استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عندما لا تحكم الأخلاق السياسة

الأربعاء 2 مارس 2016 05:03 ص

تمتلئ وسائل الإعلام العربية، المرئية والسمعية، يوميا بمحاولات تفسير ما يحدث في أرض العرب، من صراعات ونكبات مجتمعية وانتكاسات هائلة في السياسة والاقتصاد. وتحظى بعض العناوين بقسط وافر من الاهتمام ومن إبرازها كأسباب لكل ما يحدث من مصائب وويلات.

من بين تلك العناوين ما يشدد على موضوع الصراعات الطائفية، ومنها ما يشير إلى غياب الديمقراطية، والبعض يبرز السقوط المذهل للنظام الإقليمي القومي العربي، الذي كان إلى حد ما يمنع الصراعات العبثية بين الأنظمة العربية، وأخيرا هناك من يحيل الموضوع برمته إلى التراث الثقافي العربي، الذي أفسد الحكم والمجتمعات والعباد عبر القرون، من خلال قراءات خاطئة وفهم متخلف متزمت منغلق للدين الإسلامي الحنيف.

إبراز تلك العناوين والأسباب هو صحيح يؤكده الواقع العربي. لكن في اعتقادي أن هناك عنوانا لم يحصل على الاهتمام الكافي ليصبح موضوعا مجتمعيا مطروحا للنقاش الواسع وللدراسة المتعمقة. إنه موضوع مدى تناغم وتفاعل القيم الأخلاقية مع ممارسة السياسة في بلاد العرب، وبمعنى آخر، هل هناك محل للقيم الأخلاقية في ضبط وتوجيه الحياة السياسية في بلاد العرب؟ الواقع أن هذا الموضوع مطروح بشدة منذ القدم، فالمفكر والدبلوماسي الإيطالي، ماكيافيلي، طرح منذ عدة قرون مسألة الفصل التام بين القيم الأخلاقية وممارسة السياسة.

وقد تبنت الغالبية الساحقة من المجتمعات الغربية مبادئ المدرسة الماكيافيلية هذه، وفصلت بين عالمي السياسة والأخلاق بالنسبة لما تقوم به الدولة وأنظمة الحكم، وما تصدره مؤسسات التشريع. ونتج عن ذلك قبول عام بأن القيم الأخلاقية التي تنطبق على الأفراد ليس بالضرورة تنطبق على السياسي، فاذا كان الكذب والخداع والمراوغة مثلا صفات غير حميدة وغير أخلاقية بالنسبة للفرد العادي، فإنها ليست بالضرورة كذلك بالنسبة للسياسي، الذي قد يضطر إلى أن يمارسها إذا اعتقد أن ممارستها هي من أجل الصالح العام. لكن تبني هذه المدرسة قد أدى إلى إفساد الكثير من أنظمة الحكم الديمقراطية، ولذلك يجد الإنسان نفسه أمام مراجعات كثيرة في الغرب بشأن انتشار الفساد وغياب العدالة وقبول المواطن العادي للسياسي الفاسد، بسبب هذا الفصل التعسفي بين الأخلاق والسياسة.

وفي تاريخنا العربي أبرز المؤرخ وعالم الاجتماع ابن خلدون كيف أن الدول قامت على العصبية والغلبة، وليس على مقدار ممارسة المبادئ الأخلاقية في الحكم. إذن نحن أمام موضوع متجذر في التاريخ وله انعكاسات سلبية على الحاضر حتى في المجتمعات المتقدمة في أنظمة حكمها. لكن في الوقت الذي توجد في المجتمعات المتقدمة تلك فلسفتان، الفلسفة الأخلاقية والفلسفة السياسية، تتحاوران حول هذا الموضوع، فان هذا الموضوع يبقي عندنا مطروحا على استحياء، ولذلك يبقى الكثير من الأسئلة بحاجة الجواب.

مثلا، إلى أي مدى يمكن السماح لأن تصبح الغاية تبرر الوسيلة في الحياة العامة؟ إذ أن هذا السؤال توجب طرحه ممارسات يومية غير أخلاقية في الحياة العربية.

فممارسة السجن التعسفي، ثم تعريض السجين للتعذيب المبرمج، هل يمكن أن تبرره غاية استتباب الأمن ومحاربة الإرهاب؟ ألا توجد بدائل لتلك الوسائل البشعة تنسجم مع القيم الأخلاقية الإنسانية ومع القيم الحقوقية؟

مثل آخر، هل أن غاية نبيلة من مثل التنمية الاقتصادية تبرر تدمير البيئة، وبالتالي تحرم الأجيال القادمة من العيش في بيئة متوازنة وصحية؟ مثل آخر، هل عندما يسرق أحدهم فردا آخر نعتبر السرقة موضوعا أخلاقيا، بينما إذا شرع نظام حكم أو برلمان قانونا يؤدي إلى سرقة الملايين من الناس وإفقارهم، فان ذلك يعتبر قضية سياسية لا دخل لها بالقيم الأخلاقية؟ 

من هنا فان الربط التام غير المتراخي بين الأخلاق والسياسة أصبح قضية القضايا. فليس بكاف أن يكون السياسي كفؤا وعبقريا في اقتراح الحلول من خلال اتباع الأنظمة، حتى لو كان ذلك على حساب القيم الأخلاقية.

والحكم على الحاكم، حتى لو كان، كشخص، إنسانا طيب القلب وغير عدواني ورفيع الأخلاق، يجب أن يعتمد على مقدار احتكام ذلك الحاكم للفضائل الأخلاقية في ممارسته للحكم وفي القرارات التي يتخذها وفي السياسات التي يتبناها. بمعنى آخر مقدار ما يساهم ذلك الحاكم في جعل المجتمع مجتمعا أخلاقيا وفي بناء دولة الأخلاق.

عند ذاك، عندما تكون أخلاقية الدولة مساوية في أهميتها لأخلاقية الأفراد، ويكون ذلك متجذرا في وعي الناس ويستعملونه في حكمهم على مؤسسات الحكم ومؤسسات التشريع والأحزاب، عند ذاك فقط ستصبح قيم العدالة والمساواة في المواطنة والحرية المسؤولة والكرامة الإنسانية… ستكون تلك القيم ومدى تطبيقها في صلب الحياة السياسية وفي صلب تكوين ذهنية الإنسان السياسي العربي.

وسيساهم حل إشكالية الأخلاق في السياسة في حل كل الإشكاليات الأخرى التي نعتبرها أسبابا رئيسية لدخول الأرض العربية في الجحيم الذي تعيشه الآن.

٭ د. علي محمد فخرو - سياسي ومفكر بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الأخلاق السياسة الإرهاب التعذيب الديمقراطية

الجامعة والسياسة

5 سنوات على الثورات العربية .. العجز الفكري ومسألة السياسة

السياسة .. إذ تأكل المجتمع

النفط والسياسة والاقتصاد

الدين والسياسة والمعيار المزدوج

سـيادة المال والاختلال الأخلاقي

خلط الأخلاق!