استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

في قطاع غزّة: ترومان والكونت برنادوت

الاثنين 19 فبراير 2024 02:46 ص

في قطاع غزّة: ترومان والكونت برنادوت

"نظرا لأنّ غالبية سكان رفح هم أبناء فلسطين التاريخية، يتوجب بالتالي أن يعودوا إلى بيوتهم التي طُردوا منها خلال سنوات النكبة".

سؤال يُطرح بشكل تلقائي ونزيه، أو خبيث ومنافق: إلى أين يذهب أهالي رفح، إذا واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة ضدّ قطاع غزّة؟

حضور ترومان والكونت برنادوت في ملفات رفح اليوم، وفي قطاع غزّة، أمر يتجاوز الافتراض إلى مستويات أكثر تماساً مع واقع عودة فلسطين إلى خارطة الاهتمام الدولي.

لعل حضور ترومان والكونت برنادوت يُلقي إلى مزابل التاريخ، مجدداً، مقولة بن غوريون الشهيرة: "يجب فعل كل شيء لئلا يعودوا أبداً. الكبار سيموتون والصغار سوف ينسون".

عادت فلسطين إلى الاهتمام الدولي: قضية شعب وأرض وتاريخ وهوية وحقوق إزاء كيان استعماري استيطاني عنصري ارتكب جرائم الحرب 76 عاما ويواصل بلا رادع أو حساب أو عقاب.

الدبلوماسي السويدي الكونت برنادوت، لم تغفر له عصابات الإرهاب الصهيوني أنه أنقذ أكثر من 30 ألف يهودي من النازية، فحاولت اغتياله 7 مرّات قبل الإجهاز عليه في القدس، سبتمبر 1948.

ترومان: «إذا واصلت إسرائيل رفض المبادئ الأساسية الواردة في قرار الأمم المتحدة 194، لسنة 1948 [حول عودة اللاجئين]، فإنّ حكومة الولايات المتحدة ستُجبر آسفة على استنتاج أنّ مراجعة الموقف من إسرائيل بات أمراً لا يمكن تجنّبه".

* * *

ثمة هذا السؤال، الذي يُطرح على نحو تلقائي ونزيه تارة، أو خبيث ومنافق تارة أخرى: إلى أين يذهب أهالي رفح، إذا واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة ضدّ قطاع غزّة؟ تساؤل النموذج الأول جاء من جوزيب بوريل مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي: إلى القمر؟ تساؤل النموذج الثاني جاء من وزيرة الخارجية الألمانية: إلى الهواء؟

ثمة، إلى هذا، إجابات شتى سابقة جاءت على ألسنة غير منتظَرة، سنوات ما بعد النكبة وانفجار مأساة اللاجئين ومصادرة البيوت والأراضي وتدمير القرى والبلدات؛ نصّت عليها قرارات أممية صريحة اللغة، وأوصى بها مبعوثون دوليون، واضطرّ أنصار دولة الاحتلال إلى الاعتراف بها حتى من باب المماطلة والتسويف.

سام حسيني، صحافي أردني فلسطيني مقيم في أمريكا، اقترح مؤخراً حفنة من الإجابات تنتهي جميعها إلى جواب واحد منطقي بقدر ما هو مشروع وقانوني: بالنظر إلى أنّ غالبية سكان رفح الراهنة هم أبناء فلسطين التاريخية، وبالتالي يتوجب أن يعودوا إلى بيوتهم التي طُردوا منها خلال سنوات النكبة.

لماذا، على سبيل المثال الأول، لا يذهب المرء إلى الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان، أحد أشدّ مناصري دولة الاحتلال، وهذا التصريح: «إذا واصلت إسرائيل رفض المبادئ الأساسية التي وردت [في قرار الأمم المتحدة 194، لسنة 1948، بخصوص اللاجئين الفلسطينيين]، فإنّ حكومة الولايات المتحدة سوف تُجبر آسفة على الاستنتاج بأنّ مراجعة الموقف من إسرائيل بات أمراً لا يمكن تجنّبه".

أو يذهب، في مثال ثانٍ، إلى الدبلوماسي السويدي الكونت برنادوت، الذي لم تغفر له العصابات الإرهابية الصهيونية أنه أنقذ أكثر من 30.000 يهودي من الأجهزة النازية، فحاولت اغتياله 7 مرّات قبل أن تُجهز عليه في القدس، أيلول (سبتمبر) 1948؛ عقاباً له على تقرير أممي جاء التالي في إحدى فقراته:

"لسوف يكون اعتداء على مبادئ العدالة في حدودها الدنيا إذا قوبل ضحايا النزاع الأبرياء هؤلاء بإنكار حقّ العودة إلى بيوتهم، بينما يتدفق المهاجرون اليهود إلى فلسطين، أو على الأقلّ تجنّب الاستبدال الدائم للاجئين العرب الذين تضرب جذورهم في الأرض طيلة قرون".

خيار العودة إلى مساكن الأصل في فلسطين التاريخية افتراضي بالطبع، ومنذ ابتداء عمليات الـ"ترانسفير" القسري لشعب فلسطين كانت المؤسسة الصهيونية الرسمية أو شبه الرسمية، والغالبية الساحقة من خطوط الفكر الصهيوني على اختلاف تلاوينه؛ تتلاقى، في كثير وليس في قليل فقط، مع العمليات الإرهابية التي انخرطت فيها عصابات الهاغانا وشتيرن وبالماخ وإرغون، لتقويض حقّ العودة أياً كانت دموية الوسائل أو وحشية الأدوات، وأياً اتجهت نقاط الخلاف مع أقرب أنصار الكيان الصهيوني في واشنطن ولندن وباريس.

لكنه خيار حقوقي وقانوني، لا تصحّ الاستهانة به في مستوى الوعي الجَمْعي الفلسطيني وتذكير الأجيال أبناء القرن الحالي، ثمّ أولئك الذين تفتّح ويتفتّح وعيهم على أطوار استفحال الأبارتيد في هذا الكيان الصهيوني، بأنّ الغالبية الساحقة من 1.5 مليون فلسطيني لائذٍ بجغرافية الـ55 كيلومتر مربع في رفح هم، أيضاً، أبناء عكا ويافا وحيفا والجليل وطبريا؛ قبل غزّة المدينة ودير البلح وخان يونس..

وأن يحضر أمثال ترومان والكونت برنادوت في ملفات رفح اليوم، وفي قطاع غزّة بأسره، أمر يتجاوز حال الافتراض إلى مستويات أكثر تماساً مع واقع عودة فلسطين إلى خارطة الاهتمام الدولي؛ بوصفها قضية شعب وأرض وتاريخ وهوية وحقوق، إزاء كيان استعماري واستيطاني وعنصري ارتكب جرائم الحرب على امتداد 76 سنة، ويواصل ارتكابها من دون رادع أو حساب أو عقاب.

ولعله حضور، في مستوى دورات التاريخ ونقائض الحاضر قياساً على الماضي، يُلقي إلى مزابل التاريخ، مجدداً، مقولة بن غوريون الشهيرة: "يجب أن نفعل كل شيء كي لا يعودوا أبداً. الكبار سيموتون والصغار سوف ينسون".

*صبحي حديدي كاتب سوري مقيم في باريس

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

غزة فلسطين رفح ترانسفير العودة أمريكا ترومان الكونت برنادوت كيان استعماري مزابل التاريخ قضية فلسطين