خبراء: أزمة البحر الأحمر تضاعف أعباء مصر.. وجنوب أفريقيا المستفيد الأكبر

الأربعاء 14 فبراير 2024 06:10 م

سلط الخبراء في الشؤون الأمنية والمخاطر الجيوسياسية، منزي ندلوفو ودانييل فان دالين وروناك جوبالداس، الضوء على تأثير الضربات العسكرية المتبادلة بين السفن الحربية الأمريكية والبريطانية والحوثيين في البحر الأحمر على أفريقيا، ووصفوها بالأزمة التي تعمق التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا وحرب أوكرانيا على بلدان القارة السمراء، خاصة مصر.

وذكر الخبراء، في تحليل نشره موقع "معهد الدراسات الأمنية" الأفريقي وترجمه "الخليج الجديد"، أن الاضطرابات الحالية تؤثر في المقام الأول على طرق التجارة وسلاسل التوريد بين أوروبا وآسيا، لكن "البلدان الأفريقية لن تفلت من العدوى".

وأورد التحليل أن أهمية البحر الأحمر لا يمكن التقليل منها، إذ يمر منه سنويًا نحو 12% من التجارة و30% من حركة الحاويات العالمية، ومع الجفاف في قناة بنما والحصار المفروض على البحر الأسود، فإن الوضع الحالي يزيد من تعقيد ديناميكيات الشحن الدولي، إذ تشير التقارير إلى أن أكثر من 18 خط ملاحي يتجنب قناة السويس.

لكن رد فعل الأسواق المالية كان هادئًا حتى الآن، ما يعزوه الخبراء الثلاثة إلى التوقعات بأن ينحصر الصراع بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والحوثيين في اليمن، وأن يظهر الحريق محدودا وقصير الأمد بدلاً من حرب أوسع نطاقاً.

كما كان رد الفعل على أسعار السلع الأساسية أقل من المتوقع، وهو ما أظهرته أسعار النفط، ما عزاه الخبراء إلى تركيز الاهتمام على قضايا أخرى مثل دورة أسعار الفائدة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وتأثير مدفوعات التأمين لشركات الشحن باتجاه تأخير تغيرات الأسعار من خلال استيعاب العبء الذي كان من الممكن أن ينتقل إلى المستهلكين.

ومع ذلك، يمكن أن تؤدي "قعقعة الأسلحة" بين إيران والولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى زيادة هجمات الحوثيين واحتدام الصراع في بلدان مثل العراق ولبنان، وقد تضيف التوترات بين الصومال وإثيوبيا وأرض الصومال بشأن صفقة الميناء الواقعة على مضيق باب المندب بعدًا آخر للأزمة، خاصة في ظل استعداد مصر للتدخل في مقابل إثيوبيا.

وفي هذا الإطار، يرى الخبراء أنه يتعين على مصر وجيبوتي التصرف بشكل أكثر حزماً في المنطقة، إذ تمثل الرسوم البحرية جزءًا كبيرًا من ميزانية البلدين، وتعطيل التجارة البحرية على طول البحر الأحمر يشكل عائقًا ماليًا كبيرًا لكل منهما، خاصة مصر التي تجني وحدها أكثر من 400 مليون دولار شهرياً من رسوم تيسير التجارة.

صدمات تضخمية

وقد يؤدي استمرار عدم الاستقرار في البحر الأحمر إلى حدوث صدمات تضخمية، وذلك في الغالب من خلال العوامل الخاصة بدفع التكاليف، فقد ترتفع تكلفة السلع التي تتطلب مدخلات من آسيا والشرق الأوسط، وستكون أفريقيا، في الخطوط الأمامية لمثل هذه الديناميكيات، باعتبار المستورد الرئيسي لهذه السلع، ما يزيد من الأسعار المرتفعة بالفعل منذ اشتعال الحرب في أوكرانيا.

وقد يؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية أيضًا إلى حدوث صدمة تضخمية ثانية، فرحلات الشحن الأطول تعني المزيد من الطلب على الوقود؛ والقيود المفروضة على الشحن في البحر الأحمر تعني المزيد من القيود على العرض، ما يعني ارتفاع التكاليف.

وقبل الحديث عن وقف محتمل لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، كانت أسعار النفط ترتفع بشكل مطرد منذ بدء الحرب، ومن دون مفاوضات لوقفها يشير الخبراء إلى احتمال ارتفاعها إلى مستوى 75 دولارًا للبرميل.

وسيكون لذلك عواقب كبيرة على الاقتصادات الأفريقية، وقد يؤدي ذلك إلى تأخير مسار التطبيع النقدي الذي طال انتظاره من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي قد يوقف تخفيضات أسعار الفائدة مع استشعاره أن التضخم يميل نحو الاتجاه الصعودي، وهذا من شأنه أن يوقف الدورة الحميدة التي كان تعديل سياسات البنك نتيجة لتحفيزها.

