المركز الأطلسي: معضلة مصر أكبر من مجرد اقتصاد.. المشكلة والحل

الجمعة 16 فبراير 2024 10:02 م

الحل للأزمة الاقتصادية في مصر الآن يتجاوز مسألة أساسيات الاقتصاد الكلي ويتعداه إلى "الاقتصاد السياسي" أو "أيدولوجية الاقتصاد" كما ترى رشا حلوة، مدير مبادرة تمكين الشرق الأوسط بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط.

وفي تحليل نشره موقع "المركز الأطلسي - council atlantic" تستعرض الكاتبة مقومات مصر الطبيعية والبشرية وإمكاناتها التي لا تتناسب مع الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تعاني منها البلاد حاليا.

مقومات مصر

وتقول رشا إن مصر تقع على مفترق الطرق بين أفريقيا والشرق الأوسط، ويبرز موقع مصر الاستراتيجي من خلال أهمية قناة السويس، الممر البحري العالمي الحيوي ومن ضمن الأكثر ازدحاما عالميا، علاوة على  تراث البلاد الغني ومقوماتها السياحية وانخفاض تكاليف السفر والسياحة بها حاليا بسبب تراجع قيمة الجنيه.

وبالإضافة إلى ثروتها الثقافية، تمتلك مصر قاعدة كبيرة من رأس المال البشري، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 115 مليون نسمة، يمثلون حوالي 1.4% من سكان العالم. ومن الجدير بالذكر أن 60% من سكان مصر هم تحت سن الثلاثين، مما يسلط الضوء على وجود قوة عاملة كبيرة تستعد لدخول سوق العمل.

متاعب الاقتصاد المصري

وتقول الكاتبة: على الرغم من كل المزايا الكامنة فيه، ظل الاقتصاد يتصارع مع تحديات مستمرة منذ ما يقرب من خمسة وسبعين عامًا. لا تزال معدلات الفقر المرتفعة تعاني منها البلاد، حيث تشير إحصائيات البنك الدولي إلى ارتفاع معدل الفقر، مع زيادة نسبة السكان تحت خط الفقر من 25.2% في عام 2010 إلى 32.5% في 2017-2018.

وتضيف: كما ظلت إيرادات السياحة في مصر متواضعة، حيث بلغ متوسطها حوالي 8 إلى 9 مليارات دولار سنويًا بين عامي 2014 و2022، على الرغم من إمكانات البلاد كوجهة سياحية رئيسية.

وبالمقارنة، حققت دولة الإمارات باستمرار دخلاً سياحياً أعلى، حيث بلغ متوسطه حوالي 30 مليار دولار سنوياً خلال الفترة نفسها، ومن المتوقع أن يصل إلى 60 مليار دولار بحلول عام 2028.

تراجع الاستثمار المباشر

بالإضافة إلى ذلك، كانت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر متواضعة نسبيًا، حيث بلغت 11 مليار دولار في عام 2020.

ويتضاءل هذا الرقم مقارنة بدول أخرى متوسطة الدخل اجتذبت تدفقات أعلى بكثير من الاستثمار الأجنبي المباشر في نفس العام، مثل الهند. (50 مليار دولار)، أو البرازيل (70 مليار دولار)، أو جنوب أفريقيا (90 مليار دولار).

كما تعاني مصر من عجز تجاري مزمن سجل 37 مليار دولار بنهاية 2023، انخفاضا من 48 مليار دولار في 2022.

علاوة على ذلك، عانت مصر من عجز مالي بلغ في المتوسط 9.5% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العقد الماضي، وتراكمت الديون لتتجاوز 130 مليار دولار في 2020، معظمها طويل الأمد، والاقتصاد هش بسبب اعتماده على مصادر الإيرادات المتقلبة، بما في ذلك السياحة وقناة السويس والتحويلات الأجنبية، والتي تراجعت بسبب الحروب في العالم والمنطقة.

