فورين بوليسي: غزة وحدت الشرق الأوسط المنقسم ضد أمريكا.. وهذا هو الحل

الأحد 11 فبراير 2024 10:51 ص

تسببت الحرب الحالية في قطاع غزة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة "حماس" في إعادة توحد المنطقة وتكاملها، وتجاوزها عتبة الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة، وهي الصراعات التي حكمت جيوسياسية المنطقة خلال السنوات المقبلة، وهو أمر خطير بشكل خاص للغرب والولايات المتحدة، لأن التكامل الحالي يتجه بشكل موحد نحو معاداة واشنطن.

ما سبق كان خلاصة تحليل كتبه توبي ماثيسن، المحاضر في جامعة بريستول ومؤلف كتاب "الخليفة والإمام: صناعة السنة والشيعة"، ونشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، حيث يرى أنه في غياب حل عادل وعريض للقضية الفلسطينية بعد ما حدث فإن الشرق الأوسط لن يتمكن أبداً من تحقيق السلام الدائم أو ذلك النوع من التعاون السياسي والاقتصادي الذي طالما حلم به كثيرون، وفي القلب منه حراك التطبيع بين دول عربية وإسرائيل، والذي قادته واشنطن.

وبهذا المعنى فإن الحرب في غزة جلبت قدراً أعظم من الوحدة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ربما أكثر من أي صراع آخر شهده العالم الإسلامي في العقود الأخيرة، يقول الكاتب.

البديل، بحسب الكاتب، سيكون دورة لا تنتهي من العنف، وتراجع النفوذ الغربي والشرعية، وخطر-  ليس فقط نشوب حرب أوسع نطاقا، بل أيضا خطر منطقة تتكامل بطريقة مختلفة تماما - منطقة معادية بشكل أساسي للغرب نفسه.

طمس الانقسامات الطائفية

ويقول ماثيسن إن حرب غزة "طمست الانقسامات الطائفية التي غالبًا ما شكلت المنطقة"، ووحدت السنة والشيعة ضد إسرائيل، وخلف المقاومة الفلسطينية، وزادت فعالية الأمر، بسبب كون حركة "حماس"، تمتلك علاقات مميزة مع ما يعرف بـ"محور المقاومة"، وهو خط عريض من جماعات موالية لإيران وتناصب العداء للولايات المتحدة وإسرائيل.

وبعيداً عن محور المقاومة، يكمن التفسير في المكانة الخاصة التي احتلها تحرير فلسطين منذ فترة طويلة بين السنة والشيعة العاديين، وكيف حولت الحرب هذه المشاعر إلى قوة موحدة قوية.

ويقول الكاتب: الحقيقة أنه حتى عندما تندلع التوترات الطائفية في أماكن أخرى، فإن محنة الفلسطينيين ظلت لفترة طويلة بمثابة نقطة التقاء مشتركة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، بينما واصل القادة العرب السنة صفقات "التطبيع" مع إسرائيل وتجاهلوا القضية الفلسطينية بشكل متزايد، أصبحت الحكومة الإيرانية وحلفاؤها الشيعة الداعمين الأساسيين للمقاومة الفلسطينية المسلحة.

وفي المقابل، فإن التحولات الإقليمية، بما في ذلك التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية في مارس/آذار 2023، ومحادثات السلام الجارية بين الحوثيين والسعودية وبين اليمنيين، والديناميات المتغيرة في العراق ولبنان، جعلت الانقسام الطائفي أقل بروزاً بكثير.

جبهة إسلامية عريضة

ويقول الكاتب إنه بعد ما يقرب من أربعة أشهر من الحرب الكارثية، أدى الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى إيقاظ جبهة إسلامية تضم الجماهير العربية السُنّية، التي تعارض بأغلبية ساحقة التطبيع العربي، والجماعات الشيعية المسلحة التي تشكل قلب قوى المقاومة الإيرانية.

ويضيف: بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها، يشكل هذا التطور تحديًا استراتيجيًا يتجاوز بكثير مواجهة الميليشيات العراقية والحوثيين بضربات مستهدفة.

ويردف: من خلال الجمع بين منطقة مقسمة منذ فترة طويلة، تهدد الحرب في غزة بمزيد من تقويض النفوذ الأمريكي، وعلى المدى الطويل، يمكن أن تجعل العديد من المهام العسكرية الأمريكية غير قابلة للاستمرار.

وتثير هذه الوحدة الجديدة أيضًا عقبات كبيرة أمام أي جهود تقودها الولايات المتحدة لفرض اتفاق سلام من أعلى إلى أسفل يستبعد الإسلاميين الفلسطينيين.

الإعجاب بـ"حماس"

ويبدي الكاتب تعجبه من تمكن حركة "حماس" الفلسطينية من حفر مكان لنفسها في الوجدان السني والشيعي في المنطقة، على حد سواء، فقد انحدرت من رحم أكبر جماعة سنية (الإخوان المسلمون)، لكنها أقامت علاقات متطورة مع المحور الشيعي وإيران التي أمدتها بالسلاح في غياب قوى عربية سنية تقوم بهذا الدور.

