذلك، فالدولة لم تعد تلك المستقرة المأمولة والموالية للغرب والغنية بالنفط، بل تحولت إلى حطام غير مستقر لبلد ترأسه حكومة ذات ميول إيرانية تطالب مراراً وتكراراً بمغادرة القوات الأمريكية لأراضيها.

ويرى ريس أن الأثر الأكثر أهمية لحرب العراق تمثل في تضخيم النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط، وهو النفوذ الذي جعلته حرب غزة واضحا للغاية، حيث تشتبك القوات المتحالفة مع إيران عسكريًا مع إسرائيل عبر الحدود الجنوبية للبنان، وفي البحر الأحمر، وفي العراق وسوريا.

لقد كان الخطأ الاستراتيجي الفادح الذي ارتكبته الولايات المتحدة، بحسب ريس، هو الإصرار على سياستها العسكرية أولاً، وهو ما كررته في حرب غزة، من خلال الدعم الشامل وغير النقدي لإسرائيل، وكأن الشرق الأوسط لا يزال على حاله قبل حرب العراق.

ويضيف ريس: "يبدو أنه لم يتم أخذ الضرر الدبلوماسي والسياسي الذي سببته الهزيمة في أفغانستان والعراق بأي اهتمام، فضلا عن تأثير الكوارث في ليبيا وسوريا، أو حقيقة أن الحوثيين قد تغلبوا على القوات المدعومة من الغرب، والتي تضم 9 دول".

متلازمة غزة

وإزاء ذلك، يبدو أن "متلازمة غزة" ستضاف إلى "متلازمة العراق"، بحسب تعبير ريس، الذي رجح أن تتعزز عزلة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وعدم فعالية تفوقهما العسكري، إن لم يكن تدميره.

والأسوأ من ذلك، فيما يرى ريس، أن الحرب الأخرى التي شنتها الولايات المتحدة بالوكالة ضد أوكرانيا تفشل، وتنحدر إلى طريق مسدود على غرار الحرب العالمية الأولى، مشيرا إلى أن تلك الحرب "ليست اختيارية بالنسبة لأوكرانيا، لكنها حرب لقوى حلف شمال الأطلسي".

وفي هذا الإطار، يتم نشر الكثير من الأموال والدماء (الأوكرانية) لمحاربة روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، وتركز الدعاية الغربية على المبالغة في تصويره على أنه "هتلر الجديد"، لكن ريس يرى أنه ليس بهذه الصورة.

ففي ظل اقتصاد أكبر قليلاً من اقتصاد إسبانيا، لن يتمكن بوتين من التوغل بعيداً في شرق أوكرانيا، حسبما يرى ريس، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة خاضت سلسلة من الحروب لم يكن ينبغي لها خوضها، وهُزمت فيها وعانت من أضرار سياسية هائلة.

ومن ناحية أخرى، فإن المنافس الحقيقي للقوة العالمية للولايات المتحدة (الصين) ينمو الآن عسكرياً بسرعة أكبر من نموه الاقتصادي.

وفي حين أن المنافسة مع الولايات المتحدة كانت توضع في إطار التوقيت الذي ستصبح فيه الصين أكبر اقتصاد في العالم، وهو الاحتمال الذي يبدو أبعد مع انخفاض معدل نموها إلى ما دون نظيره في الولايات المتحدة، فإن التهديد الآني يأتي على نحو أكبر من ضخامة الصين وقواتها المسلحة المتنامية وغير المثقلة بالصراعات التي لا طائل من ورائها والهزائم التي يمكن تجنبها.

المصدر | جون ريس/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

غزة الولايات المتحدة إسرائيل النكبة حماس مذبحة شاربفيل انتفاضة سويتو العراق جنوب أفريقيا