وتتساءل الكاتبة: ولكن لماذا تواجه مصر، رغم إمكاناتها الكبيرة، مثل هذه العقبات الاقتصادية الملحوظة؟

وتجيب: رغم أن العديد من خبراء الاقتصاد يعزوون الأزمة إلى سوء إدارة الاقتصاد الكلي، ويعترفون بأهمية استقرار الاقتصاد الكلي لتحقيق النمو، فإن هذا التفسير لا يجسد التعقيد الكامل للقضية.

الاقتصاد السياسي

وتضيف: وبدلاً من ذلك، من الممكن أن نفهم التحول الاقتصادي البطيء والمتواضع نسبياً في مصر بشكل أفضل من خلال عدسة "الاقتصاد السياسي للأفكار".

تاريخياً، التزمت الأيديولوجية الاقتصادية في مصر لفترة طويلة بنهج الانغلاق على الذات واستبدال الواردات في ظل نظام جمال عبدالناصر (1950-1970)، وهو اتجاه شائع بين الاقتصادات النامية خلال عصر إنهاء الاستعمار.

وتضمنت السمات الرئيسية لنظام عبدالناصر تأميم الأصول الخاصة، وإدارة مؤسسات الدولة، واستبدال الواردات، والقيود على الصادرات.

وفي وقت لاحق، سعى نظام أنور السادات (1970-1981) إلى عكس هذا الاتجاه من خلال تقديم تشريع جديد للاستثمار مؤيد للسوق يُعرف باسم سياسة "الباب المفتوح".

ومع ذلك، فقد تم رفض أيدولوجيته على نطاق واسع، كما يتضح من أعمال شغب الخبز عام 1977.

وفي عام 1981، وصل حسني مبارك إلى السلطة في أعقاب أعمال الشغب هذه، مما منعه من البدء في إصلاحات جوهرية مماثلة.

وبدلاً من ذلك، استخدمت حكومته نهجاً مختلطاً، فنفذت سياسات جزئية ومجزأة مؤيدة للسوق في حين اعتمدت على بقايا قوية من عصر عبدالناصر.

وتقول الكاتبة إن هذا النهج مستمر حتى يومنا هذا، حيث تجلت هذه الأيدولوجية المختلطة، على سبيل المثال، في التقدم البطيء لبرنامج إدارة الأصول العامة (الخصخصة)، والحجم الكبير نسبياً للقطاع العام في الاقتصاد.

لا استراتيجية طويلة المدى

وتشير إلى أن مصر لم تتبن قط أيدولوجية طويلة المدى وموجهة نحو تحقيق الأهداف ومؤيدة للسوق، كما فعلت كوريا الجنوبية التي اعتمدت برنامجا للتصنيع قائم على التصدير مسترشدا برؤية طويلة المدى، وكذلك تركيا التي مثلت تطلعاتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سبباً في دفع إصلاحاتها الاقتصادية الداعمة للسوق والتقدم الاقتصادي الشامل في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.

وتؤكد الكاتبة أن الاقتصاد المصري استمر في العمل باستخدام إصلاحات اقتصادية مجزأة، والتي تعوقها بقايا حقبة عبد الناصر القوية، مما أدى إلى نمط بطيء وغير متسق في التنفيذ.

وقد أدى هذا النهج المختلط إلى زيادة حالة عدم اليقين الاقتصادي، مما يشكل تحديات أمام المستثمرين المحليين والعالميين على حد سواء.

وتختتم الكاتبة تحليلها بالقول: "لمعالجة التحديات الأساسية التي تواجه الاقتصاد المصري، لا بد من تقييم ومعالجة متطلبات الاقتصاد السياسي، وليس فقط التركيز على أساسيات الاقتصاد الكلي".

وتردف: "ومن دون تعزيز إيدولوجية أكثر قوة مؤيدة للسوق، سواء داخل الحكومة أو بين عامة الناس، فإن الإصلاحات الاقتصادية في مصر ستظل حبيسة دائرة من الركود لسنوات قادمة".

المصدر | رشا حلوة / المركز الأطلسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أزمة مصر الاقتصاد المصري معضلة استراتيجية الاقتصاد الاقتصاد السياسي