وقد ترتفع تكاليف السلع التي تتطلب مدخلات من آسيا والشرق الأوسط، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة بالنسبة لأفريقيا، ما قد يضطر بعض بلدانها إلى دفع أسعار أعلى للديون الدولية باستثناء قلة من الدول تتمتع بدعم صندوق النقد الدولي، والجدارة الائتمانية الاستثنائية، والعوائد المواتية. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة مخاطر السداد، في عام تواجه فيه أفريقيا آجال استحقاق متعددة.

كما أن توقعات التضخم المرتفعة وتشدد بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يدفعان البنوك المركزية الأفريقية إلى تأخير دورات تخفيض الفائدة، ما قد يسفر عن تقويض لانتعاش النمو في عام 2024 الذي يروج له صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو أمر ضروري لتحقيق التوازن بين مؤشرات الاقتصاد الكلي والتنمية.

وبعد حرب أوكرانيا، أصبحت الأدوات المالية والنقدية المتاحة أمام صانعي السياسات الأفارقة لتحمل صدمة كبيرة أخرى محدودة، فقد تعرضت الميزانيات لضغوط شديدة بسبب التدخلات المتعلقة بفيروس كورونا، وتصاعد التزامات خدمة الديون، مع نقص التمويل الخارجي.

وفي الوقت نفسه، وصلت أسعار الفائدة القياسية إلى أعلى مستوياتها التاريخية، ومن المرجح أن تؤدي الزيادات الإضافية إلى استنزاف نشاط الطلب الهش الذي لا يزال قائما.

كما أصبح المناخ السياسي أكثر حساسية مما كان عليه في أوائل عام 2023، ومع اقتراب موعد 20 اقتراعا انتخابيا هذا العام، يجب على صناع السياسات أن يقفوا على خط رفيع بين عزل الاقتصادات عن المخاطر المتزايدة.

مخاطر جيوسياسية

ولا يخلو الصراع من مخاطر جيوسياسية، فكما هو الحال مع روسيا/أوكرانيا، وإسرائيل/فلسطين، فقد تضطر الدول الأفريقية إلى الانحياز إلى جانب الولايات المتحدة والمحور المرتبط بإيران والمتورط في الأزمة، وقد تتعرض مصر لضغوط تدفعها لمساعدة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دبلوماسيا.

كما أن تورط إيران المزعوم في الصراع يضع الدول الأعضاء بمجموعة بريكس في معضلة، وخاصة تلك العازمة على الاحتفاظ بقدر من البراعة الدبلوماسية، مثل جنوب أفريقيا.

ويبدو أن التقلبات في البحر الأحمر أحيت شبح القرصنة البحرية أيضاً، مع تزايد الحوادث منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول. ومع اضطرار السفن إلى تغيير مسارها وتوجيه الموارد العسكرية نحو مكافحة الحوثيين، فقد يظهر فراغ يمكن للقراصنة استغلاله.

وكما هو الحال في كل أزمة، سيكون هناك فائزون وخاسرون، بحسب الخبراء، الذي اعتبروا موريشيوس، ومدغشقر وناميبيا بين المستفيدين المحتملين من الأزمة، إذ تقع الدول الثلاث عند منعطفات استراتيجية على طول الطريق البحري بين آسيا وأوروبا، ما يجعلها محطات خدمة مثالية.

أما جنوب أفريقيا فيصفها الخبراء الثلاثة بأنها "المستفيد الأكبر"، نظرا لموقعها ومينائها المتطور وبنيتها التحتية اللوجستية، مع اتجاه عديد السفن التجارية إلى المرور عبر طريق رأس الرجال الصالح حول قارة أفريقيا بدلا من مسار البحر الأحمر وقناة السويس.

وفي السياق، ينوه الخبراء إلى أن البلدان الواقعة على طول ساحل المحيط الهندي، مثل كينيا وتنزانيا وأنجولا، تتمتع بثروة أفضل من موريشيوس ومدغشقر وناميبيا لكنها تقع خارج ممرات الشحن التقليدية حول كيب تاون، وربما تكون موزمبيق في وضع أفضل، لكن التحول في التجارة العالمية تزامن مع بدء البلد الأفريقي في تجديد موانئه.

ويخلص الخبراء الثلاثة إلى أن أزمة البحر الأحمر تعد الأحدث بين عدد لا يحصى من العقبات التي يتعين على الدول الأفريقية التغلب عليها، والمخاطر المرتبطة بها كثيرة، خاصة في ضوء الوضع الاقتصادي الضعيف للقارة وعدم اليقين المحيط بموسم الانتخابات.

المصدر | منزي ندلوفو ودانييل فان دالين وروناك جوبالداس/معهد الدراسات الأمنية الأفريقي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اليمن البحر الأحمر الحوثيين أفريقيا قناة السويس