ورغم اشتعال الحروب الطائفية في سوريا والعراق واليمن، خلال السنوات القليلة الماضية، ونشوء تنظيم "الدولة الإسلامية" السني والذي كان شرسا ضد الشيعة، حافظت "حماس" السنية بصعوبة على توازناتها مع المحور الشيعي، حتى خلال اللحظات الحرجة التي صاحبت الصدام مع السنة في سوريا.

القضية الفلسطينية

ويعود الكاتب للتأكيد على أن الحرب الوحشية بين السنة والشيعة، وظهور جيل جديد في الدول العربية ومنطقة الخليج بدا أنه لا يهتم بفلسطين، ووجود قلاقل سياسية في إيران، خلقت "افتراضات مضللة" دفعت الجهود الأمريكية لخلق حالة تطبيع بين دول عربية وخليجية وإسرائيل، حتى في غياب أي خطة قابلة للتطبيق لمعالجة مظالم ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت السيطرة والاحتلال الإسرائيلي إلى أجل غير مسمى، وكلاجئين حولها.

والآن، تحول كل هذا، لتتوحد الجماهير خلف القضية الفلسطينية مجددا، وتتلاشى الفوارق بين المحورين السني والشيعي في المنطقة وتتوحد المشاعر مجددا ضد إسرائيل.

محور المقاومة

ويرى الكاتب أن الانضباط الذي مارسته إيران ووكلائها في المنطقة ضمن ما يعرف باسم "محور المقاومة" في الانخراط بالحرب الحالية التي بدأتها "حماس" يعطي أملا للولايات المتحدة والغرب والقوى السنية في المنطقة لعدم تفجر الأوضاع إقليميا وبذل المزيد من الجهود لمحاولة وقف تلك الحرب.

من المفارقة أن التصرفات الأمريكية الحالية في الحرب في غزة، بما في ذلك الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل والإجراءات العسكرية والدبلوماسية التي تهدف إلى كسب المزيد من الوقت لإسرائيل، قد تسرع من ترسخ استراتيجية إيران لخلق حالة عدائية لأمريكا والغرب في المنطقة.

لعبة مضمونة لإيران

وفي نفس السياق، قدمت حرب غزة دعما كبيرا لإيران، وذلك بعد تنامي مشاعر العداء العربي والإسلامي للولايات المتحدة، بسبب دعمها الكبير لإسرائيل، كما يقول الكاتب.

ويضيف: وفي حين أن الحكومات العربية الموالية للغرب ليس لديها الكثير لتظهره فيما يتعلق بجهودها لوقف الحرب، فقد تمكنت إيران وقواتها المحورية من تصوير نفسها كقادة إقليميين والداعمين الأساسيين للفلسطينيين، لا سيما الحوثيون في اليمن.

ويردف: أياً كان ما سيحدث بعد ذلك، فمن المرجح أن تتمتع إيران وحلفاؤها بقدر أعظم من النفوذ والنفوذ، وخاصة نتيجة لأخطاء الماضي والحاضر التي ارتكبها خصومهم في إسرائيل والغرب.

ما الحل؟

يقول الكاتب إنه بات من الواضح على نحو متزايد أنه سيكون من المستحيل بالنسبة لواشنطن أن توقف التصعيد الإقليمي ما لم تتمكن من تأمين وقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء الاحتلال، وأخيراً إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة.

ويضيف: في غياب مثل هذه الخطوات الملموسة وذات المصداقية، فإن القوى الإقليمية سوف تستمر في استخدام القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسبها الخاصة.

ومع ذلك، فمن الصعب أن نتصور قيام دولة فلسطينية، ناهيك عن النجاح، إذا لم تكن مدعومة بدعم من جميع الفصائل الفلسطينية وجميع القوى الإقليمية الكبرى، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى، ولكن أيضا تركيا وإيران ودول أخرى.

ويرى الكاتب أن العقبات التي تعترض مثل هذا النهج هائلة، خاصة في ضوء الموقف المعلن لحكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن هذه المسألة.

ويمضي بالقول: لكن في غياب مثل هذا الحل العادل وعريض القاعدة للقضية الفلسطينية، فإن الشرق الأوسط لن يتمكن أبداً من تحقيق السلام الدائم أو ذلك النوع من التعاون السياسي والاقتصادي الذي طالما حلم به كثيرون.

ويختم قائلا: البديل سيكون دورة لا تنتهي من العنف، وتراجع النفوذ الغربي والشرعية، وخطر ليس فقط نشوب حرب أوسع نطاقا، بل أيضا خطر منطقة تتكامل بطريقة مختلفة تماما - منطقة معادية بشكل أساسي للغرب نفسه. 

المصدر | توبي ماثيسن / فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حرب غزة طائفية محور المقاومة حماس العداء للغرب إيران الشيعة السنة

واشنطن بوست: لـ3 أسباب بايدن يقترب من القطيعة مع نتنياهو

تحذير دبلوماسي من تصاعد المشاعر المعادية لأمريكا في الشرق الأوسط